هل يصمد الاقتصاد السعودي في وجه تراجع اسعار النفط؟

هل يصمد الاقتصاد السعودي في وجه تراجع اسعار النفط؟

 e35
قبل نحو عام، شهد العالم اكبر هزة لأسواق النفط منذ حرب الخليج الاولى وبرزت الكثير من التحليلات التي تنذر بانهيارات لاقتصادات الدول المنتجة للنفط ،وتوالت الاصوات التي تندد بالدول التي تقف وراء هذا الهبوط ،وفي الحقيقة كان هناك من التحليلات التي ارجعت الاسباب الى عوامل سياسية واقتصادية تشترك فيها عدد من الدول .

المملكة العربية السعودية صاحبة اكبر انتاج نفطي بالعالم ، كانت قد اشارت اصابع الاتهام من قبل بعض الدول الاقليمية والاجنبية بأنها تقف وراء هذا التراجع في اسعار النفط وانها فعلت ذلك لأسباب سياسية حيث سعت الى الابقاء على معدلات الانتاج واغراق الاسواق بالمعروض النفطي على الرغم من تراجع الطلب ، لكن السعودية نفسها اكدت اكثر من مرة ان هدفها هو الحفاظ على الحصة السوقية وكبح جماح منتجو النفط غير التقليديين (النفط الصخري) وهو ما شهده العالم من منافسة شرسة بين المنتجين التقليديين والغير تقليديين تراجعت على اثرها اسعار النفط لتصل الى مستويات دنيا لامست في بعض الاوقات سقف 40 دولارا للبرميل .

في الحقيقة استطاعت العربية السعودية ان تؤثر على منتجو النفط غير التقليدي من خلال تراجع ارباحهم وخفض السعر الى ما دون المتوقع لتجعل من هذا المنافس غير ذي جدوى اقتصادية وقد تراجعت على اثر ذلك حفارات التنقيب الاميركية ، لم تنته المنافسة لكن اوبك وعلى رأسها السعودية استطاعت ان تحرز انتصارا بالحفاظ على حصتها السوقية ومواجه المنافس الجديد والإبقاء على سقف الإنتاج لمنظمة “أوبك” كما هو عليه بواقع 30 مليون برميل يوميا.

هل اثر انخفاض اسعار النفط على السعودية ؟

منذ انهيار اسواق النفط في تشرين الاول / اكتوبر 2014 سعت العربية السعودية الى تحصين اقتصادها والعملة الاجنبية ، وقد استطاعت المملكة ان تحقق مرادها منذ اكثر من عام بالإبقاء على سقف الانتاج دون ان يتأثر اقتصادها كما يدعي البعض ، فالاقتصاد السعودي اقتصاد ضخم يمكن ان يتحمل لفترة طويلة خصوصا وان الرياض لديها احتياطي ضخم كذلك هناك تنوع في اقتصادها ، خصوصا في الصناعات البتروكيماوية والصادرات غير النفطية الاخرى اضف الى ذلك استثمارها في فوائض الميزانية وقوة اقتصادات الحج والعمرة التي تصل إلى أكثر 100 مليار خلال السنوات المقبلة واقتصادات المنشآت السياحية واقتصادات التمور، بالإضافة الى عدد من المزايا التي يمتاز بها الاقتصاد السعودي :

• حجم الاقتصاد السعودي فهو في المرتبة الأولى عالمياً في احتياطي البترول وإنتاجه وتصديره .
• تحتل المملكة المرتبة الرابعة عالمياً من حيث احتياطي الغاز.
• أكبر منتج للبتروكيماويات في العالم العربي.
• تم تصنيف المملكة كواحدة من أكبر 20 اقتصاداً في العالم وهي احدى اعضاء مجموعة العشرين “G20”.
• احتلت المركز 11 عالمياً بين الدول التي تتمتع بسهولة أداء.

وفي تصريحات اخيرة لشبكة الCNN الاميركية ،ـقال جون سفاكياناكيس، المستشار الأعلى السابق في وزارة المالية السعودية، إن المملكة العربية السعودية في وضع مختلف كثيرا عما يظنه البعض في الخارج بأنه ومع تراجع أسعار النفط فإن المملكة انتهت”.

ويتابع سفاكياناكيس : “بالتأكيد رؤية مدخولك يتراجع بنسبة تصل إلى 50 في المائة هو أمر ليس جيدا، ولكن مع ذلك فإن المملكة العربية السعودية أقوى مما يعتقد.”
وبالمقارنة مع الاسواق الناشئة فأن السعودية بوضع أفضل بكثير من غيرها من الدول المصنفة كاقتصادات صاعدة مثل البرازيل وروسيا ونيجيريا فلا يزال لديهم احتياطات ضخمة تتجاوز نسبة 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بالإضافة إلى أقل نسبة دين من الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم.”
وأردف قائلا: “السعودية اليوم أكثر قوة بكثير مما حدث في العام 1990 عندما كان لديهم احتياطات أجنبية أقل بكثير وقدرة أقل على الإنفاق.”

من خلال هذه التصريحات يتبين لنا ان بعض الدول الاقليمية والاجنبية تسعى الى التهويل من اثر تراجع اسعار النفط على الاقتصاد السعودية ويمكن القول ان دول مثل ايران وروسيا هم من يحاولوا ان يوصلوا للعالم بأن الاقتصاد السعودي هش وأنه لايمكن ان يتحمل هذا التراجع ، بالإضافة الى محاولة تحريض الدول المنتجة الاعضاء في منظمة اوبك على السعودية من باب انها هي من تتبنى سياسة نتراجع الاسعار .

ويؤكد اقتصاديون قدرة السعودية المالية والاقتصادية على مواجهة أي أزمات مالية حتى لو استمر انخفاض النفط إلى 10 دولارات، وذلك بفضل عدة عوامل تتمثل في الاحتياطات المالية والنفطية والقوة البشرية.

ويشير الخبراء الى ان الاقتصاد السعودي لايزال قويا ومتماسكا رغم تراجع ايرادات النفط حيث تشير بيانات مصلحة الجمارك العامة السعودية الى ان صادرات السعودية غير النفطية زادت خلال العام الماضي 2014 بنسبة 7.5 %مقارنة بعام 2013 وبلغت 190 مليار ريال في مقابل 176.6 مليار ريال في العام 2013 بزيادة قدرها 13.4 مليار ريال .

وعليه ان حملة ايران وورسيا على العربية السعودية تعود لتأثر هذه الدول من تراجع الاسعار واختلال موازناتها العامة حيث تعرضت لهزات عنيفة افقدتها مليارات الدولارات .

ايران تسببت اسعار النفط في تكبدها خسائر كبيرة فسعر البرميل المنخفض حال دون تحقيق مرابح لشحناتها ، كذلك تم بيعها بأسعار منخفضة جدا ، وقد اثر هذا الوضع وعلى قدراتها المالية والاقتصادية وحتى على مشروعها التوسعي في الشرق الاوسط .

ختام القول ان الاقتصاد السعودي أكبر اقتصاد عربي وهو اقتصاد قوي ومستقر ، ويمكن ان يواجه الانخفاض في اسعار النفط لفترة طويلة بفضل الوفرة المالية التي تراكمت عبر سنوات طويلة ، كذلك تتفوق السعودية على الاقتصادات الصاعدة من خلال حجم السيولة لديها وقو استجابتها للمتغيرات التي قد تواجهها من انخفاض اسعار النفط ،وهو الامر الذي يعتبر ميزة اقتصادية للسعودية تميزها عن غيرها من الاقتصادات العربية و الكثير من الاجنبية وهو ما اكدته وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني بأن الموضوعية تقود الاقتصاد السعودي لمصاف الاقتصادين الألماني والياباني..

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية