أمريكا والصين: من سيهبط عن السور؟

أمريكا والصين: من سيهبط عن السور؟

قدّم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أمس الخميس، رؤية بلاده الاستراتيجية تجاه الصين، والتي كان أبرز النقاط فيها أن الصين هي الدولة الوحيدة التي لا تملك الرغبة لتغيير النظام العالمي فحسب، بل تملك أيضا القوة المتصاعدة، اقتصاديا، ودبلوماسيا، وعسكريا، وتكنولوجيا لتحقيق ذلك، وهو ما يجعلها، كما قال، التحدي البعيد المدى والأكثر جدية للمنظومة العالمية.
الخطاب يشير إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، صارت مضطرة لإعلان خطوط سياستها تجاه بكين بعد 16 شهرا من تنصيبه، بعد أن تغيّرت خطوط الجغرافيا السياسية العالمية بشكل حاسم، منذ 24 شباط/فبراير الماضي، حين قام الجيش الروسي بغزو أوكرانيا، وهو ما فرض على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في حلف الناتو إعلان دعمها العسكري والاقتصادي الواضح للحكومة الأوكرانية، وهو ما وضع الصين، الطامحة، كما قال بلينكن، لتغيير النظام العالمي، أمام خيارات صعبة بدعم روسيا بشكل مباشر، مع ما يمثله ذلك من زجّها في مواجهة مع الغرب، أو محاولة الوقوف على الحياد، مع ما يعنيه ذلك من تضييع فرصة تغيير قد لا تتكرر.
يأتي الخطاب بعد أيام من اجتماع في اليابان، الخصم الجغرافي التاريخي للصين، ضم أمريكا وأستراليا والهند، وتوجيهه إنذارا لبكين بعدم محاولة تغيير الوضع القائم بالقوة، في إشارة طبعا إلى خطط الصين باحتلال جزيرة تايوان، وبعد تصريحين غير مسبوقين من قبل بايدن، الذي قال فيهما إن بلاده مستعدة لاستخدام القوة العسكرية للدفاع عن الجزيرة، والتي تزامنت مع تلميحات من رئيس وزراء اليابان، كيشيدا فوميو، الذي كان موجودا في المؤتمر الصحافي الذي ألقى فيه بايدن تلك التصريحات، بدعم هذا الموقف، بعد عقود طويلة من اعتماد سياسة سلميّة في العالم ومنطقة شرق آسيا، والتي لا تتعلق بتايوان ومضيقها المائي، بل بمصير اليابان وآسيا، وبالتالي مصير العالم.
يحاول خطاب بلينكن، مع ذلك، الهبوط عن السور العالي الذي رفعته تصريحات بايدن، والذي تبعته تصريحات غاضبة من بكين، حيث يؤكد على أهمية التنافس بين واشنطن وبكين على مستويات متعددة، وعلى التأكيد على دور الصين الكبير في الاقتصاد العالمي، وعلى أن بلاده لا تريد الدخول في نزاع أو «حرب باردة جديدة».
يعلم القادة الصينيون، في المقابل، أن وصول بلادهم إلى هذه الدرجة من القوة الاقتصادية والسياسية ارتبط بشكل وجودي، بالعلاقات الاقتصادية والتجارية العالمية، وأن الخيار بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمنظومة الغربية محسوم، فبغض النظر عن نتائج المغامرة الروسية في أوكرانيا، فإن تأخير صراع مشابه مع أمريكا وحلفائها الغربيين واليابان وأستراليا والهند، هو من مصلحة بكين بالتأكيد، كما هو من مصلحة واشنطن.
مفروغ منه، أن مصلحة البلدين الكبيرين، ومصلحة العالم، هي في منع اندلاع حروب عالمية أو حروب نووية والحفاظ على السلام العالمي، وأن دور البلدين رئيسي في وقف تدهور العالم نحو نقطة لا يمكن الرجوع عنها، وهو ما يوفر عليهما، وعلى البشرية، كوارث كبرى.

القدس العربي