ملامح الكارثة البيئية تتجسد في الشرق الأوسط

ملامح الكارثة البيئية تتجسد في الشرق الأوسط

لندن – ضربت موجة من العواصف الرملية العديد من البلدان في الشرق الأوسط، وهي ليست سوى واجهة من واجهات الكارثة البيئة التي تنتظر المنطقة.

وتشير الفيضانات المفاجئة وحرائق الغابات والعواصف الثلجية ودرجات الحرارة الشديدة إلى حقيقة صعبة. ومع تغير مناخ الأرض، يمكن القول إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معرضة إلى خطر أكبر من أيّ منطقة أخرى في العالم.

ففي أواخر العام الماضي، نشر معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية تحليلا شاملا للتحديات والمخاطر التي تواجهها المنطقة. ويشير التقرير إلى حقيقة أن تغير المناخ أصبح مرئيا منذ 2015، حيث أصبح الكوكب أكثر سخونة بمقدار درجة مئوية واحدة مما كان عليه قبل 100 سنة. وأكّد تعرض ما يقرب من نصف سكان المنطقة، أو 40 في المئة منهم، إلى كوارث مناخية.

وشهد الصيف الماضي بالفعل تحطيم الأرقام القياسية في مدينة النويصيب الكويتية حيث سجلت رقما قياسيا عالميا قدره 53.2 درجة مئوية مما يجعلها أكثر الأماكن سخونة على وجه الأرض. وغالبا ما تكسر درجات الحرارة في العراق حاجز 50 درجة مئوية. كما سجلت السعودية والإمارات وسلطنة عمان درجات حرارة أعلى من 50 درجة مئوية.

دراسة أوروبية تحذر من احتمال أن تصبح مدن الشرق الأوسط غير صالحة للسكن مع ارتفاع درجات الحرارة ومستويات المياه

ومع اقتراب الصيف، ترتفع درجات الحرارة مرة أخرى في المنطقة، وتفاقم العواصف الرملية الوضع، خاصة بالنسبة إلى الدول الفقيرة، وكذلك الفئات الأكثر ضعفا.

ويعرض تقرير معهد الاتحاد الأوروبي بالتفصيل للأضرار التي تلحقها الحرارة الشديدة بجسم الإنسان، حيث يقول إن درجة الحرارة الهواء الرطب (مقياس يجمع بين درجة حرارة الهواء والرطوبة) الأعلى من 35 درجة مئوية تؤدي إلى التعرق وزيادة معدل ضربات القلب من أجل تبريد الجسم. كما تنخفض مستويات الأكسجين بشكل خطير بعد 45 دقيقة عند تجاوز 39 درجة مئوية.

ويمكن أن تتسبب الحرارة الشديدة في حدوث ضربة حرّ، حيث ترتفع درجة حرارة الجسم فوق 40 درجة مئوية، مما يؤدي إلى مشاكل في الكلى والقلب مثل السكتة القلبية وتلف الدماغ وضعف الوظائف الإدراكية. ولن يكون السكان قادرين على مواجهة موجات الحرارة التي تستمر لأسابيع عند درجات حرارة أعلى من 56 درجة مئوية دون تكييف هواء ثابت.

وفي بلدان مثل العراق حيث يتضرر أمن الإمداد بالكهرباء بشدة بسبب عدم الكفاءة والفساد وبنية الشبكة التحتية وسوء الصيانة، يبدو الوضع قاتما.

وازداد غضب العراقيين الذين عانوا عقودا من انقطاع التيار الكهربائي ويواجهون صيفا حارّا آخر، حيث أعلنت هيئة النزاهة العراقية الحكم بالسجن مع وقف التنفيذ على وزير الكهرباء السابق وفرض غرامة قدرها 700 دولار مقابل عقد قيمته 800 مليون دولار تشوبه مخالفات. ومنذ 2003، أنفق العراق 60 مليار دولار على جهود ترميم وإعادة البناء، لكن معظم هذه الأموال اختفت في ثقب أسود من الفساد.

ويمكن للمواطنين في دول الخليج الثرية أن يطمئنوا إلى وفرة إمدادات الكهرباء التي ستحافظ على عمل مكيفات الهواء الخاصة. وعلى الرغم من أن العواصف الرملية مزعجة، إلا أنها لن تخلّف تأثيرا سلبيا كبيرا على صحتهم.

وحذرت الأكاديمية الكويتية أبرار الشمري في تغريدات لها من الأضرار التي ستلحقها العواصف بصحة الملايين من العرب الفقراء والعمال المهاجرين.

وشاركت الشمري في تأليف تقرير حديث لمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة لندن بعنوان “حالة الطوارئ الصامتة” حول التهديد الذي يشكله تغير المناخ على الكويت.

40 في المئة من سكان المنطقة معرضون لكوارث مناخية بعد أن أصبح الكوكب أكثر سخونة

وتظهر هذه الدراسة أن تغيّر المناخ داخل المجتمع الكويتي ليس أولوية، وأنه لا يزال الكثير على الحكومة أن تفعله بعد أن بدأت في التعامل مع التحدي.

وقالت الدراسة إنه يتعين على الجهات الفاعلة في الدولة والمجتمع في الكويت القيام بعمل كبير لبناء الوعي العام وحثّ صانعي السياسات بشأن تغير المناخ في البلاد، كاشفة عن أن المسؤولين الحكوميين يفتقرون إلى المعرفة حول هذا الموضوع ولا يزال الوعي العام بين الجمهور ضعيفا.

ويعدّ هذا قائما في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث تصارع الحكومات التحدي بدرجات متفاوتة من الالتزام ومع اختلال في الموارد اللازمة لاستخدامها في المعركة.

وتحذر دراسة معهد الاتحاد الأوروبي من أنه ما لم يحدث تطوّر سريع يجعل من الممكن التقاط الكربون الموجود بالفعل في الغلاف الجوي بطريقة مدارة بأمان وبتكلفة منخفضة، فمن المؤكد أن المنطقة ستشهد زيادة في درجة الحرارة بحوالي درجتين مئويتين بين 2021 و2039.

وتشير الدراسة خاصة إلى استفحال انعدام الأمن المائي، إذ يعدّ الماء الضحية الأولى لتغير المناخ. وتبقى جميع التأثيرات الأخرى من الدرجة الأولى لتغير المناخ في المنطقة هي نتيجة لما يفعله تغير المناخ بالمياه. وتعتبر المياه بالفعل سلعة نادرة في العالم العربي حتى دون الآثار الضارة لتغير المناخ.

وسيكون النظام الغذائي العربي في حالة يرثى لها في العقود المقبلة. وسيؤدي وجود قطاع زراعي ضعيف الأداء إلى نقص في الغذاء، وإلى زيادة أسعار المواد الغذائية الإقليمية.

وحذر المعهد من احتمال أن تصبح المدن غير صالحة للسكن مع ارتفاع درجات الحرارة ومستويات المياه، وتدمير قطاعات الصناعة الرئيسية مثل السياحة، وحتمية أن يسعى لاجئو تغير المناخ إلى الهروب من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما لم يُتّخذ أي إجراء فعّال.

العرب