اتخذت مسارات الأحداث بين واشنطن وطهران آفاقا عديدة تمثلت في محصلة المواقف التي أقرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية واكدتها في تقريرها الصادر في 30 ايار2022 وتضمن العديد من الوقائع والإشارات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والتطورات الحاصلة بزيادة مخزون إيران من اليورانيوم المخصب ذاكرة النسب المئوية التي حصلت عليها وشكلت ضغطا سياسيا على المواقف الإيرانية في المفاوضات الخاصة بجولات الحوار في العاصمة النمساوية فيينا والذي توقف منذ شهر آذار الماضي، وأعطت الوكالة نسب ذكرت انها تجاوزت مخزون اليورانيوم بأكثر من (18) مرة وان ما دونته الوكالة في شهر شباط 2022 حول المخزون كان يمثل (3187,1) كغم واما في شهر أيار الماضي فوصلت الزيادة إلى(3809,3) كغم وهذا يشكل بعدا كبيرا عن ما التزمت به إيران وتعهدت به بأن لا يتجاوز مخزون اليورانيوم (202,8) كغم ، كما رفعت إيران مخزونها من المواد المخصبة بنسبة 20% إلى(238,4) كغم بعد أن كان (182,1) كغم وهذا خلاف ما تعهدت به في اتفاقية العمل المشترك عام 2015 على أن تكون(3,67) كغم ، ويشير التقرير أيضا إلى أن طهران تمتلك الآن(43,1) كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وهي على عتبة الوصول إلى 90% اللازمة لصنع قنبلة ذرية وهي زيادة حصلت عما كان سابقا تمتلكه بواقع (33,2) كغم من اليورانيوم المتعلق بنسبة 60% , وارى الوكالة أن هذه الزيادات في البرنامج النووي والأبحاث الإيرانية تؤدي إلى صنع راس متفجر وهو برأيها يشكل خطرا أمنيا وخروجا عن التعهدات بين النظام الإيراني والوكالة الدولية.
ازدات مخاوف مفتشي الوكالة بعدم استجابة إيران للتحقيق حول آثار اليورانيوم المخصب التي عثر عليها في ثلاث مواقع ايرانية غير معلنة في أطراف محافظة طهران والتي طلبت الوكالة الرأي فيها والتحقق ميدانيا منها ولكن المسؤولين الإيرانيين تغاضوا عن هذا الامر مما جعل المفتشين يعلنوا أن خطورة زيادة النسب وعدم التمكن من التحقيق في المواقع الثلاث سيؤدي إلى مناقشة التقريرين خلال اجتماع لمحافظي الوكالة الدولية أوائل هذا الشهر وان المباحثات مع إيران وصلت لطريق مسدود، وهناك احتمالات واردة جدا ان يصدر قرار ضد إيران من قبل المجلس المكون من 35 عضوا اوربيا وقد يؤثر على سير المفاوضات وعلاقة إيران بمجلس الأمن الدولي.
وهذا يعني أن الاحتمالات واسعة في عدم استئناف الحوار الخاص بمفاوضات البرنامج النووي الإيراني وتأثير المعلومات الميدانية على الموقف الإيراني سياسيا واقتصاديا وعلاقته مع أطراف دولية في الاتحاد الأوروبي وعدم استجابة الإدارة الأمريكية للمقترحات التي قدمت مؤخرا من قبل مجموعة(4+1) وهذا يشكل عبئا داخليا يزيد من محنة النظام وحدة النقمة الشعبية والتظاهرات الجماهيرية في معظم المدن الرئيسية بسبب سوء الأحوال المعاشية وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض العملة المحلية والتأخر في دفع المستحقات المالية لموظفي القطاع العام وزيادة التضخم الاقتصادي بنسبة 41 % ، وعلى هذا المنوال بدأ النظام الإيراني خطابه الموجه للوكالة الدولية معتبرا تقريرها الاخير انه غير منصف وهذا ما أكده سعيد خطيب الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية بأن( التقرير لا يعكس واقع المفاوضات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية وان التقرير غير منصف ولا متوازن ) ،
زاد من اضطراب الموقف الإيراني ما قامت به السلطات الايرانية يوم 31 أيار 2022 من احتجاز لناقلتي النفط اليونانيتين في مياه الخليج العربي والذي اعتبرته الإدارة الأمريكية محاولة لتهديد سلامة الملاحة في شواطئ الخليج وإدانة احتجاز قوات من الحرس الثوري الإيراني للناقلتين ، وجاء الرد الإيراني متسما بالتعنت وإظهار الحق في التصرف الإيراني مشيرا إلى أن اليونان ويطلب من واشنطن قاما بحجز سفينة محملة بالنفط الإيراني في 19نيسان 2022 وهي سفينة روسية باسم (بيغاس) تم حجزها قبالة جزيرة أيبويا تنفيذا للعقوبات الأوربية الخاصة بالمواجهة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا وهي تحمل(115) الف طن من النفط وافرج عنها بعد ذلك ، هذه الإجراءات والأفعال الإيرانية كان لها صدى واسع في إيقاف العمل لتحريك جولة المفاوضات في فيينا.
لا تزال المنظومة السياسية الإيرانية تأخذ برؤيتها الخاصة بمشروعها السياسي ومواجهتها للمجتمع الدولي وفقدان الرؤية الحقيقية في كيفية إدارة أزمة المفاوضات للوصول للغاية التي يصبو إليها النظام الإيراني وهي رفع العقوبات الاقتصادية ووضع آليات جديدة وبرنامج مشترك لإدارة الملف النووي الايراني بما يحقق غايات وأهداف جميع الأطراف ، وتشكل الإجراءات التي تقوم بها السلطات الايرانية عاملا رئيسيا في عدم استجابة الإدارة الأمريكية واستمرار تمسكها بالشروط التي بدأت تضغط عليها داخل أروقة القرار السياسي وتوجهات أعضاء مجلسي النواب والشيوخ الذي جعل الرئيس الأمريكي جو بايدن يتخذ قرارا يوم 26 أيار 2022 بانه ( لن يستجب للمطلب الإيراني ولن يرفع العقوبات عن الحرس الثوري أو يسحب اسمه من لائحة المنظمات الإرهابية والداعية للارهاب ) وهذا يعني أن الإدارة الأمريكية قد حسمت موقفها من الحوار الخاص لمفاوضات البرنامج النووي وأنها جادة في تفعيل العقوبات الاقتصادية ضد النظام الإيراني أو أنها استشعرت وعبر وسطاء اوربين ودوليين أن هناك مؤشرات ايرانية لتجاوز هذه العقبة و البدأ بعقد الجولة التاسعة من المفاوضات وإيجاد الحلول المناسبة لإقرار الموقف النهائي من الحوارات.
والاحتمال الاخير يمكن أن يتحقق بعدما قدم منسق الاتحاد الأوروبي انريكي مورا مقترحا للاوربين يتضمن قبول إيران عدم إدراج رفع العقوبات عن الحرس الثوري في مفاوضات احياء الاتفاق النووي شرط أن توافق الإدارة الأمريكية على مناقشته مستقبلا وضمن إطار زمني محدد وبنوايا أمريكية حقيقية لإنهاء الملف النووي ، وهذا ما اشار اليه مسؤول مجلس العلاقات الخارجية والاستراتيجية الإيراني كمال خرازي ان زيارة مورا إلى طهران فتحت الطريق أمام استئناف المباحثات الإيرانية وادامة الحوار في فيينا .
يبقى الموقف العام في استئناف المفاوضات مرهون بمدى استجابة إيران المجتمع الدولي وتطورات السياسية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي والأبعاد الميدانية التي ستحققها زيارة جو بايدن للمنطقة .
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية