التحول من السلع نحو الخدمات.. تغير عادات الاستهلاك يخفف التضخم في أميركا

التحول من السلع نحو الخدمات.. تغير عادات الاستهلاك يخفف التضخم في أميركا

يمكن للتغييرات في عادات الإنفاق أن تساعد في تخفيف مشاكل سلسلة التوريد والتضخم. وفي مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، قال الكاتب ديفيد لينش إن المستهلكين عادوا إلى عاداتهم السابقة مع عودة التوازن بين الإنفاق على السلع والخدمات إلى ما كان عليه في مايو/أيار 2020.

ووفقا للبيانات المعدلة للتضخم من شركة الشحن فليكس بورت، فقد ارتفع استهلاك السلع بنحو 5% عن ما قبل الجائحة.

وبحسب الكاتب فإن المطاعم بعدما نجت من أسوأ جائحة (فيروس كورونا) بدأت في الانتعاش حيث بدأ المستهلكون المرهقون من شراء السلع يتحولون إلى الإنفاق على الخدمات، مثل تناول الطعام في الخارج. وكان أزمة “كوفيد-19” قد أدت إلى إغلاق دور السينما والمطاعم وتراجع معدلات السفر.

وينقل عن كاثي بوستانسيك كبيرة الاقتصاديين الأميركيين في أكسفورد إيكونوميكس “نحن في المراحل الأولى فقط من رؤية تحول الإنفاق الاستهلاكي من السلع إلى الخدمات. ومع مرور الوقت، ستتعزز قطاعات تقديم خدمات الطعام والسفر والطيران والضيافة، فالمستهلك يتطلع أكثر إلى الإنفاق على الخدمات، خاصة مع قدوم الربيع والصيف”.

التحول نحو الخدمات
ويرى الكاتب أن التحول نحو الخدمات، الذي يعكس المستهلكين المتعطشين لاستئناف أنماط حياتهم السابقة، يعتبر خبرا جيدا من كل الجوانب وليس لأصحاب الأعمال فقط، كما يمكن أن يخفف الضغط على سلاسل التوريد المجهدة ويساعد مجلس الاحتياطي الفدرالي في حملته لتهدئة التضخم.

ويشير إلى أن التغيير الذي يشهده الاقتصاد يبدو واضحا، فقد ارتفعت مبيعات التجزئة في أبريل/نيسان بنسبة 8% عن العام السابق، وفقا للتقدير المسبق من وزارة التجارة الأميركية التي لم تأخذ التضخم في الاعتبار، لكن الإنفاق في المطاعم قفز بنحو 20%.

“تارغت” أحد أكبر بائعي التجزئة بالولايات المتحدة فوجئ بتغير تفضيلات المستهلكين مما اضطر لإجراء خصم على الكثير من المنتجات (الفرنسية)
وفي مارس/آذار، بلغ الإنفاق على الخدمات المعدلة للتضخم مستوى قياسيا بلغ 8.6 تريليونات دولار، متجاوزا الرقم السابق المسجل في فبراير/شباط 2020.

وبحسب الكاتب، تقول شركة الضيافة “ماريوت” إن الطلب العالمي على الغرف من المسافرين بغرض الترفيه في الربع الأول كان 10% أعلى من حجوزات عام 2019، وحسب خطوط “ساوث” الجوية، فإن إيراداتها التشغيلية الفصلية بنهاية يونيو/حزيران المقبل ستكون أعلى من مستويات ما قبل تفشي الجائحة.

لكن “تارغت” أحد أكبر بائعي التجزئة في البلاد، فوجئ الأسابيع الأخيرة بتغير تفضيلات المستهلكين، مما تركه مع وابل من المنتجات مثل الأجهزة والتلفزيونات التي اضطر إلى إجراء خصم عليها.

تغير سلوك المستهلكين
أدى ازدهار السلع وتراجع الخدمات إلى عكس النمط المعتاد لسلوك المستهلك خلال فترة الركود، فعادة ما تدفع الأوقات العصيبة الأشخاص إلى تأجيل عمليات الشراء غير الضرورية، ولكن في ظل عمل ملايين الأميركيين من المنزل ازداد الطلب عبر الإنترنت في حين كان عمال التنظيف والفنادق يعانون.

ويبين الكاتب أن الجولات المتعددة من التحفيز الفدرالي، جنبا إلى جنب مع سياسات الأموال السهلة للبنك المركزي، ساعدت في دعم الاستهلاك بينما يتعافى الاقتصاد. وعلى مدار العام الماضي، ومع انخفاض معدل البطالة بشكل مطرد، أدت فرص العمل الوفيرة إلى استمرار الإنفاق على السلع.

وأوضح أن الكثير مما اشتراه الأميركيون جاء من مصانع في الخارج، لا سيما في الصين، مما تسبب في انسداد سلاسل التوريد العالمية.

وبحلول الربيع الماضي، أدى الاصطدام بين ارتفاع الطلب وتقلص العرض إلى رفع الأسعار، وحسب ما صرح به رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول، في معظم أيام عام 2021، فإن أزمات العرض ستكون مؤقتة وستتراجع الأسعار، لكن هذا لم يحدث.

ولفت الكاتب إلى أنه قد يبدأ مزاج المستهلك الجديد في التأثير على سلاسل التوريد، حيث انخفض الطلب على النقل بالشاحنات بنحو الثلث منذ بداية مارس/ آذار، رغم استمراره بالارتفاع، وفقًا لمؤشر طلب السوق لشركة “تراستوب”. بينما كان عدد حاويات الشحن المستوردة التي تصل إلى ميناء لوس أنجلوس أقل من الرقم المسجل العام الماضي لمدة 7 أسابيع متتالية.

إيجابيات
بالنظر إلى الفارق الزمني بين وقت تقديم الشركات الأميركية طلبات الاستيراد وعندما تصل البضائع إلى جنوب كاليفورنيا، فليس من الواضح أن هذه التغييرات تعكس أذواق المستهلكين المتغيرة، وفقا لما ذكره جين سيروكا المدير التنفيذي للميناء، قائلا إن البضائع التي وصلت إلى لوس أنجلوس قبل أيام تم طلبها قبل 3 إلى 4 أشهر.

لكن الكاتب يعتبر أن هذا النوع من التحول في الاستهلاك من السلع إلى خدمات يمكن أن يسهم في التخفيف من الاضطرابات التضخمية في سلسلة التوريد التي يقول باول إنها كانت أكبر وأطول أمدا مما كان متوقعا، ويمكن أن تقيد عوامل أخرى الإمدادات وترفع الأسعار خارجة عن سيطرة البنك المركزي، مثل تداعيات الحرب بأوكرانيا وعمليات الإغلاق القاسية بالصين لوقف انتشار فيروس كورونا.

وقد يؤدي التحول إلى زيادة الإنفاق على الخدمات لإعادة تشكيل الطلب على العمالة لفائدة التوظيف في الصناعات ذات التفاعل المباشر مع المستهلك، مثل الفنادق والمطاعم.

ويختتم الكاتب تقريره بتوقعه بأن يواصل الاحتياطي الفدرالي رفع أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة في كل من اجتماعيه المقبلين، في محاولة لإبطاء زيادات أسعار المستهلك.

المصدر : واشنطن بوست