لبنان على وشك الدخول في فراغ سياسي طويل الأمد

لبنان على وشك الدخول في فراغ سياسي طويل الأمد

بعد أن أفرزت الانتخابات النيابية التي جرت في الخامس عشر من مايو الماضي برلماناً مشتتاً يلوح في الأفق فراغ سياسي في لبنان في ظل عجز المتسابقين إلى قصر بعبدا عن توفير الأكثرية المطلوبة وعدم وجود تفاهم بين هؤلاء حول شخصية توافقية.

بيروت – يواجه لبنان سيناريوهات معقدة لهندسة المشهد السياسي المقبل بعد أن أفرزت الانتخابات النيابية التي جرت في الخامس عشر من مايو الماضي برلمانا مشتتا.

وتتجه الأنظار إلى منصب رئاسة الجمهورية الذي لا يوجد توافق حول مرشح واحد لشغله، ما يجعل الباب مفتوحاً أمام كل السيناريوهات بشأنه قبيل الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في وقت لاحق من هذا العام.

ولم تفرز الانتخابات النيابية أكثرية واضحة خصوصا بعد خسارة حلفاء حزب الله العديد من المقاعد، ليفقدوا الأكثرية في مجلس النواب (61 نائبا من أصل 128).

وفي المقابل نجح حزب القوات اللبنانية المعارض لحزب الله في تحقيق تقدّم كبير يسمح له بتشكيل كتلة من أكثر من 20 نائبا مع حلفائه.

لكن المفاجأة الأكبر في الاستحقاق المذكور جاءت عبر القوى التغييرية التي نجحت في إيصال 15 مرشحا إلى البرلمان الجديد، كان لهم حضور بارز في ساحات التظاهر منذ انتفاضة تشرين 2019.

يُرجح مراقبون أن يلجأ الخصوم السياسيون في لبنان -الذي يشهد انهيارا اقتصاديا ونذر هزات اجتماعية جديدة- إلى مناورات جديدة في الصراع على نيل منصب رئاسة الجمهورية.

وقال مايكل يونغ -وهو باحث وكاتب لبناني- إنه “في ظل عدم وجود مرشح توافقي يمكن أن يُجمع عليه الأفرقاء كافة، يبدو أننا مقبلون على مرحلة طويلة من المناورات، سيستخدم خلالها سمير جعجع (رئيس حزب القوات) وجبران باسيل (رئيس حزب التيار الوطني الحر) مختلف الوسائل المتاحة أمامهما للوصول إلى سدّة الرئاسة، أو الحؤول دون تولّي آخرين هذا المنصب”.

وذكر يونغ في ورقة بحثية لمركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط أنه “من غير المرجّح أن تفلح مساعيهما في تحقيق مبتغاهما، وسيضطر الجميع بالتالي إلى البحث عن مرشح توافقي حين لا يعود الاستمرار في التعطيل خيارًا ممكنًا. لكن حتى هذا الترتيب ينطوي على مشكلات عدة، إذ سيكون من الصعب جدًّا الإجماع على مرشح توافقي”.

ويعاني لبنان من أزمة اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة تُعزى أساسا إلى فساد قادته وإهمالهم منذ ثلاثة عقود، فيما لا يبدو اللبنانيون متفائلين باقتراب تجاوز محنتهم.

وانهار سعر صرف العملة الوطنية الأسبوع الماضي إلى نحو 36000 ليرة لبنانية للدولار الواحد، وبالكاد تستطيع معامل الطاقة تأمين ساعة واحدة يوميًا من التيار الكهربائي للمنازل والشركات والمؤسسات الحكومية، فيما يجري تقنين المياه في بيروت وجبل لبنان بسبب انقطاع الكهرباء.

ويقوم النظام السياسي في لبنان على أساس اقتسام السلطات والمناصب السيادية وفقا للانتماءات الدينية والطائفية.

رغم حدة الأزمة الاقتصادية في لبنان إلا أن الصراع على الرئاسة يحتدم بين باسيل حليف حزب الله وجعجع

وكرّس اتفاق الطائف المبرم عام 1989 -والذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)- معادلة اقتسام السلطة والمناصب الرئيسية على أساس المحاصصات بين المكونات الأساسية الثلاثة: المسيحيين والسنة والشيعة.

ورغم حدة الأزمة الاقتصادية إلا أن الصراع على الرئاسة سيحتدم على الأرجح بين باسيل حليف حزب الله وجعجع.

وقال يونغ “سنشهد على الأرجح رقصة ثنائية لا طائل منها. سيقول جعجع إنه نال عددًا أكبر من أصوات المسيحيين مما ناله باسيل، ما يجعله المرشح الماروني الأقوى للرئاسة. وسيردّ باسيل بأنه يملك الكتلة النيابية الأكبر، ما يجعله المرشح الماروني الأقوى. وستبقى الأمور عالقة عند هذه النقطة”.

ولا يمكن أن تساعد المقتضيات الدستورية -التي يتقيد بها مجلس النواب عند انتخاب رئيس الجمهورية- على حل هذه المشكلة.

ولذلك لن يحصل أي من المرشحَين على أكثرية الثلثين المطلوبة لانتخابه في الدورة الأولى من الاقتراع.

وفي هذه الحالة سيتم اللجوء إلى دورة ثانية يجب أن يحصل أحدهما خلالها على أكثرية مطلقة من الأصوات، أي 65 صوتًا أو أكثر، للفوز بالرئاسة.

وفي الوقت الراهن لا يبدو جعجع أو باسيل قادرين على نيل عدد من الأصوات يكون قريبًا من هذا الرقم، لاسيما أنهما يواجهان معارضة غير مُعلنة حتى من بعض حلفائهما المزعومين.

وفي ظل غياب أغلبية واضحة داخل المجلس النيابي الجديد قد يكون اللبنانيون على موعد مع انتخابات رئاسية بحكومة تصريف أعمال، ناهيك عن أن فشل إيران والولايات المتحدة وبقية القوى العالمية في التوصل إلى اتفاق جديد في المحادثات النووية بجنيف السويسرية قد يزيد من تعقيد المشهد في لبنان حيث لا يمكن حينها التوصل إلى تفاهم إقليمي بشأن هذا البلد.

وسيؤدي ذلك إلى زيادة الاستقطاب الذي يحكم قبضته على البلاد ويُفاقِم صعوبة التوصل إلى إجماع حول مرشح توافقي للرئاسة.

في ظل هذه التعقيدات يبرز اسم قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون الذي كثف تحركاته الخارجية، لكن من غير الواضح ما إذا كان سيحظى بدعم أو حتى موافقة على إيصاله إلى الرئاسة خاصة من طرف حزب الله وحلفائه.

واعتبر يونغ أن “عون هو الشخصية الوحيدة القادرة على ردم الهوّة، باعتباره يتولى قيادة المؤسسة الوطنية الوحيدة التي تحظى باحترام عابر للطوائف”.

لكن هذا الحل يحتاج إلى أن يتحرك البرلمان لتعديل الدستور الذي ينص على أن موظفي الفئة الأولى لا يحق لهم الترشح للرئاسة إلا بعد انقضاء سنتَين على انقطاعهم عن الوظيفة.

وقال يونغ “كي يتحقق ذلك يجب أن يوافق جعجع وباسيل (وكذلك حزب الله) على هذا الترتيب، ما يؤشّر على أن التوافق، إذا تمّ، لن يحدث على الأرجح إلا بعد فترة طويلة يدرك خلالها الرجلان تدريجيًا أن حظوظهما الرئاسية معدومة”.

ويبدو باسيل منزعجا من الدعم الدولي الذي بات يحظى به العماد عون رغم نفي حزب التيار الوطني الحر قبل أسبوع طلب رئيسه تغيير محافظ المصرف المركزي وقائد الجيش.

ويقول مراقبون إن الزيارات الخارجية التي يقوم بها قائد الجيش ولقاءاته مع مسؤولين عرب وغربيين هي جزء من تحرك أوسع يبحث فيه الجيش اللبناني عن الدعم الخارجي من أجل لعب دور أكثر فاعلية في حماية أمن لبنان في ظل الأزمة السياسية التي لا يبدو حلها قريبا بالرغم من الضغوط الدولية المختلفة والتلويح بالعقوبات التي قد تطال أغلب الفاعلين السياسيين.

العرب