يحاول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كسر الطوق الذي يفرضه عليه نظيره السابق نوري المالكي عبر حشد دعم المرجعيات الدينية حوله.
وفي خطوة لافتة زار العبادي أمس السبت محافظة النجف، جنوبي العراق، حيث التقى مراجع دينية بحث معها العملية السياسية وبخاصة محاولات عرقلة الإصلاحات التي كان طرحها استجابة للتحركات الشعبية التي شهدها العراق الصيف الماضي.
ومن بين الشخصيات التي التقاها رئيس الوزراء المرجع الديني الأعلى علي السيستاني والمرجع الديني إسحاق الفياض وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر. والمثير وفق المتابعين أن رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري قد ذهب بدوره إلى النجف وذلك بعيد وصول العبادي بساعات قليلة، حيث دارت أنباء عن لقائه بالسيستاني.
وقد ذكرت مصادر عراقية أن زيارة الجبوري أتت في سياق مساعيه لتوضيح دعم البرلمان للإصلاحات شريطة أن لا تتعارض مع الدستور.
وتأتي زيارة العبادي والجبوري بعد يوم واحد من انتقاد المرجعية الدينية العليا المتمثلة في علي السيستاني للبرلمان بسبب سحبه التفويض من رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي بشأن الإصلاحات.
وصوّت البرلمان العراقي بالإجماع خلال جلسة عقدت الاثنين الماضي على إعادة جميع الصلاحيات التي منحها للعبادي إلى جهاتها الأصلية، كما صوّت مجلس النواب على منع السلطتين التنفيذية والقضائية من استخدام صلاحياته.
وحذر المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني البرلمان الجمعة من استغلال مخاوفه بشأن قانونية الإصلاحات التي أعلنها رئيس الوزراء حيدر العبادي كذريعة لعرقلتها.
وأشار السيستاني في تصريحات نقلها مساعد له إلى أن الإصلاحات “أعطت بعض الأمل في حصول تغييرات حقيقية يمكن أن تسير بالبلد نحو الهدف المطلوب، وقد تم التأكيد منذ البداية على ضرورة أن تسير تلك الإصلاحات في مسارات لا تخرج بها عن الأطر الدستورية والقانونية”.
وقال “ولكن لا بد هنا من التأكيد أيضا على أنه لا ينبغي أن يُتخذ لزوم رعاية المسار الدستوري والقانوني وسيلة من قبل السلطة التشريعية أو غيرها للالتفاف على الخطوات الإصلاحية أو التسويف والمماطلة في القيام بها استغلالا لتراجع الضغط الشعبي في هذا الوقت”.
وكان العبادي قد أطلق في أغسطس الماضي حزمة من الإصلاحات في مسعى لامتصاص الغضب الشعبي الذي اندلع في أكثر من مدينة عراقية جراء تفشي مظاهر الفساد والمحسوبية وتدني الخدمات واهتراء البنية التحتية.
وتضمنت الإصلاحات إلغاء عدد من المناصب الحكومية البارزة وإقالة ثلث الحكومة وخفض المخصصات الأمنية للسياسيين وإعادة فتح تحقيقات في الفساد.
وقد أزعجت هذه الإصلاحات الكثيرين وفي مقدمتهم رئيس كتلة ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الذي جُرّد من منصب نائب الرئيس. وخيمت المشاحنات السياسية والمسائل القانونية على استجابة العبادي الأولية لهذه الدعوات كما فتر حماس المتظاهرين.
وقد نجح المالكي مؤخرا في إقناع النواب بسحب التفويض من العبادي بشأن الإصلاحات معتبرا أن ذلك يشكل انتهاكا للدستور بما في ذلك إقالة نواب الرئيس وخفض رواتب موظفي الحكومة.
وكان العبادي قد أكد في 3 نوفمبر عزمه وإصراره على المضيّ في الإصلاحات ومحاربة الفساد غداة قرار مجلس النواب,
وأفاد بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء أن رئيس الوزراء “حيدر العبادي يؤكد عزمه وإصراره على الاستمرار بالإصلاحات ومحاربة الفساد والفاسدين وعدم التراجع عن ذلك رغم التحديات والعقبات”.
وأضاف “لن تفلح محاولات من خسروا امتيازاتهم بإعاقة الإصلاحات أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ونقض ما أنجزناه، فإرادة المواطنين أقوى منهم وستقتلع جذور الفساد وتحقق العدل في العراق”.
وعلى الرغم من أن البرلمان أكد أنه لا يزال يدعم العبادي لكن المغزى من القرار بدا واضحا وهو وضع قيود على تنفيذ الحكومة لخطة الإصلاحات. ويبدو من خلال متابعة تصريحات وتحركات نوري المالكي أن طموح الأخير لن يقف عند أعتاب فرض قيود على الإصلاحات بل يتجاوز ذلك إلى إسقاط حكومة حيدر العبادي.
وضمن هذا السياق تأتي زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى النجف في مسعى لإقناع المرجعيات الدينية بتكثيف ضغوطها على المالكي لثنيه عن نهجه الحالي الذي بات يهدد الاستقرار النسبي للمؤسسات في العراق.
ويتوقع المحللون أن تستجيب المرجعيات لطلب العبادي ولكن الأمر المستبعد هو أن يخضع المالكي لدعواتهم ومناشداتهم.
وأمس السبت جدد رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي تأكيده على بقاء مناصب نواب رئيس الجمهورية وعدم إلغائها لحد الآن.
وقال المالكي خلال مؤتمر لدعم الحشد الشعبي في كربلاء إن “الإصلاحات مطلوبة، لكن يجب أن لا تتعارض مع السياقات القانونية والدستورية، وهذه كلها تحت المراجعة والمناصب لم تلغ إلى حدّ الآن”.
وأوضح “مجلس النواب في سحبه للتفويض الممنوح، معناه أن كل هذه القرارات التي اتخذت يجب أن تراجع”.
صحيفة العرب اللندنية