هل واشنطن مستعدة لتصعيد المنافسة التكنولوجية مع بكين

هل واشنطن مستعدة لتصعيد المنافسة التكنولوجية مع بكين

ما تزال المنافسة بين الولايات المتحدة والصين تمضي بلا هوادة بل وتتشعب مجالاتها ما بين السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا، حيث تسعى واشنطن جاهدة لتحجيم التعملق الصيني الذي يمكن أن يضر بمصالحها.

وضمن تلك المنافسة تستهدف الولايات المتحدة شركات تكنولوجية صينية كبرى بعقوبات مشددة، لكن تلك الشركات لها مصالح تتجاوز مجرد المنافسة مع الولايات المتحدة، حيث تتعلق بمصالح دول عدة.

ويقول المحلل الاستراتيجي جيك هارينغتون إنه في خطاب رئيسي الأسبوع الماضي شرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بالتفصيل سياسة إدارة الرئيس جو بايدن الناشئة تجاه الصين. وخلال تلك التصريحات أوضح بلينكن كيف ستركز السياسة الأميركية على الجهود الرامية إلى “تشكيل البيئة الاستراتيجية المحيطة ببكين”.

وهذا يعني التنافس مع الصين بدلا من مواجهتها مباشرة من خلال المشهد الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري والتكنولوجي على مدى العقد المقبل.

هيمنة المؤسسات المالية الأميركية يمكن أن تضعف مبيعات هيكفيجن العالمية وقدرتها على تأمين الوصول إلى الموردين

ويضيف هارينغتون أنه من خلال الرؤية المحددة للمنافسة التكنولوجية أشار بلينكن إلى أن “بكين أتقنت المراقبة الجماعية داخل الصين وصدرت تلك التكنولوجيا إلى أكثر من ثمانين دولة”.

وفي إشارة إلى الرفض الأميركي للكيفية التي تعزز بها الصادرات التكنولوجية الصينية جهود بكين للسيطرة على الأسواق وتطبيع استخدام المراقبة والبيانات الضخمة والتحليلات لتأجيج القمع وخنق المعارضة، قال بلينكن إن الولايات المتحدة وشركاءها ذوي التفكير المماثل يتصورون مستقبلا “يتم فيه استخدام التكنولوجيا لرفع مستوى الأشخاص، وليس قمعهم”.

ولكن إلى أي مدى ترغب الولايات المتحدة في الذهاب لمواجهة شركات التكنولوجيا الصينية التي تتهمها بتمكين انتهاكات حقوق الإنسان داخل الصين وخارجها؟ إذا أثبتت التقارير الأخيرة دقتها، فقد نكتشف ذلك قريبا.

وفي أوائل مايو ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز أن إدارة بايدن تدرس إضافة شركة هيكفيجن، أكبر منتج في العالم لمعدات وخدمات المراقبة بالفيديو، إلى نظام العقوبات الأكثر صرامة في الولايات المتحدة، وهي “قائمة المواطنين المصنفين بشكل خاص”.

وقد تكون هيكفيجن غير مألوفة بشكل كبير مقارنة بعمالقة التكنولوجيا العالمية الصينية الأخرى (مثل هواوي وزد.تي.إي وتيك توك) الخاضعة لتدقيق الحكومة الأميركية وإجراءاتها في السنوات الأخيرة، لكنها تخضع بالفعل لمستويات متفاوتة من العقوبات المالية الأميركية التي تستهدف سجل الشركة في مجال حقوق الإنسان والتهديدات للأمن القومي. وعلى الرغم من القيود الكبيرة القائمة على قدرة هيكفيجن على إجراء الأعمال التجارية مع الشركات والحكومة الأميركية، فإن إدراجها في قائمة العقوبات الخاصة من شأنه أن يمثل تصعيدا كبيرا. ولن يحمل هذا التصعيد تداعيات عالمية كبيرة على أكبر مورد لمنتجات المراقبة بالفيديو في العالم فحسب، بل سيزيد أيضا من حدة المنافسة التكنولوجية الصينية – الأميركية.

والتصنيف بموجب قائمة العقوبات الصارمة يجمد أصول الهدف ويعرض أي شخص أو منظمة أميركية تقوم بأعمال تجارية مع الكيان الخاضع لها لعقوبات محتملة.

وتقليديا، تستخدم هذه التصنيفات ضد الأفراد والمنظمات المستهدفة بموجب برامج مكافحة الإرهاب أو مكافحة المخدرات أو مكافحة الانتشار النووي الأميركية. ومع ذلك، منح قانون غلوبال ماغنيتسكي العالمي لعام 2016 السلطة التنفيذية مجالا أوسع لتصنيف الأفراد والكيانات المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان والفساد في أي مكان في العالم.

واستخدمت إدارة بايدن على نطاق واسع هذا التصنيف بموجب غلوبال ماغنيتسكي خلال عامها الأول في الحكم، مستخدمة سلطة فرض عقوبات على الأفراد والمنظمات في جميع أنحاء الأميركتين وأفريقيا وأوروبا وآسيا.

 

ويتسق هذا الاستخدام لمواجهة منتهكي حقوق الإنسان والمسؤولين الفاسدين في الخارج مع استراتيجية الأمن القومي الناشئة لإدارة بايدن، وتحديدا التركيز الذي توليه لتعزيز الديمقراطية ومكافحة الفساد الدولي.

وبالتالي فإن جزءا من القصة هو أن الولايات المتحدة ربما تسعى لممارسة النطاق الكامل لسلطاتها بموجب قانون غلوبال ماغنيتسكي، بممارسة أقصى قدر من الضغط على أي فرد أو منظمة مسؤولة عن بناء وبيع التكنولوجيات المستخدمة لارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.

ومن هذا المنظور، تشكل العقوبات أداة لتعزيز جدول أعمال “الديمقراطية التكنولوجية” للولايات المتحدة. وفي الواقع، لن تكون هيكفيجن أول شركة تكنولوجيا صينية متهمة بتمكين انتهاكات حقوق الإنسان يتم استهدافها بالقائمة الخاصة للعقوبات؛ إذ يتعلق هذا التمييز أيضا بشركة “سي.إي.آي.إي.سي” الصينية، التي تم فرض عقوبات عليها في عام 2020 لتزويد حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بنسخة تجارية من “جدار الحماية العظيم” الصيني.

وخارج الولايات المتحدة، من شبه المؤكد أن هيمنة المؤسسات المالية الأميركية والمعاملات المقومة بالدولار يمكن أن تضعف مبيعات هيكفيجن العالمية وقدرتها على تأمين الوصول إلى الموردين. ويأتي ما يقرب من 25 في المئة من مبيعات هيكفيجن من الخارج، وبدون أي إعلان رسمي من قبل الحكومة الأميركية، لا تزال هيكفيجن تتكبد خسائر اقتصادية كبيرة. وخسر سهم الشركة أكثر من 20 في المئة من قيمته منذ نشر قصة صحيفة فاينانشال تايمز، مما أدى إلى محو 15 مليار دولار من القيمة السوقية للشركة.

وعلى الرغم من أن الصين والولايات المتحدة تشيران إلى وجهات نظرهما بوضوح تام، فإن التحدي الأكبر في الصراع العالمي حول دور التكنولوجيا في المجتمع هو أنه ليس ثنائيا. فهو ليس تعريفا بحتا من قبل الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، أو من قبل القوى العظمى الفردية مثل الولايات المتحدة والصين.

وإذا كانت الاستراتيجية الأميركية، كما أشار بلينكن، تركز على “تشكيل البيئة الاستراتيجية المحيطة ببكين”، فيجب على واشنطن أن تستعد ليس فقط لحرمان بكين من المساحة لتعزيز أجندتها الاستبدادية التقنية، ولكن أيضا للتنافس عندما تنشأ الفرص.

وتمتلك الولايات المتحدة الأدوات المالية اللازمة لإضعاف هيكفيجن، لكنها ستحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير، بما في ذلك المال والتكنولوجيا وقصة مقنعة لملء الفراغ الذي خلفته وراءها.

صحيفة العرب