الولايات المتحدة تعود إلى مقديشو لمنع تحول الصومال الجائع إلى أفغانستان الأفريقية

الولايات المتحدة تعود إلى مقديشو لمنع تحول الصومال الجائع إلى أفغانستان الأفريقية

بينما ينهي انتخاب رئيس جديد في الصومال أشهرا من الفوضى السياسية، تدق الأمم المتحدة ناقوس الخطر بشأن المجاعة الوشيكة وتعيد نشر القوات الأميركية الخاصة في مقديشو لصدّ كل محاولات الحركات الجهادية لتحويل الصومال إلى أفغانستان الأفريقية.

مقديشو – يواجه الصومال تهديدات ملحة متعددة بما في ذلك تمرد إسلامي متشدد، وجفاف شديد ومجاعة تلوح في الأفق. لذلك قررت الولايات المتحدة إعادة نشر القوات الخاصة للتصدّي لسناريوهات تحويل الصومال إلى أفغانستان جديدة، خاصة وأنه يبدو مستعدا لذلك أمنيا واقتصاديا واجتماعيا.

وتقول الأمم المتحدة إن 7.1 مليون صومالي، أي ما يقرب من 50 في المئة من السكان، يواجهون بالفعل انعدام الأمن الغذائي إلى درجة أن المشكلة تصل إلى نطاق الأزمة حتى سبتمبر على الأقل. وسيواجه 213 ألف شخص من هؤلاء مجاعة كارثية، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 160 في المئة منذ أبريل.

وسيزداد الوضع سوءا حتى منتصف 2023 على أقرب تقدير إذا كان موسم الأمطار القادم أقل من المتوسط، حيث قد يكون الموسم الخامس على التوالي الذي يفشل في تسجيل معدّل من شأنه أن ينقذ الوضع.

استمرار الجماعات الإرهابية في التوسع سيناريو قاتم تحتاج إدارة بايدن إلى التفكير فيه وهي تعيد قواتها

وتبرز ثماني مناطق في الصومال معرضة بشكل متزايد لخطر المجاعة، لاسيما في جنوب البلاد حيث يصعّب انعدام الأمن والصراع وصول المساعدات الإنسانية.

وحذّر منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في الصومال آدم عبدالمولى من أن الصومال على شفا جوع مدمر وواسع الانتشار ومجاعة جماعية يمكن أن تودي بحياة مئات الآلاف من الناس. وشدد على ضرورة اتخاذ إجراء فوري لتلافي حدوث ذلك.

كما تواجه البلاد مشكلة حركة الشباب الصومالية الجهادية المتشددة التابعة للقاعدة، والتي لا تزال تسيطر على مساحات شاسعة من البلاد وتشكل تهديدا قويا للحكومة. واستمر تمرد الحركة 15 سنة بالفعل بعد إدارتين أميركيتين وأربعة رؤساء صوماليين بمن فيهم الرئيس حسن شيخ محمود عندما كان في ولايته الأولى.

وفي يناير أبلغ مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسسة أكاديمية تتبع وزارة الدفاع الأميركية، عن زيادة بنسبة 17 في المئة في عمليات العنف التي تورطت فيها حركة الشباب خلال العام الماضي (من 1771 إلى 2072)، مما يمثل زيادة مطردة تقترب من ضعف الـ1080 المسجّلة سنة 2015.

وقُتل ما لا يقل عن 30 جنديا بورونديا وأصيب 20 آخرون في هجوم انتحاري بواسطة سيارات مفخخة وانتحاريين ورجال مدججين بالسلاح شنته حركة الشباب على معسكر للاتحاد الأفريقي في الصومال في الثالث من مايو.

ووافق الرئيس الأميركي جو بايدن خلال الشهر الماضي على خطة لإعادة نشر مئات من القوات الخاصة الأميركية في الصومال بالإضافة إلى طلب البنتاغون بصلاحيات دائمة لاستهداف حوالي عشرة من القادة المشتبه بهم في حركة الشباب.

وصرّح السكرتير الصحافي للبنتاغون جون إف كيربي “سمح الرئيس لوزارة الدفاع بإعادة الوجود العسكري الأميركي الصغير المستمر إلى الصومال. وسيستمر اعتماد هذه القوات في تدريب القوات الشريكة وتجهيزها لمنحها الأدوات التي تحتاجها لصدّ حركة الشباب وإضعافها ومراقبتها. ولن تشارك قواتنا بشكل مباشر في العمليات القتالية. حيث أن الغرض هنا هو تمكين القوات المحلية من خوض معركة أكثر فعالية ضد حركة الشباب”.

وتعكس هذه الخطوة، التي رحب بها الرئيس الصومالي على صفحته الرسمية على تويتر، قرار الرئيس الأميركي السابق ترامب بسحب جميع القوات البرية الأميركية البالغ عددها 700 تقريبا من الصومال، وتمثل عودة إلى عملية مكافحة الإرهاب الأميركية. كما تبدو عكس خطة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال التي تريد أن تتولى قوات الأمن الصومالية جميع المسؤوليات من بعثة الاتحاد الأفريقي في البلاد بحلول الحادي والثلاثين ديسمبر 2024.

وكما هو الحال في أفغانستان، تقوم الاستراتيجية الأميركية ضد حركة الشباب في الصومال على بناء جيش وطني كفء قادر على مواجهة المسلحين في ساحة المعركة. ويعمل الجيش الأميركي على تدريب القوات الخاصة الصومالية منذ 2015، بدءا من لواء دنب أو لواء البرق. ويُنظر إلى اللواء على أنه وحدة نموذجية كانت فعالة في محاربة حركة الشباب وتتكون من رجال من جميع أنحاء مناطق الصومال، وبالتالي يقال إنها أقل انخراطا في الخلافات السياسية والعشائرية.

وتشمل الخطة تدريب الولايات المتحدة لأربعة آلاف جندي من النخبة، أي ضعف ما هو موجود اليوم تقريبا، حتى يشكلوا جوهر جيش وطني صومالي قوامه حوالي 22 ألف رجل.

وهذا على الرغم من حقيقة أن المحاولات الأميركية السابقة لتشكيل “قوات ما بعد العشائرية” في مسارح أخرى (مثل الجيش الوطني الأفغاني والجيش العراقي في الموصل) انهارت عند حل الوحدات وعودة أفرادها إلى ميليشياتهم القبلية وعائلاتهم عندما واجهوا عدوا شرسا.

وذكرت مجلة فايس أن الأسلحة التي قدمتها وكالة المخابرات المركزية إلى إحدى الميليشيات الصومالية التي أنشأتها وكالة المخابرات المركزية والتي كانت قوات البحرية الأميركية تشرف عليها منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين اعتُمدت في هجوم مميت قتل فيه ما لا يقل عن 22 شخصا من بينهم طفلان عندما انقسمت الميليشيا إلى فيلقين متقاتلين.

اقرأ أيضا: هاجس نقص التمويل يترك الصوماليين أكثر عرضة للأخطار

لكن عنصرا مهما في خطة الانتقال الصومالية لم يحظ باهتمام كبير حتى الآن، وهو قرار مجلس الأمن رقم 2608 الذي يصرح بعمليات دولية لمكافحة القرصنة في المياه الصومالية والذي سُمح بانتهاء صلاحيته في الحادي والثلاثين مارس عمدا. وكان ذلك لتمهيد الطريق لمزيد من الاستقلال الأمني ​​البحري الصومالي منذ تحسن الوضع الأمني ​​قبالة الساحل.

ووفقا لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2021 عن القرصنة والسطو المسلح في البحر قبالة الصومال، لم يتم الإبلاغ عن أي عملية اختطاف ناجحة منذ مارس 2017، وانخفضت المحاولات والهجمات بشكل حاد منذ 2013.

ومع ذلك، حث بعض المراقبين على توخي الحذر، قائلين إن السماح بإلغاء القرار يخاطر بتشجيع القرصنة. كما دعا العديد من أعضاء مجلس الأمن، مثل فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إلى استمرار تدابير مكافحة القرصنة في بعض المجالات كحماية سفن برنامج الغذاء العالمي.

ويُعتبر انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود الشهر الماضي خطوة رئيسية نحو حل الأزمة السياسية المستمرة منذ أشهر، والتي شهدت صداما مسلّحا بين وحدات مختلفة من أجهزة الأمن الصومالية. لكن الصوماليين الداعمين لحركة الشباب والمعارضين لها أيضا شعروا بالغضب من الطريقة التي حدثت بها الانتخابات، حيث صرحت منظمة مرقاتي غير الحكومية لمكافحة الفساد ومقرها مقديشو “يعكس اختيار البرلمان الصومالي للرئيس الجديد الإخفاقات الممكّنة دوليا للإدارتين السابقتين في مقديشو (…) إن الدرس الوحيد هنا هو أنه من المفيد سياسيا تزوير الانتخابات وأنه لا توجد مساءلة لذلك”.

ونظرا إلى أن الشعب الصومالي لا يدفع الجزء الأكبر من الأموال التي تدير الحكومة الفيدرالية، فإن قادتها لا يحترمونهم ولا يحترمون أولوياتهم. ويبدو احترام الحكومة أكبر للمجتمع الدولي الذي يدفع فواتيرها ويمنحها الحماية المادية.

وقالت مرقاتي إن الحكومة التي تدين بالفضل للداعمين الدوليين تفشل في تمثيل مصالح الشعب، ومن المحتمل أيضا أن تفشل في تحقيق أهداف مؤيديها الأجانب مما سيؤدي إلى ازدياد أزمة الأمن سوءا مع استخدام قوات الأمن لأسباب سياسية وارتفاع الهجرة بسبب سوء إدارة البلاد دون مساءلة. كما قد تشهد القرصنة عودة مع تراجع الفرص الاقتصادية.

ومن الأمور التي تهم الشركاء الدوليين بشكل أكبر أن الجماعات الإرهابية ستستمر في التوسع في البلاد وستعتمدها كقاعدة عمليات لزعزعة استقرار المنطقة وخارجها. ويعدّ هذا سيناريو قاتما تحتاج إدارة بايدن إلى التفكير فيه وهي تعيد قواتها إلى الصومال.

العرب