في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن لشبكة “أيه بي سي نيوز” أنه يعتزم الترشح لإعادة انتخابه في عام 2024 إذا ظل بصحة جيدة، وفي بروكسل هذا العام، قال إنه سيكون محظوظاً إذا سعى خصمه السابق دونالد ترمب، إلى الترشح للرئاسة مرة أخرى، لكن يبدو أن ما يفكر فيه بايدن، لا توافقه الرأي فيه، شريحة واسعة من كبار قادة الحزب الديمقراطي الذين عبروا عن شكوكهم في قدرته على إنقاذ الحزب من هزيمة في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقررة بعد خمسة أشهر، ويعتقدون أيضاً أنه لا يمكن المراهنة على فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ليس روزفلت
على عكس ما كان البعض يتوقع عندما كان اليسار الأميركي يراهن على الرئيس بايدن ليكون مثل فرانكلين روزفلت، الذي وحّد الأميركيين بزعامته القوية وأخرج الولايات المتحدة من الكساد بخطط إنتاجية واسعة، تصاعدت خلال الأيام القليلة الماضية تساؤلات عدة من محللين وكتّاب في وسائل الإعلام الأميركية، حول ما إذا كان ينبغي على الرئيس الحالي الترشح لدورة رئاسية ثانية، غير أن أقوى هذه التساؤلات جاءت في صحيفة “نيويورك تايمز”، التي نقلت عبر مقابلات مع نحو 50 مسؤولاً في الحزب الديمقراطي، من أعضاء في الكونغرس وقيادات حزبية ومسؤولين سابقين، إحباطهم وقلقهم، بشأن المسار الذي تسير فيه إدارة بايدن، وتساؤلاتهم حول قيادته، وعمره، وشكوكهم حول قدرته على إنقاذ حزبه المترنح وقيادة المعركة الحالية ضد الجمهوريين.
وبينما تتصاعد التحديات التي تواجه الولايات المتحدة وتُظهر القاعدة الشعبية للحزب الديمقراطي حماساً منخفضاً، تزايد قلق الديمقراطيين في اجتماعات النقابات، والغرف الخلفية لمبنى الكابيتول هيل، وفي التجمعات الحزبية من الساحل الشرقي للبلاد إلى الساحل الغربي، وتفاقمت الإحباطات من المحاولات المضنية للرئيس وإدارته من أجل الدفع بالجزء الأكبر من أجندته الانتخابية، ما عكس تشاؤماً غير عادي ليس فقط لإنقاذ الحزب في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقررة في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بل أيضاً بشأن قدرة بايدن على منافسة المرشح الجمهوري في انتخابات 2024 سواء كان هذا المرشح هو الرئيس السابق دونالد ترمب أو أي مرشح آخر.
تفسير المصائب
وعلى الرغم من أن غالبية كبار الديمقراطيين المنتخَبين كانوا مترددين في التحدث بشكل رسمي عن مستقبل بايدن، ولم يعرب أحد منهم عن نية سيئة تجاهه، كونهم يشعرون بالامتنان بشكل عام على إطاحته ترمب من منصبه في عام 2020، فإن الإخفاقات المتكررة للإدارة الحالية في تمرير تشريعات ضخمة تعالج قضايا حيوية بالنسبة لأجندة الديمقراطيين، فضلاً عن عدم بذله جهوداً تُذكَر لاستخدام منبر البيت الأبيض في تحريك الرأي العام، جعلهم يشعرون بالأسف إزاء تراجع شعبيته ومعدلات تأييد الحزب.
وترك ذلك القادة الديمقراطيين يكافحون من أجل تفسير سلسلة من المصائب التي ابتلي بها الحزب قبيل معركة الانتخابات النصفية للكونغرس، والتي تبدو في معظمها خارج سيطرة بايدن، بدءاً من معدلات التضخم التي لم تشهد لها البلاد مثيلاً منذ أربعة عقود، إلى ارتفاع أسعار الوقود، بالتزامن مع استمرار وباء “كوفيد-19″، وسلسلة عمليات إطلاق النار الجماعية، واستعداد المحكمة العليا لإنهاء حق الإجهاض على المستوى الفيدرالي، وانتهاء برفض بعض الديمقراطيين في مجلس الشيوخ العمل على الدفع بأجندة الرئيس في مشروعين أساسيين هما “إعادة البناء بشكل أفضل” والذي يترجم أجندة الديمقراطيين من خلال برامج تعليم وتدريب وبرامج اجتماعية، وتوسيع حقوق التصويت.
أخطار المستقبل
وتأتي مخاوف الديمقراطيين في وقت أوضحت فيه جلسة الاستماع الافتتاحية للجنة مجلس النواب التي تحقق في هجوم 6 يناير (كانون الثاني) 2021 على مبنى الكابيتول، أخطار الانتخابات الرئاسية لعام 2024 التي قد يسعى فيها ترمب إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض.
وبينما يمثل بث جلسات الاستماع في الكونغرس لملايين الأميركيين عبر شبكات التلفزيون المختلفة في وقت الذروة، الفرصة الأخيرة بالنسبة للرئيس بايدن وحزبه والتوقيت الأفضل قبل الانتخابات النصفية لتذكير ملايين الناخبين المتأرجحين بالعنف الذي اتسمت به الهجمات على الكابيتول هيل وإقناعهم بالتصويت للديمقراطيين، بعدما كان هؤلاء الناخبون أكثر تركيزاً على التضخم وأسعار وقود السيارات، وإذا لم يستطع الحزب تحقيق أي مكاسب من هذه الجلسات، فقد يفوت فرصته الأخيرة لمحاسبة ترمب، في وقت يُتوقَع أن يواجه فيه بايدن عامين مضطربين من العراقيل التي سيضعها مجلس نواب يقوده الجمهوريون، ويجرون فيه العديد من التحقيقات التي ستزيد الأمور سوءاً للرئيس الديمقراطي وإدارته.
ولهذا السبب، يفكر العديد من المشرعين الديمقراطيين في مكانة بايدن داخل الحزب، فعلى الرغم من التقدير الذي ظل يحظى به سيناتور ولاية ديلاوير السابق البالغ من العمر 79 عاماً وسجله الحافل بتاريخ طويل من العمل السياسي بما في ذلك توليه منصب نائب الرئيس باراك أوباما لفترتين، فإن الأصوات بدأت تتعالى في اتجاه آخر يعكسه تصريح ستيف سيمونيديس، عضو اللجنة الوطنية الديمقراطية في مدينة ميامي، حين قال لصحيفة “نيويورك تايمز”، إن “القول إن الولايات المتحدة تسير على الطريق الصحيح، يبتعد بشكل صارخ عن الواقع”، مضيفاً أنه “يجب على الرئيس أن يعلن بعد الانتخابات النصفية مباشرة، نيته عدم السعي لإعادة انتخابه في 2024”.
عامل السن
بالنسبة إلى جميع الديمقراطيين الذين التقتهم “نيويورك تايمز”، فإن سن الرئيس البالغ الآن 79 عاماً، وسيكون على مشارف الـ82 عاماً بحلول الوقت الذي يتم فيه تنصيب الفائز في انتخابات 2024، يمثل مصدر قلق عميق بشأن قدرته السياسية، خصوصاً بعدما رأوا أن الرئيس الذي شوهت بعض زلات لسانه سمعته، أزعج الدبلوماسية العالمية مراراً عبر ملاحظاته غير المتوقَعة، والتي تراجع عنها لاحقاً موظفوه في البيت الأبيض، كما أنه كان أقل رئيس يجري مقابلات مع الإعلام مقارنة بالرؤساء السابقين في العصر الحديث.
ومن بين أكثر المنزعجين من تأثير السن، ديفيد أكسلرود، كبير المحللين الاستراتيجيين للرئيس السابق باراك أوباما، والذي اعتبر أن الرئاسة وظيفة مرهقة للغاية، وأن “الواقع الصارخ هو أن الرئيس سيكون أقرب إلى عمر 90 عاماً منه إلى عمر 80 في نهاية فترة الولاية الثانية، ما سيجعل قضية العمر محورية خلال معركة الفوز بالحملات الرئاسية”.
وفي حين تحدث أكسلرود عن أن بايدن لا يحصل على ما يستحقه من فضل لجهوده في قيادة البلاد خلال أسوأ حالات الوباء، وإقرار تشريعات تاريخية، وتوحيد حلف الناتو ضد روسيا واستعادة الاحترام واللياقة إلى البيت الأبيض، إلا أنه أشار إلى أن “السبب الذي يجعل مزاياه غير واضحة، هو أن الناس والإعلام ينظران إلى سنه، وأنه لم يكن رشيقاً أمام الكاميرات كما كان في السابق، الأمر الذي غذى الحديث عن كفاءته التي لا تتماشى مع واقع الحال”.
عكس التاريخ
لكن المحلل السياسي في موقع “بوليتيكو”، جيف غرينفيلد، اعتبر أن “ترشح بايدن للانتخابات الرئاسية المقبلة سوف يسير في اتجاه معاكس لعجلة التاريخ، لأنه عندما يترشح في سن 82 سيكون أكبر مرشح في تاريخ الولايات المتحدة يتقدم لانتخابات الرئاسة في هذه السن، إذ لم يسبق لأي مرشح ولم يسبق لأي رئيس أن خدم في سن الثمانين أو أكثر”.
وعلى سبيل المثال، عندما ترشح رونالد ريغان للرئاسة عام 1980، كان عمره يمثل تحدياً خطيراً، وكان أكبر رئيس منتخَب على الإطلاق، وبعد ثماني سنوات، عندما غادر البيت الأبيض بعد فترة ولاية ثانية مع وجود علامات واضحة على تدهور قدراته، كان أصغر من بايدن في اليوم الذي بدأ فيه رئاسته، ولهذا فإن عمر بايدن يُعد الآن مشكلة أكثر خطورة بكثير من تلك التي واجهها ريغان قبل أكثر من 42 عاماً.
وفي حين بدا ريغان عندما ركض لأول مرة في حالة بدنية جيدة، فإن قدراته العقلية تعرضت للتحدي خلال السباق الانتخابي، حيث تحدث الصحافيون عن أنه كان يخلط بين الخيال والحقيقة، ولم يتذكر في بعض الأحيان مقترحاته الخاصة، وعندما ترشح لإعادة انتخابه، زادت هذه الشكوك، خصوصاً بعد مناظرته الأولى عندما تعثر في عدد من الإجابات. وكانت هناك مخاوف كافية خلال فترة ولايته الثانية، لدرجة أن مساعديه بدأوا يفكرون بتكتم في الحاجة إلى استدعاء أدوات التعديل الخامس والعشرين من الدستور التي يمكن من خلالها إعفاء الرئيس عند مواجهته إعاقة صحية.
وبالنسبة إلى الرئيس بايدن، تبدو علامات التقدم في العمر بادية بشكل أوضح، بدءاً من تباطؤ الحركة، إلى الارتباك العرضي في نطق الكلمات كنتيجة ثانوية للتلعثم على مدى حياته، ومبالغات وسائل الإعلام اليمينية مثل “فوكس نيوز” وغيرها في تصوير كل تعثر لفظي كدليل قاطع على الخرَف أو التدهور المعرفي، ومع ذلك فإن المشكلة الأكبر لبايدن هي الرقم الخاص بعمره الذي سيصل إليه عند ترشحه للرئاسة.
مَن البديل في 2024؟
وبينما أعلن بايدن مراراً أنه يتوقع الترشح مرة أخرى في 2024، فإن السؤال هو ماذا سيحدث إذا لم يفعل ذلك؟ بخاصة في ظل غياب الإجماع حول مَن سيقود الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فعلى الرغم من التقليد المتبَع منذ الخمسينيات والذي جعل كل نائب رئيس ديمقراطي في النهاية ينتهي به الأمر ليكون المرشح الرئاسي للحزب، فإن عدداً قليلاً من الديمقراطيين يتوقعون أن يذعن القادة البارزون الذين لديهم طموحات في البيت الأبيض، لنائبة الرئيس كامالا هاريس كونها تعاني من سلسلة مشاكل سياسية في منصبها، وتغطي وسائل الإعلام نشاطاتها بنبرة سلبية مستمرة، كما أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن تأييدها من قبل الأميركيين، هو أقل بمعدل 15 نقطة مقارنةً بنائب الرئيس بايدن في هذه المرحلة من ولاية أوباما الأولى، وأقل بنحو 11 نقطة من نائب الرئيس مايك بنس في عهد ترمب.
ومن بين هذه الشخصيات التي يعتقد أنها لن تذعن لكمالا هاريس، عدد ممَن خسروا أمام بايدن في الانتخابات التمهيدية لعام 2020 مثل أعضاء مجلس الشيوخ آمي كلوبوشار، وبيرني ساندرز، وإليزابيث وارين، وكوري بوكر، ووزير النقل بيت بوتيجيج، وبيتو أورورك، عضو الكونغرس السابق الذي يترشح الآن لمنصب حاكم تكساس.
وإضافة إلى هذه الأسماء المعروفة، ووسط المخاوف الكثيرة والتكهنات واسعة النطاق حول مسألة إعادة انتخاب بايدن المحتملة، أثار غابرييل ديبنديتي في مقال صدر أخيراً، في “مجلة نيويورك”، أسئلة حول مجموعة من المرشحين البدلاء المحتمَلين التي لم تسمع بها الغالبية العظمى من الأميركيين، ومنهم حاكم ولاية كارولينا الشمالية روي كوبر، وحاكم ولاية كولورادو جاريد بوليس، وحاكم ولاية نيو جيرسي، فيل مورفي، فضلاً عن حاكمة ولاية ميشيغان، غريتشن ويتمير، وعمدة نيو أورلينز السابق، ميتش لاندريو.
مقاومة محدودة
ومع ذلك، تظل هناك مقاومة محدودة لفكرة ثني بايدن عن الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يصر أنصار بايدن على أنه يقود الولايات المتحدة على المسار الصحيح، على الرغم من العقبات، ويرفضون الادعاء بأن أي ديمقراطي آخر سيكون أفضل منه في عام 2024، ويشيرون إلى أرقام الوظائف القوية والجهود المبذولة لمكافحة الوباء. ويعتبر كريستوبال أليكس، الذي كان كبير مستشاري حملة بايدن، أن “مسؤولية الديمقراطيين في الكونغرس هي تسليط الضوء على نجاحات الرئيس بايدن وتمرير التشريعات التي تقدمت بها إدارته”، فيما قال بن لابولت، الذي عمل في حملات أوباما، إن “ما يواجهه بايدن الآن هو نفس الشيء الذي سمعناه عن باراك أوباما في عامي 2010 و2011”.
غير أن استطلاعات الرأي العامة تؤكد أن بايدن وصل إلى نقطة متدنية في شعبيته بين الناخبين الديمقراطيين، حيث أظهر استطلاع أجرته وكالة “أسوشيتد برس” الشهر الماضي أن تأييد بايدن بين زملائه، أعضاء الحزب، بلغت 73 في المئة وهي أدنى نقطة في رئاسته، وتُعد أقل بمقدار تسع نقاط من أي وقت آخر خلال عام 2021، في حين أراد 48 في المئة فقط من الديمقراطيين أن يترشح مرة أخرى.
ندم وقلق
وعلاوةً على مشاعر القلق بشأن المستقبل، تكثر الأسئلة حول عجز بايدن عن إقناع الأعضاء الديمقراطيين الوسطيين في مجلس الشيوخ بدعم أجندته. ومع احتمال ظهور أغلبية جمهورية في غرفة واحدة على الأقل من غرفتَي الكونغرس العام المقبل، يشعر الديمقراطيون بالقلق من تكرار أخطاء الماضي، وهو قلق يمتد إلى جوهر قاعدة بايدن السياسية من الناخبين السود الذين شاهدوا بايدن والديمقراطيين يفشلون في الوفاء بوعودهم الأساسية تجاههم، ولن يعودوا للتصويت لصالحهم في نوفمبر المقبل.
ويتساءل بعض الداعمين الأوائل لحملة بايدن في عام 2020 عما إذا كان بإمكانه قيادة الحزب خلال دورة انتخابية مخيفة أخرى ضد ترمب، وهو ما عبرت عنه شيليا هوغينز، وهي عضو في اللجنة الوطنية الديمقراطية، حينما قالت، “الديمقراطيون بحاجة إلى قيادة جديدة وجريئة للسباق الرئاسي 2024، لا يمكن أن يكون المرشح هو بايدن”.
اندبندت عربي