ترسانة القوانين ضد العنف لا تمنع “السحل الإلكتروني” للنساء في تونس

ترسانة القوانين ضد العنف لا تمنع “السحل الإلكتروني” للنساء في تونس

تتحرك منظمات حقوقية ونسوية في تونس في كل الاتجاهات لضمان نيل ممارسي العنف الإلكتروني ضد النساء العقاب الذي يستحقونه، وتوعية الضحايا بوجوب التبليغ وكسر حاجز الصمت بشأن ما يتعرضن له.

تونس – لا تزال ظاهرة العنف الإلكتروني المسلط على النساء والتي استفحلت خصوصا في السنوات الأخيرة، تثير جدلا واسعا بالأوساط التونسية، وسط تصاعد الأصوات النسوية المنادية من حين إلى آخر بضرورة التصدي لتلك الممارسات الإلكترونية المنتهكة لحرمة وكرامة النساء، رغم ترسانة القوانين والتشريعات في المجال.

وانتشر مفهوم العنف الإلكتروني ضد المرأة على نطاق واسع في ظل الانفتاح التكنولوجي الكبير، على غرار الابتزاز الإلكتروني، والتحرش الجنسي، والتهديدات بالعنف، وجمع الوثائق، ورسائل المضايقات وغيرها.

وأطلقت ممثلات مكونات الديناميكية النسوية المستقلة، صيحة فزع ضد ما أسمينه السحل الإلكتروني وانتهاك حرمة وكرامة النساء.

“ديكور” في الحوار
أدانت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي في تصريح لإذاعة محلية، كافة أشكال العنف المسلط على النساء بما في ذلك العنف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبرت تداول وثائق رسمية تنتهك أعراض النساء على صفحات الفيسبوك مؤشرا سلبيا يعبر على ضعف أجهزة الدولة واختراقها وانتهاكا لحقوق المتقاضين وسرية المعطيات الشخصية التي يكفلها القانون.

بشرى بالحاج حميدة: شيطنة المرأة تتم في الفضاء الافتراضي

وطالبت الزغلامي الرئيس التونسي قيس سعيد، بـ”تقديم اعتذار علني للقاضيتين المعنيتين بالوصم الإلكتروني معتبرة ما حصل تهديدا حقيقيا لمنظومة الحريات في تونس”، مجدّدة “رفض مكونات الديناميكية النسوية إقصاء المرأة من المشهد السياسي ومن إدارة الشأن العام والاقتصار على حضورها كـ”ديكور” في الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية”.

ودعت ممثلات الديناميكية النسوية المتكونة من جمعية النساء الديمقراطيات، جمعية بيتي، مجموعة توحيدة بالشيخ، جمعية نساء تونسيات من أجل البحث والتنمية، جمعية مواطنة ونساء بالكاف، جمعية أصوات نساء، جمعية أمل للعائلة والطفل، جمعية جسور بالكاف وجمعية كلام إلى وقفة احتجاجية يوم الجمعة أمام المسرح البلدي بالعاصمة تحت شعار “لا تراجع لا استفتاء على الحريات وحقوق النساء.. المساواة الآن الآن!”

وباتت وسائل التواصل الاجتماعي، رغم الجانب الإيجابي لها، بمثابة الفضاء الخفي الذي أصبح يتخذه البعض لممارسة عقدهم الذكورية والمسّ من كرامة المرأة عبر المضايقات الإلكترونيّة التي تتزايد في كل مرّة وتطلق نداء استغاثة وصرخة فزع للحدّ من هذه الظاهرة.

وقالت يسرى فراوس، الرئيسة السابقة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والمديرة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، إن “العنف الإلكتروني يعتبر من إفرازات العنف في المجتمع، وهناك درجات وحشية تصل إلى القتل، وتفشي العنف على وسائل التواصل الاجتماعي يجسّد في العنف الجنسي، استعمال تسجيلات صوتية ومقاطع مصوّرة، ورسائل تعقب وتحرّش، كما تم تأسيس مجموعات لتداول معطيات خاصة بالنساء”.

وأضافت في تصريح لـ”العرب”، “كل ما يتعلق بالإنترنت في تونس يخضع لمجلة الاتصالات، وهي غير مجندرة ولا تتبنى مقاربات اجتماعية ومنظار خصوصي ضدّ العنف المسلط على النساء”.

ودعت إلى ضرورة “وجود قناعة بأن المرأة لا يمكن أن تكون وقودا لمعركة سياسية، وقانون عدد 58 لا يمكن أن يكون رادعا لتلك الممارسات، كما طالبنا بقانون جديد ضد العنف السيبراني”، قائلة “إذا أردنا أن نربي المجتمع على المدرسة أن تلعب دورها أولا، لأن المجتمع يعاني من عدة أمراض”.

باسل الترجمان: هناك حقد سياسي ضد المرأة في السنوات العشر الأخيرة

واستطردت فراوس “العنف الإلكتروني قضية كبيرة، وصفحات التواصل الاجتماعي مستفيدة من هذه الجرائم، لكن علينا أن نجد آليات لمواجهة تلك الظاهرة”.

من جهتها، دعت جمعية “تونسيات” وكيل الجمهورية المختص إلى الإذن حالا بفتح الأبحاث التحقيقية اللازمة لتتبع مرتكبي الجرائم السيبرانية ضد القاضيتين المتهمتين بتعاطي الزنا وكل امرأة تتعرض لمثل هذه الانتهاكات الخطيرة.

ولفتت الجمعية في بيان لها إلى أنها تابعت بكل قلق وانشغال ممارسات العنف السيبراني الذي وجه ضد قاضيتين بدعوى تعاطيهما “الزنا” و”الزواج على خلاف الصيغ القانونية” من خلال تداول هويتيهما ونشر محاضر سماعهما وتقارير طبية تتعلق بالكشف الجنسي على إحداهما عبر صفحات التواصل السمعي والبصري والإلكتروني مما آل إلى إعفائهما من مهامهما دون احترام لأدنى مبادئ المحاكمة العادلة المنصوص عليها بالدستور والمعايير الدولية الكونية المعتمدة.

وطالبت الجمعية بالعمل على توفير الحماية القانونية المناسبة للمعنيتين تبعا لطبيعة الضرر اللاحق بهما وخاصة من خلال الإذن بالحجب الفوري والآلي للمعطيات الشخصية الخاصة بهما الواقع تداولها، معبرة عن تضامنها المطلق مع القاضيتين.

وأدانت جمعية “تونسيات” بشدة العنف السيبراني الذي تعرضت له قاضيتان وتم تداوله بكثافة من طرف العام والخاص في ضرب لحقهما في الكرامة والحرمة الجسدية والخصوصية من جهة وتجاوز لضوابط حرية التعبير من خلال الثلب والتشهير.

مجتمع عنيف واقعا وافتراضا
ترى شخصيات حقوقية أن القوانين الحالية لا يمكن أن تواجه الظاهرة المتنامية، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تسيطر على عقول مستعمليها وفضاء لاستغلال المرأة وممارسة العنف ضدّها بجميع أشكاله.

وأفادت الناشطة الحقوقية والنائبة السابقة بالبرلمان، بشرى بالحاج حميدة، أن ” المزعج في هذه الظاهرة وجود قانون كامل ضدّ العنف المسلّط على النساء، والفضاء الافتراضي أصبح خارج السيطرة وتتعرض فيه النساء إلى التشويه”.

وأضافت لـ”العرب”، “يتم في الفضاء الافتراضي نشر المعطيات الشخصية للنساء وشيطنة المرأة أمام المجتمع، وتم في الفترة الأخيرة تشويه ثلاث نساء بطريقة تعكس مستوى منحطا وفيها إخلال بأدنى قواعد احترام القيم البشرية”.

ولاحظت بشرى بالحاج حميدة، أن ” هناك حالة غليان داخل المجتمع مع تنامي منسوب الحقد والكراهية، والقضاء لم يتعهدّ إلى حدّ الآن بكل قضايا العنف الافتراضي، كما أن التقاضي في تلك الممارسات كلفته باهظة”، معدّدة أشكال العنف الإلكتروني مثل “العنف اللفظي والتهديد بالقتل ونشر صور شخصية، فضلا عن التشهير والسب والشتم والثلب، وترويج الأخبار الزائفة التي لا أساس لها من الصحّة وتمس النساء في حياتهن اليومية”. وأشارت إلى أنه “على الرغم من التطور التشريعي والوعي بسلبيات العنف، إلا أن المجتمع لا يزال عنيفا واقعا وافتراضا، ما جعل الناس في عداوة وعمّق تداعيات الاختلاف في الرأي”.

وتقول منظمة العفو الدولية، في تقريرها عن العنف ضد المرأة عبر الإنترنت في 2018، إن العنف الإلكتروني “يتخذ أشكالاً متعددة، منها التهديدات المباشرة أو غير المباشرة باستخدام العنف الجسدي أو الجنسي؛ والإساءة التي تستهدف جانباً أو أكثر من جوانب هوية المرأة، من قبيل العنصرية أو رهاب التحوُّل الجنسي؛ والمضايقات المستهدفة؛ وانتهاكات الخصوصية، من قبيل نبش معلومات خاصة عن شخص ما ونشرها على الإنترنت بقصد إلحاق الأذى به؛ وتبادل صور جنسية أو حميمة لامرأة من دون موافقتها..”.

وتتعرض المرأة التونسية إلى أبشع أنواع العنف على غرار العنف الرقمي، وهو ما تثبته مختلف الشهادات التي تقدمها الضحايا لحملة “أنا زادا”. وهي حركة نسويّة مستقلة تأسست في 15 أكتوبر 2019 ، فضلا عن الحملة العالميّة Me too، التي تهدف إلى التنديد بجرائم التحرّش المسكوت عنها، فتحت هذه الحملة الباب لضحايا العنف لكسر حاجز الصّمت ومشاركة قصصهنّ والتعبير عن آلامهن.

وأفاد المحلل السياسي، باسل الترجمان، أن “قضية العنف الإلكتروني ليست جديدة، وكثيرا ما تكون المرأة مستهدفة في الفضاء الافتراضي وضدّ العنف المسلط عليها”.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “شاهدنا هذا الأسلوب في صفحات التواصل الاجتماعي التي تقوم أساسا بالهرسلة والتهديد وهتك الأعراض، حيث أصبحت ثقافة متوارثة في الفضاء الافتراضي، وعندما يشتكي الشخص تذهب شكايته أدراج الرياح”.

ظاهرة الممارسات اللاأخلاقية وغير القانونية تفشت في الفضاء السيبراني بسبب سياسة الإفلات من العقاب

وأضاف الترجمان “هناك حقد متوارث من أطراف سياسية ضدّ المرأة خصوصا في السنوات العشر الأخيرة”.

بدوره، دعا الاتحاد الوطني للمرأة التونسية في بيان له، النيابة العمومية إلى القيام بدورها في حماية الحقوق والحريات بما في ذلك الحرمة المعنوية للنساء وكرامتهن البشريّة، وذلك على خلفية تداول عدد من صفحات منصات التواصل الاجتماعي لوثائق خاصة تتعلق بمحاضر أمنية قال ناشروها إنها تخص قضايا تورطت فيها قاضيتان بتهمة “الزنا” وتم عزلهما في إطار الأمر الرئاسي عدد 35 الصادر بالرائد الرسمي يوم غرة يونيو الجاري.

ولفتت المنظمة إلى تفشي ظاهرة الممارسات والسلوكيات اللاأخلاقية وغير القانونية خاصة في الفضاء السيبراني بسبب سياسة الإفلات من العقاب، مستنكرة مظاهر العنف المسلط على النساء والتي تحول دون خوضهن في الشأن العام.

كما نوّه الاتحاد بالدور الحقيقي والمسؤول للإعلام حتى يكون سدّا منيعا “للإعلام البديل والفوضوي” الذي استبيحت فيه الحقوق والحرّيات والحياة الخاصة للمواطنات والمواطنين، حتى يساهم إلى جانب كل القوى الحية والفاعلة في إعلاء الحقوق والقيم الإنسانية.

ووفق دراسة استطلاعيّة أنجزها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة “الكريديف” من خلال اختيار فيسبوك نموذجًا تبيّن أن 89 في المئة من النساء تعرّضن ولو لمرة واحدة للعنف الرقمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي و95 في المئة منهنّ لا يتوجّهن للقضاء إمّا خوفًا من الهرسلة والتّهديدات ونظرة المجتمع وإمّا جهلًا بالعنف الرقمي ضدهن.

وأكدت الدراسة أنّ نسبة العنف الإلكتروني المسلّط ضد النساء في الميديا الاجتماعية بلغت 78 في المئة ومصدرها الرجال، وهو ما دفع بمنظمات المجتمع المدني والأطراف الفاعلة في مجال حقوق المرأة إلى التنديد بهذا النوع من العنف من خلال أنشطة وحملات توعوية متنوعة ودراسات لرصد هذه الظاهرة وتفسيرها ومحاولة التصدي لها.

العرب