انعدام الأمان يدفع إيران إلى استعراض مخادع لقوتها

انعدام الأمان يدفع إيران إلى استعراض مخادع لقوتها

تستخدم طهران تكنولوجيا الطائرات بدون طيار لإعادة إحياء الموقف الرادع الذي شوهته العمليات الأخيرة من القتل المستهدف، والهجمات على المواقع العسكرية والنووية، والانتفاضات المحلية الشعبية.

تدّعي إيران أنها تملك الأسطول الأكثر قوة وتنوعاً من الطائرات بدون طيار في الشرق الأوسط، وقد حققت بالفعل تقدماً كبيراً في هذا المجال خلال العقود الأخيرة. فالطائرات المسيرة الإيرانية تُستخدم على نطاق واسع من قبل وكلائها في المنطقة منذ عام 2004 على الأقل، مما يشكل تهديداً مطلقاً من كافة النواحي يصعب كشفه والتصدي له. وأصبح هذا التهديد مصدر قلق للولايات المتحدة وحلفائها، وهو أمر اعترف به صراحةً رئيس “القيادة المركزية الأمريكية”، الجنرال كينيث ف. ماكنزي جونيور، في شهادته أمام “لجنة القوات المسلحة” في مجلس النواب الأمريكي في نيسان/أبريل 2021، مشيراً إلى فقدان التفوق الجوي الأمريكي بالكامل للمرة الأولى منذ عقود. وبناءً على ذلك، سارعت طهران إلى التفاخر بالقدرات الهجومية والدفاعية لأسطول طائراتها المسيرة، وتضمَّن ذلك خطوات مستفيضة ومخادعة لتعزيز ما تأمل أن يصبح أداة ردع بين يديها.

الرياء بالأسطول

في 29 أيار/مايو، بث التلفزيون الرسمي الإيراني تقريراً عن “قاعدة للطائرات المسيرة تحت الأرض وسرية للغاية” يديرها الجيش النظامي (“أرتيش” أو “القوات المسلحة الوطنية“)، في مكان ما غربي إيران. وتُظهر اللقطات التي عرضتها المحطة التلفزيونية مراسلاً شاباً يصعد على متن مروحية من طراز “بيل 214” تقلع من “قاعدة كرمانشاه الجوية الأولى للجيش” وفقاً لبعض التقارير، ليسافر معصوب العينين لمدة أربعين دقيقة باتجاه الموقع السري. وهناك، انضم إليه طاقم تصوير عسكري ليصحبه في جولة على الموقع، قبل إجراء مقابلة مع قائد “أرتيش” اللواء عبد الرحيم الموسوي ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، اللواء محمد باقري من «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، اللذيْن كانا يزوران المنشأة أيضاً. ومن داخل شبكة الأنفاق الكبيرة تحت الأرض – والتي تبدو مشابهة جداً لقاعدة صواريخ تابعة لـ «الحرس الثوري» تُعرض على المراسل صفوف من الطائرات المسيرة، من بينها جميع الطرازات المهمة تقريباً المتواجدة في خدمة “القوات المسلحة الوطنية“.

غير أن بعض الطائرات المعروضة كان لا يزال نماذج أولية، مثل طائرة “فوتروس” التي تعتبر أكبر الطائرات المسيرة الإيرانية، ويبلغ طول جناحيها أكثر من 16 متراً. وظهرت هذه الطائرة للمرة الأولى عام 2015 حين تم الكشف عنها من قِبَل “شركة صناعات الطائرات الإيرانية” في شاهين شهر بأصفهان، ولم توضع في الخدمة مِن قَبل. ومع ذلك، عرض التقرير طائرة “فوتروس” مسلحة – النموذج الأولي نفسه الذي تم عرضه قبل سبع سنوات – في ممر نفق، وكان جناحاها كبيرين إلى درجة يتعذر عليها الدوران، ناهيك عن السير للإقلاع، من دون قطع أجنحتها. وكشفت إيران أيضاً النقاب عن صاروخَي كروز صغيرين يعملان بالطاقة النفاثة وموجهان كهروضوئياً يُسمّان “حيدر” و”حيدر-2″، ومصممان للاستخدام على مجموعة متنوعة من المنصات الخفيفة، والتي تشمل “فوتروس” والطائرات المسلحة بدون طيار من طراز “كمان-22”.

وفي مقطع الفيديو، تظهر طائرة “كمان-22” مع صاروخين من نوع“حيدر” تحت جناحيها. ويشار إلى أن صاروخ “حيدر-2” الذي يزيد حجمه بعض الشيء عن النسخة الأولى ويتجاوز مداه 200 كيلومتر وفقاً لبعض التقارير، يحمل بعض التشابه مع صواريخ كروز من نوع “القدس” و”القدس-2″ التي يستخدمها الحوثيون ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقد أُطلِق على الطائرة المزودة بصاروخ “حيدر-2” لقب “طائرة كروز مسيرة استراتيجية” وهي تعمل إما بمحرك توربيني نفاث صغير تشيكي الصنع من طراز “تي جي-100” أو على الأرجح بنسخة إيرانية منه تدعى “تي 10 إس تولو-10″، والتي تعمل أيضاً على تشغيل صواريخ “القدس”. ولا يُعرف عن حالات تم فيها وضع صواريخ “كمان-22” أو “صواريخ كروز “حيدر” في الخدمة.

كما ظهرت في الفيديو عدة “مسيّرات انتحارية” من نوع “كيان-2″، والتيتم الكشف عنها للمرة الأولى في عام 2019 ويبلغ مداها حوالي 1000 كيلومتر، إلى جانب طائرات “كرار” المتعددة الأهداف ذات مدى يصل إلى حوالي 700 كيلومتر، والتي تم الكشف عنها عام 2010. ومسيّرة “كرار” هي أول طائرة نفاثة بدون طيار طورتها “شركة صناعات الطائرات الإيرانية”، وتُستخدم بشكل رئيسي للاستهداف والقصف الجوي، وتحمل قنبلة واحدة تزن 250 كيلوغراماً للغرض الأخير. بالإضافة إلى ذلك، شملت الطائرات المسيرة الأخرى المعروضة في التقرير طائرات استطلاع من نوع “مهاجر-6” و”أبابيل-5″، وطائرة مهاجمة بدون طيار ومسيّرة انتحارية صغيرة تتمتع ببعض أوجه الشبه الديناميكية الهوائية مع الذخيرة المتسكعة الإسرائيلية من طراز “هاروب”.

عرض خادع للقوة

منذ بث التقرير، ظهرت تكهنات كثيرة حول موقع “القاعدة 313 للطائرات المسيرة”. ويشير بعض المراقبين إلى أنها تقع في دالاهو، وهي منطقة جبلية تبعد حوالي 100 كيلومتر غرب كرمانشاه، بناءً على اسم مطبوع على معدات مكافحة الحريق الظاهرة في الفيديو. ويشير آخرون إلى “قاعدة «الشهيد آسيايي» الجوية الثانية للجيش في مسجد سليمان”، التي تقع على بعد أكثر من 300 كيلومتر جنوب شرق كرمانشاه. وكلاهما غير مرجح.

وفي الواقع، لا تكشف صور الأقمار الصناعية المفتوحة المصدر عن أي بنية تحتية عسكرية ذات أهمية في منطقة دالاهو. لكن قاعدة «الشهيد آسيايي» تتضمن ما لا يقل عن مدخلين مدعَمين بالخرسانة لما يبدو شبكة أنفاق تحت الأرض، مع منحدرات خرسانية مجاورة فوق الأرض يمكن استخدامها لإطلاق طائرات مسيرة بمساعدة محركات صاروخية. ومع ذلك، لا يمكن رؤية أي مدرج للطائرات بدون طيار، وتستغرق المسافة البالغة 320 كيلومتراً بين قاعدتي “مسجد سليمان” و”كرمانشاه” أكثر بكثير من أربعين دقيقة بالطائرة. ويمكن لطائرة هليكوبتر نموذجية من طراز “بيل 2014” من النوع الظاهر في الفيديو أن تحلّق بسرعة 200-250 كيلومتراً في الساعة، ولا تقطع أكثر من 130-150 كيلومتراً في تلك الفترة.

ومع ذلك، فإن المسافة المقطوعة تجعل قاعدة الصواريخ الباليستية الكبيرة “الإمام علي” التابعة لـ «الحرس الثوري» الإيراني بالقرب من خرم أباد موجودةً ضمن نطاق الطوافة. لذلك من المحتمل أن تكون إيران قد جلبت طائرات “أرتيش” المسيرة، التي تُستخدم بانتظام في الاستعراضات العسكرية والعروض العامة في جميع أنحاء البلاد، إلى قاعدة الصواريخ التابعة لـ «الحرس الثوري» لإثارة إعجاب المراقبين عند التفاخر بأسطولها. ففي آذار/مارس، قام «الحرس الثوري» بخطوة مشابهة، حيث استعرض أعداداً كبيرة من الذخائر المتسكعة “شاهد-131″ و”شاهد-136” داخل قاعدة صواريخ تحت الأرض، موجودة على الأرجح في “جزيرة قشم” في الجنوب بالقرب من مضيق هرمز.

في الوقت نفسه، ربما كان خيار “أرتيش” بتنظيم هذا العرض بمثابةمحاولة لدحض الدعاية السيئة الأخيرة التي عانت منها “القوات المسلحة الوطنية”، وخاصة قواتها الجوية، عندما أدى تحطم الطائرات المأهولة إلى مقتل طيارين شباب. وربما كانت هذه الخطوة تهدف أيضاً إلى إظهار التماسك، بل وغياب السرية، بين «الحرس الثوري» و“أرتيش” فيما يتعلق بإدراج «الحرس الثوري» على لائحة الولايات المتحدة للإرهاب. لذلك، وفي حين أن الجيش الإيراني ربما لا يزال يدير مخزناً تحت الأرض للطائرات المسيرة وقاعدة انطلاق في “مسجد سليمان”، فمن المرجح أنه استعار قاعدة صواريخ تابعة لـ «الحرس الثوري» لاستعراض قوته – حيث عرض طائرات مسيرة من جميع فروع “القوات المسلحة الوطنية” ونماذج أولية تجريبية من الأسلحة مثل صواريخ كروز “حيدر”، التي قد لا تدخل أبداً في سلسلة الإنتاج بسبب مشاكل في الإدارة والميزانية، مثل العديد من الأسلحة الأخرى التي طورتها “أرتيش”.

الخاتمة

إن تشغيل وصيانة هذه المجموعة المتنوعة من الطائرات المسيرة المعروضة في تقرير التلفزيون الإيراني سيكونان مصدر إزعاج لأي مشغّل أو فني إيراني، كونها تتطلب مجموعة من محطات التحكم والمعدات والمركبات المختلفة – وغير المتوافقة. لذلك من الواضح أن العرض هو حدث نُظِّم على عجل.

وفي الوقت نفسه، قد يكون استعراض إيران المخادع للقوة [مجرد] محاولة لمواجهة التقارير المتواصلة عن تحطم طائرات مسيرة متفجرة صغيرة غير معروفة في مواقع عسكرية ونووية إيرانية حساسة، فضلاً عن القتل المستهدف لمسؤولين عسكريين إيرانيين، وكلها أحداث أدت إلى إضعاف الشعور بالأمان والردع لدى إيران. ووقعت الحادثة الأخيرة من هذا القبيل في 25 أيار/مايو، حين دمرت سلسلة من الانفجارات على ما يبدو حظائر الأبحاث في مجمع “بارشين” الصناعي العسكري، وقتلت مهندساً شاباً وأصابت آخر بجروح. وعادة ما تَنسب وسائل الإعلام الدولية والمسؤولون الإيرانيون مثل هذه الحوادث إلى أعمال إسرائيلية سرية تُستخدم فيها مروحيات رباعية محمّلة بالمتفجرات، في حين تشير صور الأقمار الصناعية المتاحة – من بينها غارة مزعومة بطائرة بدون طيار في 14 شباط/فبراير ضد قاعدة جوية إيرانية مشتركة (لـ «الحرس الثوري» و”أرتيش”) للطائرات المسيّرة على بعد 20 كيلومتراً غرب كرمانشاه – إلى أضرار خارجية في أسطح المباني وأضرار أكبر داخلياً، بما يتطابق مع هجمات الطائرات الصغيرة بدون طيار. ولكن نظراً للقوة التفجيرية المحدودة لمثل هذه الأجهزة، يلزم الحصول على معلومات استخبارية دقيقة للغاية حول نقطة استهداف مبنى معين؛ ويشير مداها المحدود أيضاً إلى أنها أقلعت من مكان قريب من محيط المنشآت المستهدفة.

وتؤجج جميع هذه التفاصيل شكوك المسؤولين الإيرانيين وشعورهم بانعدام الأمن، مما يدفعهم إلى القيام باستعراضات للقوة لتحقيق أقصى تأثير ممكن وبأقل تكلفة ممكنة للتخفيف من حدة تلك المشاعر. ومن المرجح أن تستمر مثل هذه المحاولات بأشكال وأحجام مختلفة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة حيث تتعثر المفاوضات النووية بشكل واضح وتستمر إيران فيتحدي الوضع القائم في المنطقة.

وحتى لو كانت دوافع إيران إلى استعراض قدراتها في مجال الطائرات المسيرة والمبالغة فيها هي محاولة لاستغلال مخاوف الولايات المتحدة وتأجيجها، فلا يجوز الاستخفاف بهذه القدرات، وخاصة الطائرات المسيرة الانتحارية. فإيران تستثمر مبالغ كبيرة في البنية الأساسية للطائرات المسيرة، ومن شبه المؤكد أن خصوم إيران سيشاهدون المزيد من مظاهر استعراض القوة، ربما في شكل ضربات بطائرات بدون طيار، في المستقبل القريب.

معهد واشنطن