بمجرد ما أعلن المكتب الخاص لزعيم الكتلة الصدرية مقتدى الصدر إغلاق جميع المؤسسات التابعة له باستثناء 6 منها، واستقالة نوابه من مجلس النواب العراقي، بدأت توقعات وتحليلات المراقبين والمتخصصين بشأن السيناريوهات المتوقعة، بعد أن بعثر هذا القرار أوراق العملية السياسية.
وأعلن حلفاء الصدر في تحالف السيادة السني -الذي يضم كتلة “تقدّم” بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وكتلة “عزم” بزعامة خميس الخنجر- والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، المعروف بتحالف “إنقاذ وطن”، عن تفهمهم واحترامهم قرار استقالة الكتلة الصدرية من مجلس النواب، مشيرين إلى أنهم يراقبون المشهد السياسي ومستمرون في حواراتهم.
وأعرب الخنجر عن تقديره ذلك القرار، إذ وصفه بـ”التضحية الكبيرة التي يقدمها التيار الصدري من أجل الوطن ومن أجل إصلاح العملية السياسية”.
واكتفى البارزاني بالتعليق على حسابه في تويتر، قائلا: “نحترم قرار سماحة السيد مقتدى الصدر، وسنتابع التطورات اللاحقة”.
من جهته أكد الحلبوسي -في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأردني عبد الكريم الدغمي اليوم الاثنين في عمّان- أن استقالة نواب الكتلة الصدرية نافذة، وسيخلفهم من حل بعدهم في عدد الأصوات في الانتخابات، موضحا أن تصويت مجلس النواب على استقالة أعضاء منه “يقتصر على 3 حالات فقط: الأولى الطعن بصحة العضوية، والثانية الإخلال الجسيم بقواعد السلوك الانتخابي، والثالثة تجاوز النائب حد الغيابات المسموح به”، مشيرا إلى أن هذه الحالات لا تنطبق على الاستقالات.
إلا أن محللين وسياسيين عراقيين يرون أنه “رغم قبول رئيس البرلمان للاستقالات، فإنه لا يزال على البرلمان التصويت بغالبية مطلقة على ذلك بجلسة علنية بعد تحقيق النصاب”، ثم يدعو مفوضية الانتخابات إلى تقديم أسماء أكبر الخاسرين ليكونوا بدلاً من المستقيلين، وستذهب الأسماء التي سترفع من المفوضية إلى المحكمة الاتحادية للمصادقة عليها، ومن ثم ترسل إلى مجلس النواب ليؤدي النواب الجدد اليمين الدستورية، ويصبحوا نوابا بشكل رسمي.
السيناريوهات المتوقعة؟
وتوقع سياسيون ومراقبون في الشأن العراقي، عبر حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي، عدة سيناريوهات للمشهد السياسي عقب استقالة الكتلة الصدرية، من بينها إعلان البرلمان حل نفسه والذهاب إلى انتخابات مبكرة، أو تصعيد في الشوارع من خلال المظاهرات، محذرين من أن ذلك قد ينتج عنه مزيد من عدم الاستقرار السياسي في البلاد.
ورأى السياسي العراقي البارز طارق الهاشمي -في تغريدة على تويتر- أن قرار الصدر خطوة للوراء ومضامين ومآلات الانسحاب من العملية السياسية خطيرة، وأشار إلى أن الهجوم هو أفضل وسائل الدفاع، وأن الظاهر قد لا يكشف المخفي ولا يوحي بالنتائج.
وقال رئيس المجلس الاستشاري العراقي، فرهاد علاء الدين، عبر حسابه على تويتر: “لأول مرة منذ انتخابات 2006 يخلو البرلمان من نواب التيار الصدري”، مضيفا “انسحب التيار من حكومات 2010 و2014 و2018، ولكن لم ينسحبوا من مجلس النواب قط”. وأكد علاء الدين “نحن أمام عهد سياسي جديد، والصدر يخطط للقادم وكيفية تعامل القوى السياسية مع الواقع الجديد ستحدد معالم المشهد المقبل”.
وكتب الصحفي رائد الحامد، على حسابه في تويتر، “ستفضي استقالة نواب الكتلة الصدرية إلى الخروج من أزمة تشكيل الحكومة”. وأضاف الحامد “من المتوقع أن تعلن قوى الإطار التنسيقي أنها الكتلة النيابية الأكبر، بعد أول جلسة لمجلس النواب ينتخب فيها رئيس للجمهورية، وهو احتمال شبه أكيد بعد عودة العلاقات بين الحزبين الكرديين، الديمقراطي والاتحاد الوطني”.
وعلق الكاتب الصحفي، فلاح المشعل، عبر حسابه على تويتر، قائلا: “سابقة سياسية أقدم عليها الصدر لم يجرؤ عليها أحد، ليعطي بذلك درسا في الوطنية والدور السياسي الهادف لمصلحة الوطن والمواطن، وتفكيك أزمة الانسداد التي وقف الجميع أمامها خالي الوفاض”. وأضاف المشعل أن “الصدر يؤكد أنه الأكثر حكمة وثقة وقدرة على إنهاء الأزمة ورمي الكرة في ملعب الثلث المعطل”.
لكن الناشط بشار السبتي رأى -في المقابل- أن الهدف من خطوة الصدر هو الوصول إلى حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، ليحصل فيها على أغلبية مريحة يشكل من خلالها حكومة أغلبية، معتبرا أن لا علاقة لمصلحة الوطن بهذا القرار، بل هي مصلحة سياسية حصرية للتيار بعد عناد الإطار التنسيقي الذي يضم القوى الشيعية المنافسة له.
وتوقع رئيس حركة وعي، صلاح العرباوي، عبر حسابه على تويتر، أن “سيناريو أغسطس/آب 2021 سيتكرر”، مبينا أنهم “سيأتون إليه (أي إلى الصدر)، ليقولوا: اعدل عن الاستقالة، مثلما قالوا: اعدل عن المقاطعة”، في إشارة إلى الوساطة التي حصلت من قبل الكتل الشيعية لحث الصدر على العدول عن قرار مقاطعة الانتخابات. وأضاف العرباوي أن “الصدر ذكي جدا، يملك المبادرة والفعل السياسي”.
وبعد 8 أشهر على الانتخابات التشريعية المبكرة، لا تزال الأطراف السياسية الأساسية في البلاد عاجزة عن الاتفاق على الحكومة المقبلة، ويدعي كل منها أن لديه الغالبية في البرلمان الذي يضم 329 نائبا.
وكان الصدر قد قال -في كلمة الخميس الماضي- “إن كان بقاء الكتلة الصدرية عائقا أمام تشكيل الحكومة، فكلّ نواب الكتلة مستعدون للاستقالة من مجلس النواب، ولن يعصوا لي أمرا”.
ويريد التيار الصدري -الذي يرأس تحالف “إنقاذ وطن”- مع تحالف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني تشكيل حكومة أغلبية، باعتبار أن كتلته هي الأكبر في البرلمان (155 نائبا).
أما الإطار التنسيقي (83 نائبا)، فيدفع باتجاه تشكيل حكومة محاصصة توافقية، كما جرى عليه التقليد السياسي في العراق منذ سنوات.
وبسبب الخلاف السياسي وعدم قدرة أي طرف على حسم الأمور، أخفق البرلمان 3 مرات في انتخاب رئيس للجمهورية، متخطيا المهل التي ينص عليها الدستور. ولتخطي انسداد الأفق السياسي، طرحت خيارات عدة، منها حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، لكن لا يمكن حل البرلمان إلا بقرار من مجلس النواب نفسه.
الجزيرة