يحذر المحللون كما الأوساط السياسية في العراق من أن استقالة نواب الكتلة الصدرية من البرلمان قد تقود إلى سيناريوهات أكثر تعقيدا وخطورة في ظل شارع متحفز، وعدم اعتقاد في إمكانية أن يسلم الزعيم الشيعي بسهولة بالهزيمة أمام الإطار التنسيقي.
بغداد – تقول أوساط سياسية عراقية إن استقالة نواب الكتلة الصدرية لا تعني أن الطريق باتت معبدة بالكامل أمام الإطار التنسيقي لضبط إيقاع العملية السياسية وفق ما يرتضيه في ظل وجود الكثير من الألغام السياسية والإجرائية.
وتشير الأوساط إلى أنه على قوى الإطار التنسيقي بداية انتظار إعلان قائمة بدلاء لنواب الكتلة الصدرية البالغ عددهم ثلاثة وسبعين نائبا، حيث أن ذلك يعد محددا رئيسيا لقدرة الإطار على رسم ملامح المرحلة المقبلة.
وتستدرك الأوساط نفسها بالقول “هذا على افتراض أن الصدر سيمضي قدما في قرار الاستقالة ولن يعدل عنها، خصوصا وأن لرجل الدين الشيعي ماض ثقيل في تبني قرارات مصيرية ثم التراجع عنها”.
ووفق قانون الانتخابات فإنه “عند استقالة نائب، يتولى منصبه صاحب ثاني أكبر عدد من الأصوات في دائرته الانتخابية”، ويرجح أن تشهد العملية المرتقبة تغييرا على مستوى أحجام وأوزان الكتل النيابية داخل البرلمان العراقي، وسط تكهنات بإمكانية أن تحصل قوى الإطار التنسيقي وفي مقدمتهم ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي على نحو خمسة وعشرين مقعدا إضافيا.
إحسان الشمري: تشكيل حكومة بمن تبّقى في البرلمان أمر صعب
ونفّذ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الأحد تهديده بتقديم نواب كتلته استقالاتهم من البرلمان العراقي، بعد ثمانية أشهر من مراوحة العملية السياسية مكانها، في خطوة ألقت بالبلاد نحو المجهول، وتبقى تداعياتها رهينة كيفية تعاطي الفرقاء على الساحة معها، فهل سيعمدون إلى استثمارها لإنهاء الانسداد أم أنها ستقود إلى ما لا يحمد عقباه، خصوصا وأن الصدر لن يكتفي بابتلاع الهزيمة أمام الإطار، وقد يدفع الشارع إلى التحرك.
وأعلن رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي من العاصمة الأردنية عمّان الاثنين أنه وبعد استقالة نواب الكتلة الصدرية ستبدأ “تفاهمات مختلفة”، مشيراً إلى أن الانسداد السياسي لن يستمر في المرحلة المقبلة.
وقال الحلبوسي في مؤتمر صحافي مع نظيره الأردني عبدالكريم الدغمي إن “بدلاء نواب الكتلة الصدرية سيكونون من الخاسرين الأعلى أصواتا في الدائرة الانتخابية”، مشيرا إلى أن “عضوية أي نائب في البرلمان تنتهي بتقديم الاستقالة”.
ولفت رئيس مجلس النواب العراقي إلى أن “الانسداد السياسي لن يستمر في المرحلة المقبلة”، مؤكدا “ستكون هناك تفاهمات مختلفة بعد استقالة نواب الكتلة الصدرية”. وأضاف “ستمضي الإجراءات القانونية بحسب قانون الانتخابات وبحسب آليات العمل النيابي، والبديل سيكون الخاسر الأعلى أصواتا في كل دائرة انتخابية”.
وأشار الحلبوسي إلى أنه “توجد رؤى مختلفة، منها من تبحث عن توافق سياسي، وعن أغلبية ومعارضة، وبعد استقالة الكتلة الصدرية ستمضي الأمور بشكل آخر”.
وبشأن الذهاب إلى انتخابات مبكرة، أوضح الحلبوسي أن “هذا خيار دستوري، والانتخابات السابقة كانت مبكرة وجرت بحل البرلمان، لكن حتى الآن لم يُطرح هذا الخيار، ونسعى لتشكيل حكومة تتحمل القوى السياسية مسؤولية مخرجاتها وأدائها، ويكون تقييمها أمام الشعب”.
وبعد ثمانية أشهر من الانتخابات التشريعية المبكرة ومبادرات سياسية لا تحصى، لم تتقدّم العملية السياسية في العراق بسبب الانقسام داخل البيت الشيعي، حيث يصر الإطار التنسيقي الذي يضم القوى الموالية لإيران على تقاسم السلطة وفق مبدأ المحاصصة الذي ساد طيلة السنوات الماضية.
في المقابل يصر الصدر على تشكيل حكومة “أغلبية” مع تحالف “إنقاذ وطن” الذي يضمّ ائتلاف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي والمحلل السياسي العراقي إحسان الشمري إن واحداً من الأسباب التي دفعت نحو استقالة نواب الكتلة الصدرية من البرلمان هو “شعور الصدر بأن هناك محاولة لكسره سياسياً”، و”إدراكه أن إيران لن تسمح له بتغيير قواعد اللعبة السياسية”.
من المرجح أن تشهد العملية المرتقبة تغييرا على مستوى أحجام وأوزان الكتل النيابية داخل البرلمان العراقي
ويرى الشمري أن تشكيل حكومة بمن تبّقى في البرلمان في حال المضي بالاستقالة “أمر صعب”، لافتا إلى أن استقالة نواب الصدر إذا ما تمّ المضيّ بها، واستبدالهم وفق القانون بمن حصلوا على ثاني أعلى عدد أصوات في الدائرة نفسها، ستتيح للإطار التنسيقي تشكيل حكومة.
ويستدرك المحلل السياسي بالقول إن “حكومة مماثلة لن ترى النور وستسقط سريعاً” في بلد غالباً ما تحسم فيه الأزمات السياسية في الكواليس وليس تحت قبّة البرلمان، ما قد يضع العملية السياسية في نقطة “اللاعودة” ويفضي إلى حلّ البرلمان الذي يتطلب تصويتاً من البرلمان نفسه.
ومنذ سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين في العام 2003، تحوّل مقتدى الصدر إلى طرف سياسي أساسي في العراق. وكان مناهضاً بشدّة للغزو الأميركي، لكنه يقيم اليوم علاقات معقّدة مع إيران الجارة الكبرى المقربة من الإطار التنسيقي، والتي يندد الكثير من العراقيين بتزايد نفوذها في البلاد.
ويضيف الشمري أنه “حتى الإطار التنسيقي الموالي لإيران الذي قد يشعر أنه حقق انتصاراً على مقتدى الصدر، غالبية الأطراف فيه تدرك جيداً بأنّ هذه الاستقالات تشكل نهاية للعملية السياسية”.
ويعني ذلك بالنسبة إلى الشمري أن “الحكومة سوف تستمر إلى حين حسم الخلاف”، أو إقناع الصدر بالعودة عن قراره.
وبدوره يعتبر المحلل السياسي العراقي حمزة حداد أن “الوقت سيكون حاسماً في معرفة ما إذا كان الصدر جدياً في هذه الخطوة أم أنها تكتيك جديد لوضع الملامة على الأطراف السياسية الأخرى وشراء الوقت”.
وكان الصدر على سبيل المثال قد أعلن قبيل انتخابات أكتوبر 2021 عن مقاطعته لها، قبل أن يعاود من جديد الانضمام إلى العملية السياسية.
ولا يستبعد حداد كما الشمري أن يكون تحرك الصدر الأخير استباقا لموجة احتجاجات قد تشهدها البلاد ردا على تعثر العملية السياسية وعدم تحقيق أي تقدم في تحسين القطاعات الخدماتية، فضلا عن الأزمة الاقتصادية.
ويقول حداد إن “اندلاع تظاهرات جديدة هذا الصيف أمر وارد دائماً مع ارتفاع درجات الحرارة وضعف الخدمات، مثل الكهرباء والمياه في الجنوب”، فضلاً عن التنديد بعدم تقدّم العملية السياسية.
من جهته يرى الشمري أن الصدر انسحب من العملية السياسية “لينأى بنفسه” عن الملامة، في ظل حالة من التململ يشهدها الشارع العراقي.
ويتوقّع الشمري حصول حراك شعبي “يشترك فيه ناشطو تشرين لإعادة التظاهرات إلى الشارع على اعتبار أن البرلمان لم يتمكن من أن يستكمل استحقاقاته”. ولذلك وجد الصدر أن “الاستقالة هي خير ما يمكن أن يبيّض صفحته من أخطاء الطبقة السياسية”.
وبالنسبة إلى حداد “يبدو أن مقتدى الصدر يريد صرف اللوم عن تأخر تشكيل حكومة من خلال هذه الخطوة، ليدّعي بأنّه ليس هو من يعرقل العملية السياسية كونه من ذهب بعيداً في التخلي عن السلطة كلياً”.
وكما حصل في العام 2019، قد ينضمّ الصدر إلى هذه التظاهرات مع قوى مدنية، لكن بالصدر أو بدونه “التظاهرات حاضرة”، كما يرى الشمري نتيجة “أسباب عميقة تستهدف أسس النظام السياسي التي لا بدّ أن تتغير”.
العرب