نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته فرناز فصيحي ورونين بيرغمان، قالا فيه إن إيران لديها شكّ بتسميم إسرائيل عالمين إيرانيين.
وقال الكاتبان إنه لو تأكدت الشكوك الإيرانية، فستكون عملية القتل هي الأخيرة في حرب الظل التي وصلت ذروتها مع اقتراب إيران من الحصول على القدرات النووية.
وقالت الصحيفة إن العالميْن تخرجا من أفضل الجامعات الإيرانية في شبابهما، وبصحة جيدة ويمارسان الرياضة، لكنهما مرضا فجأة في أيار/ مايو، وتدهورت حالتهما الصحية شيئا فشيئا، وانتهيا في غرفة العناية الفائقة في مستشفيين يبعدان عن بعضهما 400 ميل، ثم ماتا ولا تفصل بين وفاتهما سوى أيام قليلة.
وتعتقد إيران أن إسرائيل هي التي قتلتهما وسممت طعامهما، وذلك حسب مسؤول إيراني وشخصين على علاقة بالحكومة. وكان أيوب انتظاري، وهو واحد من العالميْن، مهندس طيران وعمل في مركز أبحاث عسكري، أما الثاني فهو كرمان أغامولائي الخبير الجيولوجي. وتشير الصحيفة إلى أن التقارير الصحافية الإيرانية في الخارج والإسرائيلية، أضافت معلومات عن عمل أغامولائي، وأنه عمل في مفاعل نطنز النووي.
ولكن أصدقاءه نفوا هذه التقارير، وأكدوا أنه كان يعمل في مركز أبحاث جيولوجي مستقل، ولم تستطع “نيويورك تايمز” التحقق من وجود علاقة بينه وبين الحكومة الإيرانية، أو أنه شارك في برامج أسلحة. وكان انتظاري يحمل شهادة الدكتوراه في هندسة الطيران، وعمل في مشاريع صواريخ ومحركات الطائرات بمركز الطيران التابع للحكومة في مدينة يزد، التي تبعد 390 ميلا عن العاصمة طهران. وظهرت عليه أعراض تسمم بعد مشاركته في مأدبة عشاء دعي إليها في يزد، حسب عضو في طاقم مسؤول إيراني بارز. وقال إن الشخص الذي نظم مأدبة الغذاء قد اختفى وإن السلطات تبحث عنه. وعاد أغامولائي إلى طهران من رحلة عمل في مدينة تبريز، شمال- غرب إيران، حيث شعر بالغثيان وأصيب بالإسهال وزادت حالته سوءا يوما بعد يوم حتى توقفت أعضاؤه عن العمل ومات، حسب صديق له.
وتعلق الصحيفة أن الوفاة الغامضة للعالمين، لو ثبتت صحتها فهي تتناسب مع أشكال حرب الظل الدائرة بين إسرائيل وإيران بسرية. ولكن الحرب هذه في تصاعد مستمر، ففي الأسبوعين الماضيين هزت حوادث قتل نفذها عملاء إسرائيليون إيران. ويبدو أن إسرائيل وسّعت قائمة اغتيالاتها من المسؤولين البارزين في الملف النووي إلى العسكريين والباحثين العلميين الصغار.
ورفض متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي التعليق على العمليات الأخيرة في إيران. ولكن إسرائيل عملت بسرية لإضعاف المشروع النووي الإيراني وبرنامج الأسلحة، واستهدفت الخبراء المرتبطين بهذين البرنامجين. كما هاجمت المراكز العسكرية التي تقوم بتطوير الطائرات المسيرة والصواريخ.
من جهتها، استهدفت إيران المصالح الإسرائيلية في الخارج وسلّحت الجماعات المعادية لإسرائيل، مثل حزب الله اللبناني. ومع ذلك، ظل تركيز إسرائيل على البرنامج النووي الإيراني الذي تعارضه بقوة. وتقف تل أبيب ضد الجهود الأمريكية الحالية لإحياء الاتفاقية النووية الموقعة عام 2015، وخرج منها دونالد ترامب عام 2018، ومنحت تلك المعاهدة إيران تخفيفا للعقوبات مقابل الحد من نشاطاتها النووية. وتعتقد إسرائيل أن الاتفاقية لم تحد من نشاط إيران، وهي قلقة من إمكانية طهران تخصيب كميات كافية من اليورانيوم لإنتاج السلاح النووي. إلا أن المدافعين عن الاتفاقية يرون أنها تحد من كميات تخصيب اليورانيوم، وتسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذريةبعمليات تفتيش صارمة، مما سيخفف من فرص إنتاج إيران قنبلة نووية.
وأكدت طهران أن برنامجها هو للأغراض المدنية. وأشار تقدير أمني أمريكي قبل عدة سنوات إلى أن البلد كان لديه برنامج نووي ثم أوقفه عام 2003. وتقول الصحيفة إنه إذا انهارت المحادثات لإحياء الملف النووي أو خففت من التعاون مع الأمم المتحدة، فهناك مخاطر بتحول حرب الظل إلى حرب معلنة. وقال هنري روم، المحلل في “يوريشيا غروب”: “سواء كانت هناك اتفاقية نووية أم لا، فمن المتوقع أن تزداد هذه النشاطات. تحاول إيران توسيع مدى هدفها حول إسرائيل، وتحاول إسرائيل تعميق وجودها في إيران”.
وتضيف الصحيفة أن زيادة الهجمات داخل إيران إضافة للتعليقات الأخيرة للمسؤولين الإسرائيليين تقترح أن هناك تحولا في الإستراتيجية الإسرائيلية. وفي لقاء مع لجنتي الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست، قال نفتالي بينيت: “كان العام الماضي هو عام تغير الإستراتيجية الإسرائيلية المتعلقة بإيران”، وأضاف: “رفعنا السرعة ونعمل في كل الأوقات والأماكن وسنواصل عمل هذا”.
وقبل أسبوعين، قُتل أحد عناصر الحرس الثوري صياد خدايي حيث استهدفه شخصان على دراجتين ناريتين أمام بيته في طهران. كما قُتل مهندس شاب بوزارة الدفاع جراء هجوم بطائرة مسيرة. ومات عنصر في الحرس الثوري بظروف غامضة عندما سقط من شرفة بيته.
وقد مات العالِم انتظاري (35 عاما) في 31 أيار/ مايو، وكتب زميل له في مركز الأبحاث العسكري على منصات التواصل الاجتماعي، أنه كان في صحة جيدة قبل الليلة التي سمم فيها، وأن أحدا من عائلته لم يصب رغم تناولهم نفس الطعام. وقدم محافظ يزد تعزية تؤكد أنه مات شهيدا، وشكر عائلته على التضحية التي قدمتها من أجل إيران. ووصف عضو في مجلس يزد المحلي، الوفاة بأنها “إرهاب بيولوجي”. إلا أن السلطات قررت عدم اعتبار انتظاري شهيدا لمنع أي تكهن بأن إسرائيل ضالعة في وفاته. والسبب هو تجنب الإحراج وسط عمليات التخريب والقتل المتكررة. وسحب مكتب العلاقات العامة في مكتب الحاكم لقب “شهيد” لانتظاري قائلا إنه خطأ.
ونفى مكتب المدعي العام في يزد أن يكون انتظاري مهندس طيران، قائلا إنه كان عاملا عاديا في شركة صناعية، مع أن الصور التي نشرت على منصات التواصل تؤكد غير ذلك، ومنها صور ولقطات لانتظاري وهو يقدم عرضا للرئيس حسن روحاني في مصنع غدير للتوربينات، حيث كان يعمل. وتؤكد الصور عمله هناك، إضافة للتعزية من جمعية الخريجين بجامعته التي أكدت أنه مهندس طيران.
وقال محمود انتظاري، المرشد السياحي في يزد، إن قريبه أيوب كان قلقا على حياته بعدما ظهرت صورته مع الرئيس روحاني في منصات إعلامية، رغم سريّتها. وأظهر المسؤولون الإيرانيون صمتا حول أغامولائي (31 عاما). ولم يرد اسمه إلا في بيان من رئيس جامعة “تربيت مدرس” في طهران، وذكر فيه أنه كان طالب دكتوراه في علم الجيولوجيا، وأنه توفي بسكتة قلبية في بلدته إيزي الواقعة جنوب ولاية خوزستان. وتنتظر العائلة نتائج التشريح من مكتب الطب الشرعي الحكومي، وذلك حسب صديق قدم معلومات عن وفاته المفاجئة. وتخشى العائلة من عدم حصولها على النتيجة نظرا لحساسية الموضوع.
القدس العربي