التوتر الإسرائيلي الإيراني: اعتداء سافر مقابل تصعيد لفظي

التوتر الإسرائيلي الإيراني: اعتداء سافر مقابل تصعيد لفظي

لا تهدأ حدة التوتر بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران إلا لكي تتصاعد من جديد وتتخذ المزيد من أشكال الصدام المباشر أو غير المباشر، الذي لا يتطور مع ذلك إلى مواجهة مفتوحة وعلنية، ويتواصل خلاله حرص الطرفين على عدم انتقال الصراع إلى جبهات أخرى، وذلك رغم أن الاعتداءات الإسرائيلية على أهداف إيرانية تكررت وتتكرر في مواقع خارجية أوضحها الساحة السورية حيث تنتشر وحدات من الحرس الثوري الإيراني فضلاً عن ميليشيا حزب الله والميليشيات الأخرى العراقية والمذهبية الموالية لطهران.
وهذه المعادلة تأخذ باستمرار طابع الفعل وتوجيه الضربات المنتقاة بعناية من الجانب الإسرائيلي، والتصعيد اللفظي والتهديد والوعيد من الجانب الإيراني، الأمر الذي يتكرر منذ سنوات وبات أكثر شدة من حيث العدد والنوعية خاصة بعد أن اقتضت مساندة النظام السوري أن توسع طهران نطاق تدخلها العسكري لصالح النظام السوري في أعقاب الانتفاضة الشعبية التي اندلعت ربيع 2011. أحدث هذه المظاهر كان قصف المدرج الوحيد المتبقي في مطار دمشق الدولي وإخراجه من الخدمة مما أسفر عن تعليق الرحلات، وكذلك المناورات العسكرية غير المسبوقة التي أجراها جيش الاحتلال مؤخراً وتضمنت محاكاة واضحة لحالة حرب مع إيران، واستخدام صنوف متطورة من الأسلحة، والتدرب في قبرص على احتمالية اندلاع جبهة ثالثة.
كذلك تتابع دولة الاحتلال فصول الحرب السرية ضد أفراد إيرانيين يعملون في ميادين الطاقة النووية وتطوير الأسلحة الصاروخية، فتتناقل وكالات الأنباء أخبار عمليات اغتيال معقدة تجري في قلب المدن الإيرانية، وتفاصيل تنفيذها يمكن أن تبدأ من الاغتيال المباشر بالرصاص ولا تنتهي عند التصفية عن طريق التسميم. الطراز الآخر من هذه الحرب غير المباشرة يتجلى في تعطيل مفاوضات فيينا بصدد التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني يعيد استئناف أو تجديد اتفاق العام 2015، كما تبذل دولة الاحتلال بدعم من الولايات المتحدة جهوداً حثيثة للذهاب أبعد من عرقلة جلسات فيينا إلى إصدار قرار رسمي من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ينتقد طهران لتأخرها في تقديم تفسير لآثار اليورانيوم التي اكتُشفت في ثلاثة مواقع غير معلن عنها مسبقاً.
وبمعزل عن ضربات رمزية قوامها قصف ما يسميه الحرس الثوري الإيراني «مراكز استراتيجية» إسرائيلية في إربيل شمال العراق، أو ما يتكشف بين حين وآخر عن محاولات استخباراتية إيرانية لاستهداف أفراد إسرائيليين في تركيا، فإن الرد الإيراني على الاعتداءات الإسرائيلية لا يتجاوز مستوى الترهيب اللفظي من طراز تصريح قائد القوات البرية في الجيش الإيراني حول «تسوية تل أبيب وحيفا بالأرض لأي خطأ يرتكبه العدو»، وكأن كل الاعتداءات الإسرائيلية لم تبلغ حتى الساعة مستوى ارتكاب الخطأ.
وإذْ تواصل إيران تصنيع الأسباب الكفيلة بتغذية سلّة نفوذها الإقليمي في لبنان والعراق وسوريا واليمن، فإن حلقات التوتر الإسرائيلي-الإيراني لا تتجاوز العدوان السافر من الطرف الأول والتصعيد اللفظي من الطرف الثاني، وهذه معادلة لا تخدم شعب إيران ولا شعوب المنطقة، وتسدي في المقابل أفضل الخدمات لدولة الاحتلال.

القدس العربي