اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن صور بعض المدن الأوكرانية تذكّر بـ«أنقاض فردان»، وهي مدينة فرنسية دمّرها الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الأولى. ولدى سؤاله عن تصاعد العنف على الجبهة في أوكرانيا، تحدث مسؤول رفيع في حلف شمال الأطلسي مؤخراً عن أوجه تشابه بين الحرب العظمى والنزاع الحالي الذي تُستخدم فيه «المدفعية بكثافة». واحتلّت المدفعية التي كان ستالين يصفها بأنها «آلهة الحرب» في عصره، موقعاً مركزياً في النزاع في أوكرانيا، بعد أكثر من مائة عام من أدائها دوراً محورياً في الحرب العظمى. ويقول الباحث المشارك في مؤسسة البحوث الاستراتيجية أوليفييه كيمبف «من الواضح أن النزاع الأوكراني هو نزاع واسع النطاق مع جبهات ثابتة إلى حدّ ما، تتحرك ببطء ويتمّ تحقيق تقدم بشكل أساسي بواسطة الضربات المدفعية». ويضيف، أن هناك «المدفعية التي تحاول ضرب مواقع العدو، ولكن أيضاً الضربات التي تشمل استهداف بطاريات مدفعية العدو». ويتابع «إذا نعم هناك استرجاع لذكريات الحرب العظمى».
أظهرت السلسلة الأخيرة من مشاهد الأقمار الصناعية التي التقطتها شركة «ماكسار تكنولوجيز» الأميركية، الأضرار التي تسببت بها المدفعية في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، على مستوى خطّ الجبهة. وتبيّن الصور التي التقطت في السادس من يونيو (حزيران)، من بين أمور أخرى حقلاً مليئاً بحفر أحدثتها المدفعية قرب مدينة سلوفيانسك وحفرة يبلغ قطرها 40 متراً، وحتى آثار «انفجارات» على طول نهر سيفرسكي دونيتس ومدينة بوغوروديشن.
يرى نيكولا بوبريه، العضو في اللجنة التوجيهية لمركز الأبحاث الدولي لتاريخ الحرب العظمى ومقره فرنسا، أن «مشاهد الحرب (في أوكرانيا) يمكن مقارنتها بما تمكنا من رؤيته في الحرب العالمية الأولى، بما في ذلك قرى مدمّرة بالكامل على طول خطّ الجبهة». ويضيف «كانت هذه الحال في 1914 – 1918، مع ما كان يُسمى بالمنطقة الحمراء التي كان يتراوح عرضها بين عشرة وعشرين كيلومتراً وكانت تتناسب مع نطاق نيران المدفعية كما أنها كانت مدمّرة بالكامل».
واستعيدت ذكريات الحرب العظمى أيضاً أواخر أبريل (نيسان) مع المعلومات التي جمعتها صحيفة «الغارديان» البريطانية بشأن استخدام سهام معدنية صغيرة من نوع تطلقه المدفعية الروسية، كان مستخدماً كثيراً خلال الحرب العالمية الأولى. وبين الدمار والخنادق وغزارة القذائف، تعيد مشاهد الحرب في أوكرانيا إلى الأذهان ذكريات الحرب العالمية الأولى، لكن بعيداً عن هذه الجوانب المرئية، فإن المقارنة بين الحربين لها محدوديّتها، بحسب خبراء.
تقول الخبيرة في الحروب العالمية كامي هارلي فارغاس «نرى الكثير من الخنادق وهناك ميل إلى المقارنة مع الحرب العالمية الأولى، في حين أن الخنادق هي نظام تحصين نراه في الكثير من النزاعات الأخرى أيضاً»، مشيرة من بين نزاعات أخرى إلى نزاع ناغورني قره باغ.
يعدّ الخبير في الشؤون الدفاعية جوزف هنروتان، أن «الخنادق هي أمر ثابت، ردّ فعل طبيعي: اعتباراً من اللحظة التي تشهد تطاير شظايا في كل الاتجاهات، ينبغي حني الرأس والطريقة الفضلى لحني الرأس هي أن يكون الشخص في مستوى الأرض».
خلال قرن، تطوّرت الأسلحة وهو أمر ليس مفاجئاً، كما أن المدفعية التي كانت تُستخدم في الحرب العالمية الأولى لا تشبه المدفعية المستخدمة اليوم.
يشير فرانك ليدويدج، الأستاذ الجامعي الباحث في الاستراتيجيات العسكرية والقانون العسكري في جامعة بورتسموث، إلى أن في ذلك الوقت «لم تكن المدفعية تطلق قذائف دقيقة… اليوم، هذا في قلب (نظام) المدفعية» المستخدمة حالياً على الأراضي الأوكرانية. ويؤكد نيكولا بوبريه، أن «الفرق مع الحرب العالمية الأولى، هو أنه لدينا مدفعية عميقة مع مدافع يمكنها أن تقصف بسهولة حتى مسافة 40 كيلومتراً بدقة نوعاً ما». وظهرت أيضاً الطائرات المسيّرة فوق ساحة المعركة بدلاً من طائرات المراقبة التي كانت مستخدمة بين 1914 و1918. فيما يخصّ حجم الذخائر المستخدمة، فإن المقارنة مع الحرب العالمية الأولى صعبة لأن المعطيات الميدانية مجزأة. وبحسب المسؤول الثاني في جهاز الاستخبارات العسكري الأوكراني فاديم سكيبيتسكي، تستخدم أوكرانيا بين 5 و6 آلاف قذيفة مدفعية في اليوم.
فيما يخصّ الخسائر العسكرية، فقد قُتل ما بين 15 و20 ألف جندي روسي، بحسب مصادر أمنية غربية. من جانبها، أفادت كييف عن مقتل 10 آلاف جندي أوكراني منذ 24 فبراير (شباط)، مشيرة إلى مقتل ما بين 100 و300 جندي في اليوم.
وخلال الحرب العظمى، اعتبر «ثلاثة أرباع جنود المشاة» قتلى أو جرحى بسبب المدفعية، وفق كامي هارلي فارغاس. يوضح أوليفييه كيمبف، أنه «كانت هناك معدّلات وفيات (في صفوف الجنود) تصل إلى الآلاف في اليوم بين 1914 و1918»، لكنّ التعبئة العامة آنذاك «كانت أكبر بكثير».
الشرق الاوسط