محمد بن سلمان في أنقرة: السعودية تتجاوز الأزمة فهل يتغير أردوغان

محمد بن سلمان في أنقرة: السعودية تتجاوز الأزمة فهل يتغير أردوغان

الرياض/ أنقرة – ترسل زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى تركيا إشارة قوية على أن السعودية تجاوزت إساءات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي رافقت قضية جمال خاشقجي، لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو: هل أن الرئيس التركي سيغير طريقته في النظر إلى العالم ما يضمن بناء علاقات دائمة مع السعودية وغيرها؟

وقال مراقبون أتراك إن التغيير الحالي الذي ظهر في تصريحات أردوغان لا يمكن الوثوق به خارجيا، فهو يفعل ذلك من أجل إقناع المستثمرين والسياح السعوديين بأن تركيا تغيرت، ولتأمين عودة العلاقات الاقتصادية والتجارية إلى ما كانت عليه قبل أزمة خاشقجي، والتي توقفت كرد فعل تلقائي من السعوديين الغاضبين من الحملات التركية الرسمية على قيادتهم.

وأشار المراقبون إلى أن التغيير الذي يبديه أردوغان أجبرته عليه الظروف وليس نابعا من طريقة تغيير شخصية لأنه ظل كما هو في قضايا أخرى؛ من ذلك أنه داخليّا حافظ على موقفه المتشدد من حرية التعبير ومن خصومه السياسيين، كما أن نزوعه إلى الصدام وتوتير العلاقات الخارجية لم يتغير في تصريحاته ضد اليونان وفرنسا وخلق أعداء جددا بافتعال معارك هامشية مثل ما يجري مع السويد وفنلندا بمعارضته عضويتهما في حلف الأطلسي.

التغيير الذي يبديه أردوغان أجبرته عليه الظروف وليس نابعا من طريقة تغيير شخصية لأنه ظل كما هو في قضايا أخرى

واعتبر هؤلاء المراقبون أن التغيير الحاصل تجاه دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، يعود بالأساس إلى حجم الخسائر التي لحقت بتركيا واقتصادها، وهناك قطاعات مثل العقارات والسياحة والمسلسلات التاريخية تضررت بشكل كبير بعد عزوف الخليجيين عن زيارة تركيا. وشدد المراقبون على أن أردوغان كشف في أكثر من مرة أن هدفه من الانفتاح على الخليج هو النهوض بالجانب الاقتصادي، وهو ما بدا في تصريحاته وإعلانه اتفاقيات حتى قبل أن يتم الاتفاق بشأنها.

وسيتوجه الأمير محمد بن سلمان الأربعاء المقبل إلى تركيا في ظل تطورات إقليمية ودولية أعادت السعودية إلى الواجهة كقوة إقليمية لا غنى عنها، كما وضعت ولي العهد السعودي ضمن قائمة الشخصيات الإقليمية المؤثرة خاصة بعد الجدل الذي حف بالزيارة التي من المزمع أن يقوم بها الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الرياض وفشل محاولة استثناء الأمير محمد بن سلمان، في الوقت الذي حولت فيه إصلاحاته وتوجهاته السعودية إلى قوة إقليمية ودولية مؤثرة خصوصا أن ذلك حصل بالتزامن مع تشابك شراكاتها ومصالحها مع دول مثل الصين وروسيا والهند ودول أوروبية بارزة مثل فرنسا وبريطانيا.

ويعتقد متابعون للشأن الخليجي أن السعودية نجحت في تجاوز إساءات أردوغان لاعتبارات تخصها هي بالدرجة الأولى، حيث أنها اختارت لنفسها استراتيجية لتصفير المشاكل على خطى الإمارات، وهي استراتيجية تقوم بالأساس على توسيع النفوذ الاقتصادي والاستثماري السعودي في الاقتصاديات الكبيرة، وأن الاستثمارات التي ينتظر أن تضخها في تركيا -مثلما ضختها في دول أخرى- تقاس بمصالح المملكة بالدرجة الأولى وليس مُهمًّا ما إذا كان أردوغان سيتغير أم لا.

وأكد أردوغان الجمعة أن ولي العهد السعودي سيقوم بزيارة رسمية إلى تركيا في الثاني والعشرين من يونيو الجاري بهدف إجراء محادثات “لتعزيز العلاقات”.

وكان الرئيس التركي زار السعودية في نهاية أبريل والتقى الأمير محمد بن سلمان دون أن تصدر تغطية رسمية سعودية توحي بأهمية الزيارة والضيف، على عكس ما حدث مع ضيوف آخرين كانوا قد حظوا بحفاوة رسمية لافتة.

وأفادت وكالة الأنباء السعودية (واس) في ختام لقاء أردوغان والأمير محمد بن سلمان بأنه جرى خلاله “استعراض العلاقات السعودية – التركية، وفرص تطويرها في مختلف المجالات، بالإضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها”.

ويرى المتابعون أن إعلان أردوغان بنفسه عن موعد الزيارة يظهر اهتماما بالغا بها في ظل توقعات تركية بأن تفضي قمة الرئيس التركي وولي العهد السعودي إلى اتفاقيات كبرى تفتح الباب واسعا أمام الاستثمارات السعودية في البلاد، وهو الهدف الرئيسي لأردوغان من وراء التركيز على إذابة الجليد بين بلاده والمملكة.

وترى آسلي إيدينتاسباس الباحثة والخبيرة في الشؤون التركية بالمجلس الأوروبي للعلاقات الدولية أن “الهم الرئيسي لتركيا هو الحصول على تمويلات سعودية لدعم خزائن البنك المركزي التي تفرغ بشكل خطر”.

ويواجه الرئيس التركي الطامح لولاية جديدة في يونيو 2023 تراجعا كبيرا في قيمة الليرة التركية وتضخما سنويا بلغ 73.5 في المئة خلال مايو ما يلقي بظلال الشك على احتمال إعادة انتخابه بعدما أمضى عقدين على رأس الدولة التركية.

وشن سعوديون خلال سنوات الخلاف مع تركيا حملة واسعة لمقاطعة البضائع التركية ردا على تجاوزات أنقرة بحق بلادهم واستغلال قضية خاشقجي للإضرار بصورة المملكة على المستوى الدولي.

ونتج عن هذه الحملة تضرر الصادرات التركية إلى السعودية بشكل كبير حيث انخفضت إلى مئة وتسعة وثمانين مليون دولار في عام 2021 بعد أن تجاوزت حاجز الثلاثة مليارات دولار عام 2019.

وكان رئيس الاستخبارات السعودي السابق تركي الفيصل قد قال في حديثه عن زيارة أردوغان الأخيرة إلى بلاده إن “تركيا أدركت أن سياستها تجاه المملكة لم تخدم مصالح أو أهداف أحد والشعب التركي على وجه التحديد”.

العرب