زادت اسقالة نواب الكتلة الصدرية، بزعامة مقتدى الصدر، من تعقيد الأوضاع السياسية في العراق، التي تعاني منذ انتخابات تشرين الأول/أكتوبر الماضي، «انسداداً حادّاً» بلغ ذروته بانقسام الأحزاب السياسية بين فريقين؛ الأول يخطط لتشكيل الحكومة وفقاً لمبدأ الأغلبية السياسية، في حين يدافع الفريق الآخر عن «الأغلبية» كشرطٍ أساسي في اختيار المناصب الرئاسية (رئيسي الجمهورية والوزراء) وتحديد شكل الحكومة الجديدة.
وانشغلت الأوساط السياسية والمراقبون للشأن العراقي، الأسبوع الماضي، في تحديد الخطوة المقبلة للفريقين بعد عاصفة «الاستقالات» وسط تخوّف من انعكاسات الأزمة على الشارع.
والأسبوع الماضي، بدى الصدر أكثر ارتياحاً خلال لقائه نواب كتلته «المستقيلون» في مقر إقامته بالحنّانة، في محافظة النجف، إذ يقطن هناك بمنزل والده، رجل الدين الشيعي المعروف محمد صادق الصدر، (اغتيل مع نجليه في 19 شباط/فبراير 1999) عندما أخبر «نوّابه» بأنه «لا مشاركة في العملية السياسية. ولا مشاركة في الانتخابات الجديدة» في حال اشترك فيها «الفاسدون».
ولم يبد الصدر منزعجاً أو نادماً على قرار الانسحاب من العملية السياسية العراقية، خصوصاً عندما حثّ أعضاء كتلته على المضي في التواصل مع الجمهور، وتطوير قدراتها «سياسياً وقانونياً وعقائدياً».
ويمكّن لموقف الصدر الأخير، أن يبرز قناعته بترك الأحزاب السياسية تشكّل الحكومة الجديدة بمعزل عن التيار الصدري.
وفي حال تحقق ذلك، فإن على حلفائه- تحالف السيادة السنّي والحزب الديمقراطي الكردستاني- خوض مفاوضات جديدة لتأليف الحكومة، مع «الإطار التنسيقي» الشيعي، وشركاءه في تحالف «العزم» وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حسب مقاسات «التوافق» المعهود منذ 2003.
وأخفق الصدر وحلفاؤه أكثر من مرّة في تحقيق النصاب القانوني لعقد جلسة برلمانية تضمّ ثلثي أعضاء مجلس النواب (البرلمان) لتمرير مرشحي رئيس الجمهورية- يدور في فلك الحزبين الكرديين الرئيسيين من دون حسمّ- الذي يكلّف بدوره مرشح الكتلة البرلمانية الأكبر، بتأليف الحكومة.
وهو الأمر ذاته الذي وقف حائلاً أمام «الإطار التنسيقي» أيضاً، في إتمام المهمة نفسها.
لكن استقالة نواب «الكتلة الصدرية» منحت «الإطار» فرصة جديدة لتشكيل الحكومة، خصوصاً مع تقاسم الأحزاب مقاعد نواب الصدر (73 مقعداً) من خلال صعود النواب البدلاء إلى البرلمان.
مدّة إضافية
واعتادت الأوساط السياسية على «تقلّب مزاج» الصدر، في القرارات والمواقف، وهو ما يُقلق بقية الأطراف من احتمال «عدول الصدر عن قراره الانسحاب من العملية السياسية» في أيّ لحظة.
وبالفعل بدأ «الإطار» عقد سلسلة مفاوضات مع قادة الأحزاب المنضوية فيه – كمرحلة أولى- تمهّيداً لتوسعة المفاوضات لتشمل حلفاء الصدر.
وفي آخر اجتماع «للإطار» عُقد الخميس الماضي، في منزل فالح الفياض، ناقش المجتمعون «الحوارات الجارية بين القوى الوطنية من أجل استكمال الاستعدادات المتعلقة بالاستحقاقات الدستورية وتشكيل حكومة خدمة وطنية» مشيراً إلى أن «الإطار شكل لجنة تفاوضية للحوار مع القوى الوطنية» حسب بيان صحافي.
ويمكن أن تستمر هذه المفاوضات إلى نحو شهر، أيّ لحين تأدية النواب الجدد اليمين الدستورية تحت قبّة البرلمان، كـ»بدلاء» عن نواب الصدر، بعد انتهاء العطلة التشريعية (شهر) التي يتمتع بها مجلس النواب حالياً.
وحسب خبراء القانون، فإن استقالة نواب الصدر، وموافقة رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي عليها، «يمّكن إلغاءها» ما دام البدلاء لم يؤدوا اليمين الدستورية بعد.
وفي تفصيلات الرأي القانوني لاستقالة النواب، يقول الخبير القانوني العراقي، علي التميمي، إنه «بما ان الاستقالة الخاصة بأعضاء التيار الصدري قدمت إلى رئيس البرلمان وفق المادة 12 فقرة 2 من قانون مجلس النواب العراقي 13 لسنة 2018 ووافق عليها، فهذه الاستقالة تحتاج إلى اصدار أمر ديواني يؤكد الاستقالة، وبعدها يفاتح رئيس البرلمان مفوضية الانتخابات لإرسال أسماء البدلاء- أفضل الخاسرين في الدائرة الانتخابية- وفق المادة 15 من قانون الانتخابات 9 لسنة 2020 وبعدها يحدد يوم لجلسة البرلمان لأداء البدلاء اليمين الدستورية أمام البرلمان وفق المادة 50 من الدستور».
وأضاف في إيضاحٍ له: «ما دامت هذه الإجراءات لم تكتمل، ولم يؤدي البدلاء اليمين الدستورية، فيمكن للمستقيلين، العدول والتراجع عن الاستقالة وبذات الطريقة، بأن يقدموا طلباً إلى رئيس مجلس النواب بالعدول، كونهم كانوا تحت ضغط نفسي كبير، والمصلحة العامة تقتضي هذا العدول».
وأشار التميمي، إلى أن «الاستقالة ما زالت تحت إرادة المرجع الإداري- أي رئيس البرلمان- ويحق للنائب مقدم الاستقالة أن يطالب بإلغائها وسحبها لعدم تحقق الرغبة القاطعة في الاستقالة، وهذه هي القواعد العامة التي يتم الرجوع إليها مع عدم وجود التفاصيل في الدستور أو نظام البرلمان الداخلي أو قانون مجلس النواب».
السيناريو الأخطر
ويطرح المراقبون للشأن السياسي العراقي تساؤلاً يتعلق بمدى إمكانية الصدر، الالتزام بقرار الانسحاب، من دون أن يطرأ أيّ موقف جديد له قد يؤدي إلى جرّ البلاد نحو صراع شيعي ـ شيعي، وهذا هو «السيناريو الأخطر».
المحلل السياسي العراقي، علي البيدر، يرى في حديث لـ«القدس العربي» أن «الصراع الشيعي ـ الشيعي حتّمي، وفقاً لمبدأ القوى الفائضة، وكيف يمكن استيعاب هذه القوى التي شاركت في قتال داعش وأيضاً في الحرب بسوريا، فمن سيحتوي هذه الأطراف؟ خصوصاً إنها أصبحت معتادة على الحروب والقتال».
وأضاف: «من المهم تدخل عقلاء الشيعة، خصوصاً في التيارات السياسية التي ليس لديها أذرع مسلحة، كحزب الدعوة على سبيل المثال» مبيناً أن «الصدر يمتلك جمهور عقائدي ثابت يمكن تحشيده لحمل السلاح، بالإضافة إلى امتلاكه فصيلاً مسلحاً» في إشارة إلى (سرايا السلام).
وتمتلك القوى السياسية الشيعية، أجنحة مسلحة تنقسم بين عدد من الفصائل ترتبط وثيقاً بـ«الإطار التنسيقي» يقابلها «جيش المهدي وسرايا السلام» التي تتبع الصدر.
ورغم إن الغالب الأعم للفصائل الشيعية المسلحة منبثقة عن «التيار الصدري» غير إنها اليوم لا تربطها علاقات ودّية كما في السابق، الأمر الذي يُنذر بعواقب وخيمة في حال نشوب صدام بينها.
وانتشرت في مناطق من العاصمة الاتحادية بغداد، صور لـ«منشورات» كُتب عليها «ساعة الصفر» و«العاصفة قادمة» حسب مواقع إخبارية ومنصّات التواصل الاجتماعي، توحي بأنها تُنّذر بقرب الصِدام المؤجّل.
وكان لأتباع الصدر موقف من الحراك الاحتجاجي الأبرز في العراق (تشرين الأول/أكتوبر 2019) عندما أسهموا في إنهاء التظاهرات الاحتجاجية في العاصمة بغداد، قبل سيطرتهم على «ميدان التحرير» ومبنى «المطعم التركي» المُطل على الميدان من جهة، وعلى «المنطقة الخضراء» شديدة التحصين، على الضفّة الثانية من نهر دجلة.
ورغم التصريحات السياسية التي تستبعد نشوب صدام شيعي ـ شيعي، وإمكانية جرّ الشارع العراقي وإشراكه في الخلاف السياسي، غير إن شعبية الصدر في الشارع العراقي قد تقلب كل الموازين لصالحه لا ضدّه.
ووفقاً للبيدر فإن «الصدر خرج من باب البرلمان وسيعود من باب الاحتجاجات» مرجّحاً نزول زعيم التيار الصدري إلى «الشارع في النهاية وستشاركه أحزاب تشرين التي لم تشارك في الانتخابات، بالإضافة إلى العراقيين الناقمين على المشهد السياسي».
وفي هذه الحالة «يمكن للصدر أن يشكل ضغطاً شعبياً على العملية السياسية لإجبارها على إجراء انتخابات مبكّرة» حسب البيدر.
حكومة انتقالية
المؤشرات الحالية تتجه صوب إمكانية تشكيل حكومة مؤقتة «انتقالية» لكن هذه المرّة ليست برئاسة رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي، تتولى مهمة تعديل قانون الانتخابات وتغيير المفوضية للتمهيد لإجراء انتخابات جديدة في غضون عام أو عامين.
ويرى البيدر إن أبرز السيناريوهات المطروحة حالياً، يتمثل بـ«الإبقاء على حكومة الكاظمي- أو الإبقاء عليه شخصياً- مع تغيير حكومته، لكن لفترة مؤقتة تمهد الطريق نحو حلّ البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، كخطوة لاحقة».
وأضاف: «حلفاء الصدر ليس لديهم فيتو على أي شخصية، ويمكنهم أن يتحالفوا مع الإطار، خصوصاً إن الحزب الديمقراطي وتحالف السيادة لديهم علاقات جيدة مع أطراف الإطار» مرجّحاً حصول «توافق جديد بغياب الصدر، إذا ما منح الإطار التنسيقي لحلفاء الصدر بعض المكتسبات».
في الموازاة، لم يؤشّر زعيم ائتلاف «دولة القانون» أبرز القوى السياسية المنضوية في «الإطار التنسيقي» أية مشكلات سياسية مع التيار الصدري والأحزاب الإسلامية، تعيق إيجاد تعاون مشترك.
المالكي قال في «تدوينة» له، إن «علاقاتنا مع القوى والأحزاب والتيارات الإسلامية، بمن فيهم الأخوة في التيار الصدري، لها هدف كبير وتتعلق بمسؤولية خطيرة، تفرض علينا دائما الحرص عليها، والبحث عن نقاط الالتقاء والتعاون والتكامل وهي كثيرة، وليس التقاطع والتنافر أو الخصومة والإقصاء والذي هو ليس منهجنا الذي تعلمناه من أئمتنا الهداة عليهم السلام، كما أنه لا يخدم عقيدتنا ووطنا وشعبنا في هذا الظرف العصيب».
وأضاف: «سنبقى نتمسك بهذا الموقف، ونمد أيدينا للجميع بالتعاون مع كل القوى الإسلامية والوطنية الخيرة والمسؤولة ان كانوا داخل البرلمان أو خارجه ما دامت الأهداف والتحديات لا تفرق بيننا».
وشدد المالكي على أهمية أن «لا تفرقنا خلافات تعد بسيطة وليست استراتيجية قد نختلف في بعض المواقف ولكن التعاون والحرص على الوحدة هو الأساس والاستراتيجية الثابتة لنا».
القدس العربي