أنقرة- كشفت مصادر سياسية تركية مطلعة أنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أبدى خلال لقائه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغبته في عودة تدريجية للعلاقات الثنائية من أجل إعطاء الفرصة لتصويب الأسباب التي قادت إلى القطيعة التامة في السنوات الأخيرة، معتبرة أن الرسالة كانت موجّهة إلى الرئيس التركي لإثبات حسن نواياه تجاه السعودية.
وقالت المصادر إن الرئيس التركي لم يحصل على ما يريده بشكل كامل من زيارة ولي العهد السعودي فيما يتعلق بالجانب المالي الذي كان يريد أن يحصل عليه بشكل سريع، إذ لم تصدر من الأمير محمد بن سلمان ولا الوفد المرافق له تصريحات بشأن حجم الاستثمارات التي ستعلن عنها الصناديق السيادية السعودية، وكذلك بشأن تبادل العملات، وهو ما يراهن عليه أردوغان من خلال الزيارة بهدف إنقاذ الليرة وإرسال إشارات إيجابية للمستثمرين الأجانب وللمؤسسات المالية الدولية.
وينظر السعوديون بريبة إلى مواقف الرئيس التركي وتغير مواقفه من النقيض إلى النقيض، خاصة تأكيده المستمر على أن هدفه من الانفتاح على المملكة والخليج ككل، هو النهوض بالجانب الاقتصادي، وهو ما يثير مخاوف من أنه قد يعود إلى سالف عهده إذا لم يحصل على ما يريده، وأنه قد يستعمل ذلك كطريقة للابتزاز.
Û المفاوضات بشأن خط مبادلة عملات يساعد في إنعاش احتياطيات تركيا من العملات الأجنبية، لا تتحرك بالسرعة المطلوبة
واستقبل أردوغان ولي العهد السعودي استقبالا رسميا في القصر الرئاسي في أنقرة وتصافحا وتعانقا قبل مقابلة أعضاء الحكومة التركية ثم عقدا اجتماعا قالت وكالة الأناضول إنه استمر لساعتين.
وصدر بيان تركي – سعودي مشترك أكد عزم البلدين على بدء حقبة جديدة من التعاون، وتسهيل حركة التجارة بينهما.
وقال البيان إن تركيا دعت صناديق الاستثمار السعودية للاستثمار في شركات تركية جديدة.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول تركي كبير قوله إن المفاوضات بشأن خط مبادلة عملات محتمل، والذي يمكن أن يساعد في إنعاش احتياطيات تركيا من العملات الأجنبية المتناقصة، لا تتحرك “بالسرعة المطلوبة”.
وقال المسؤول التركي إن البلدين رفعا القيود المفروضة على التجارة والرحلات الجوية وعرض المسلسلات التلفزيونية مع إيقاف التغطية الإعلامية السلبية المتبادلة.
وأضاف أن اتفاقات في مجالات الطاقة والاقتصاد والأمن ستُوقع خلال الزيارة، بينما يجري العمل أيضا على خطة لدخول الصناديق السعودية أسواق رأس المال في تركيا.
وكان الرئيس التركي زار السعودية في نهاية أبريل والتقى الأمير محمد بن سلمان دون أن تصدر تغطية رسمية سعودية توحي بأهمية الزيارة والضيف، على عكس ما حدث مع ضيوف آخرين كانوا قد حظوا بحفاوة رسمية لافتة.
وقال أردوغان الأسبوع الماضي إنه والأمير محمد بن سلمان سيناقشان “إلى أيّ مستوى أعلى بكثير يمكن أن يصلا بالعلاقات خلال المحادثات في أنقرة”.
ويقول مراقبون إن الزيارة ستكون بمثابة اختبار لأردوغان وإن كان سيغير طريقته في النظر إلى العالم ما يضمن بناء علاقات دائمة مع السعودية وغيرها، معتبرين أنه لا يمكن الوثوق بالتغيير الحالي الذي ظهر في تصريحات الرئيس التركي، فهو يفعل ذلك من أجل إقناع المستثمرين والسياح السعوديين بأن تركيا تغيرت، ولتأمين عودة العلاقات الاقتصادية والتجارية إلى ما كانت عليه قبل أزمة الصحافي جمال خاشقجي.
نائل أولباك: أردوغان وولي العهد السعودي سيفسحان المجال أمام عالم الأعمال في كلا البلدين
وأشار المراقبون إلى أن التغيير الذي يبديه أردوغان أجبرته عليه الظروف وليس نابعا من طريقة تغيير شخصية لأنه ظل كما هو في قضايا أخرى؛ من ذلك أنه داخليّا حافظ على موقفه المتشدد من حرية التعبير ومن خصومه السياسيين، كما أن نزوعه إلى الصدام وتوتير العلاقات الخارجية لم يتغير في تصريحاته ضد اليونان وفرنسا وخلق أعداء جددا بافتعال معارك هامشية مثل ما يجري مع السويد وفنلندا بمعارضته عضويتهما في حلف الأطلسي.
واعتبر هؤلاء أن التغيير الحاصل تجاه دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، يعود بالأساس إلى حجم الخسائر التي لحقت بتركيا واقتصادها، وهناك قطاعات مثل العقارات والسياحة والمسلسلات التاريخية تضررت بشكل كبير بعد عزوف الخليجيين عن زيارة تركيا.
ولا يعرف إلى أيّ حد يمكن أن ينجح أردوغان في إقناع السعوديين بحسن نواياه وتبديد مخاوفهم، وإقناعهم بتغيير موقفهم من بلاده وكسر المقاطعة الشاملة رسميا وشعبيا ضدها.
وشن سعوديون خلال سنوات الخلاف مع تركيا حملة واسعة لمقاطعة البضائع التركية ردا على تجاوزات أنقرة بحق بلادهم واستغلال قضية خاشقجي للإضرار بصورة المملكة على المستوى الدولي.
ونتج عن هذه الحملة تضرر الصادرات التركية إلى السعودية بشكل كبير حيث انخفضت إلى 189 مليون دولار في عام 2021 بعد أن تجاوزت حاجز الـ3 مليارات دولار عام 2019.
وعقدت على هامش الزيارة طاولة مستديرة بمشاركة شخصيات رسمية من تركيا والسعودية لبحث فرص التعاون الاستثماري، حضرها رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي نائل أولباك ووكيل وزير الاستثمار السعودي بدر البدر.
وقال أولباك في كلمة له إن أردوغان وولي العهد السعودي سيفسحان المجال أمام عالم الأعمال في كلا البلدين من خلال القرارات السياسية التي سيتخذانها خلال اللقاءات.
التغيير الذي يبديه أردوغان أجبرته عليه الظروف وليس نابعا من طريقة تغيير شخصية لأنه ظل كما هو في قضايا أخرى
من جهته، قال رئيس مجلس الأعمال التركي – السعودي فاتح غورصوي إن الصادرات التركية إلى السعودية بلغت ذروتها عام 2015 ووصلت إلى 5 مليارات دولار.
وأشار إلى أن قيمة الصادرات تراجعت إلى 4.2 مليار دولار عام 2020 وبنسبة 92 في المئة العام الماضي، في حين زادت الواردات من المملكة لتصل إلى 79 في المئة.
وشدّد على أن الشركات التركية ستحتل مكانة مهمة في مشاريع رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030.
بدوره قال وكيل وزير الاستثمار السعودي بدر البدر إن بلاده تقدم حوافز للمستثمرين الأجانب، وهناك شركات تركية كبيرة متخصصة بإنتاج الغذاء والمقاولات وتمارس أعمالها في أراضي المملكة.
وأعرب عن اعتقاده في أن الاستثمارات بين البلدين ستتضاعف ثلاث مرات في السنوات القادمة، لافتًا إلى الاستثمارات السعودية في تركيا في مجالات مثل السياحة والإنتاج الزراعي.
العرب