منح انسحابُ الكتلة الصدرية من البرلمان العراقي روسيا فرصةَ التعامل مع العراق وإيران كما لو كانا منطقة حضور استراتيجي واحدة، خصوصا إذا تمكنت قوى الإطار التنسيقي الموالية لطهران من تشكيل الحكومة والعودة إلى السلطة.
وعادت روسيا إلى الواجهة في الشرق الأوسط على حساب الولايات المتحدة، وهو ما عكسته تحركات شملت إيران والعراق بشكل منفصل أو متّصل.
ومن بين تلك التحركات اجتماعات بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف وكبار الشخصيات السياسية والعسكرية الإيرانية، بمن في ذلك الرئيس إبراهيم رئيسي.
ويرى الكاتب في موقع أويل برايس الأميركي سيمون واتكينز أن “الكرملين استغل تخفيف القيود في الفترة التي سبقت انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لتعزيز وجوده في إيران بشكل كبير”.
وفي قطاع الطاقة وحده سبق أن وقّعت الشركات الروسية الثلاث غازبروم وزاروبيج نفط وتاتنفت قبل سنة 2018 اتفاقيات تنقيب وتطوير لحقول نفط إيرانية. وجاء ذلك على رأس مذكرات تفاهم سابقة وقعتها شركة لوك أويل الروسية وشركة النفط الوطنية الإيرانية لدراسة حقلي آب تيمور ومنصوري وسط غرب البلاد.
في ظل غياب شخصية قوية واضحة في العراق عادت الأمور إلى نقطة البداية، وهذا بالضبط ما تريده إيران وروسيا
والأهم من ذلك حسب واتكينز هو توقيع نائب وزير البترول الإيراني أمير حسين زمانينيا ونائب وزير الطاقة الروسي كيريل مولود تسوفل مذكرة تفاهم من 22 نقطة شملت الدراسات وخطط الاستكشاف واستخراج النفط ونقل الغاز، وعمليات مبادلة البتروكيماويات، والبحوث المتعلقة بتصدير المنتجات البتروكيماوية وتسويقها، وتصنيع المعدات النفطية مع الشركات الهندسية الإيرانية المحلية، ونقل التكنولوجيا في قطاع المصافي.
وكانت النقاشات في مطلع 2018 على أشدها بشأن مذكرة التفاهم التي تضمنت استخدام روسيا المزدوج للموانئ والمطارات الإيرانية للأغراض المدنية والعسكرية، لكن تقرر تعليق هذه الخطط بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
ونقل موقع أويل بريس عن مصادر مقربة من وزارة النفط الإيرانية أن لافروف ورئيسي ناقشا في الاجتماع الأخير الذي عُقد الأسبوع الماضي مسألة توسيع التعاون ليشمل جميع المجالات، بما يتماشى مع مذكرة التفاهم الأصلية المكونة من 22 نقطة. وشمل ذلك التعاون اللوجستي لنقل البضائع، بما في ذلك النفط والغاز والمنتجات ذات الصلة من إيران إلى روسيا ومن روسيا إلى إيران عند الضرورة، وعناصر التعاون المدني والعسكري الذي جرى الاتفاق عليه قبل أربع سنوات.
وبدورها أشارت وزارة الخارجية الإيرانية إلى أن زيارة لافروف كانت تهدف إلى توسيع التعاون مع منطقة أوراسيا والقوقاز.
وبحسب المصادر نفسها ناقش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني في يناير مسألة تزويد إيران بنظام الدفاع الصاروخي أس – 400 وطائرات سوخوي سو – 35 المقاتلة التي كانت موسكو قد وعدت بتقديمها منذ عدة سنوات.
ولا يستبعد مراقبون أن يكون لروسيا دور في ما يجري في العراق؛ ذلك أنه ليس من مصلحتها أن يشكل الصدر حكومة قوية ومستقلة تضع حدا للتدخلات الأجنبية.
وكان الصدر يتطلع إلى تشكيل أول حكومة أغلبية حقيقية في البلاد منذ سقوط صدام حسين سنة 2003، قبل انسحابه من البرلمان مع 73 عضوا من تياره.
وكان من المقرر أن يتحقق ذلك من خلال التحالف الذي أبرم مع كتلة رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكردستاني.
وبحسب مصادر أويل بريس فإن “مشكلة الصدر الرئيسية هي أن نجاحه يعني تجريد الإطار التنسيقي الذي تدعمه إيران من أيّ شرعية، ويشمل هذا روسيا أيضا، نظرا إلى مناهضة الصدر الشديدة لأي تدخل أجنبي في الشؤون العراقية”.
وأضافت هذه المصادر “روسيا تسيطر أساسا على قطاع النفط في كردستان العراق منذ 2017، وتتطلع إلى توسيع نفوذها إلى جنوب البلاد وتشكيل دولة زبونة موحدة تشمل إيران والعراق. ونجاح مخطط الصدر يعني تدمير هذا كله”.
وتابعت “إن الحزب الديمقراطي الكردستاني هو الذي أفشل خطة الصدر، لأنه تجاوز الاتفاق التقليدي المتعلق بتوزيع المناصب السياسية (الذي كان سيقدّم بمقتضاه الاتحاد الوطني الكردستاني مرشحه لمنصب الرئاسة) بتقديمه مرشحه الخاص”.
وأردفت “لقد عدنا الآن إلى نقطة البداية، في ظل غياب شخصية قوية واضحة في العراق. وهذا بالضبط ما تريده إيران وروسيا”.
أمّا في ما يتعلق بخارطة طريق التعاون الجديدة بين إيران والعراق فقد سارعت طهران إلى الإعلان عن العديد من المبادرات المهمة بين البلدين مع عدم بروز زعيم واضح في أفق بغداد.
وكان مساعد وزير النفط العراقي لشؤون التنقيب باسم محمد خضير قال “يجب إعداد خارطة طريق للخطوات والأهداف المستقبلية للعراق وإيران”، مضيفا أن “هناك قضية مهمة أخرى هي التكنولوجيا والمنتجات الإيرانية”.