واشنطن – تفرض الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، وتصادمها مع الدول الأوروبية في ما يتعلق بإمدادات الطاقة، الحديث عن نظام عالمي جديد بدأت تتشكل ملامحه ومن شأنه أن يغير موازين العالم.
وتقول تسفيتانا باراسكوفا المحررة في موقع أويل برايس الأميركي إن النظام العالمي الجديد بعد الغزو الروسي لأوكرانيا أنتج فائزين وخاسرين جددا في مجال الطاقة مع تغير التدفقات التجارية. ولا تزال موسكو تتلقى ما يقرب من مليار دولار من عائدات النفط والغاز كل يوم مع استمرار أوروبا في شراء الغاز الروسي ويخشى احتمال قيام روسيا بقطع إمدادات الغاز بالكامل. وقد تكون لروسيا اليد الرابحة على المدى القصير، بعد أن ربطت الاقتصادات الأوروبية الكبرى بغازها الطبيعي.
لكن باراسكوفا ترجح أن تفقد موسكو مكانتها كقوة عظمى عالمية في مجال الطاقة على المدى المتوسط إلى الطويل لأن قرار أوروبا بقطع اعتمادها على الطاقة الروسية يعدّ أمرا لا رجعة فيه، حسب تعبير جدعون راشمان كاتب عمود في الفاينانشيال تايمز.
ويمكن أن تستقبل آسيا العديد من براميل النفط الروسية غير المرغوب فيها والمحظورة في الغرب، ولكن محور الغاز سينتقل إلى الصين في سنوات وليس أشهر، بسبب نقص البنية التحتية الكافية لإعادة توجيه روسيا لتدفقات الغاز من أكبر أسواقها.
كما تساعد أسعار النفط والغاز الطبيعي المرتفعة قطاع إنتاج النفط الصخري الزيتي في الولايات المتحدة التي قد تكون فائزا كبيرا في نظام الطاقة العالمي الجديد على المدى المتوسط إلى الطويل، حيث يسعى الغرب للحصول على النفط والغاز غير الروسيين بغض النظر عن تطورات الحرب في أوكرانيا.
ومع ذلك، تواجه صناعة النفط والغاز الأميركية قيودا قصيرة الأجل في تعزيز الإنتاج. وتشمل هذه العقبات قضايا سلسلة التوريد، والارتفاعات الحادة في التكاليف، وإدارة الولايات المتحدة برغبة ثابتة في الترويج للطاقة النظيفة، وتقارير تلقي باللوم على صناعة النفط وتتهمها بضيق أسواق الوقود والمساهمة في ارتفاع أسعار البنزين بشكل قياسي.
وإذا كانت لدى المنتجين الأميركيين بيئة تنظيمية داعمة للاستثمارات في العرض الجديد، فإن للولايات المتحدة فرصة للفوز بلعبة الطاقة الجيوسياسية على المدى الطويل. وسيزيد الطلب على الخام الأميركي في المناطق المستهلكة الرئيسية، بما في ذلك في أوروبا وحلفاء الولايات المتحدة في شمال آسيا، والتي لن ترغب أبدا في الاعتماد على الطاقة الروسية مرة أخرى.
وتعد أميركا اللاتينية أيضا منفذا طبيعيا لصادرات الطاقة الأميركية نظرا لقربها من الولايات المتحدة، خاصة وأن أوروبا المتعطشة لجميع أنواع الطاقة الآن لا تصدر الكثير من الوقود إلى الأميركتين كما كانت قبل الغزو الروسي لأوكرانيا وقبل أزمة الطاقة في خريف 2021.
ويُقوَّض موقع القوة الروسية على المدى المتوسط والطويل بتغير تدفقات تجارة الطاقة وقرار أوروبا قطع الاعتماد على النفط والغاز الروسي، مع هدفها لأن تصبح مستقلة عن واردات النفط الروسي بحلول نهاية العام، وتحقيق استقلالها عن الغاز الروسي في 2027.
وكانت روسيا قبل الحرب تتطلع إلى 30 سنة أخرى من عائدات النفط والغاز المضمونة. وقال مسؤول ألماني رفيع المستوى لراشمان من فاينانشيال تايمز “إنهم الآن ينظرون إلى ثلاثة”.
وكسبت روسيا 98 مليار دولار (93 مليار يورو) من عائدات صادرات الوقود الأحفوري في أول 100 يوم من الحرب في أوكرانيا، حيث دفع الاتحاد الأوروبي 61 في المئة منها للواردات، وفقا للبيانات التي جمعها مركز بحوث الطاقة والهواء النظيف.
وفي الوقت الذي يهدف فيه الاتحاد الأوروبي إلى خفض عائدات النفط الروسية من خلال فرض حظر على واردات النفط المنقولة بحرا من روسيا، تعيد موسكو توجيه المزيد من الكميات إلى آسيا.
لكن روسيا ستواجه مهمة أكثر صعوبة تتمثل في استبدال صادرات الغاز الأوروبية وعائداتها بتلك الموجودة في آسيا. وليس الغاز الطبيعي المسال الذي ترسله روسيا إلى الصين سوى جزء بسيط من صادرات خطوط الأنابيب الروسية إلى أوروبا، حتى في الوقت الذي خفضت فيه موسكو إمدادات الغاز إلى بلدان القارة في الأسابيع الماضية.
وترسل روسيا بالفعل الغاز الطبيعي إلى الصين عبر خط أنابيب “قوة سيبيريا”، الذي انطلق عمله في نهاية سنة 2019. وتجد خطط لخط أنابيب غاز رئيسي آخر لنقل الغاز من روسيا إلى الصين، لكن إعداده سيستغرق سنوات.
وقال الباحث في برنامج أمن الطاقة والتغير المناخي لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي نيكوس تسافوس إن “روسيا يمكن في النهاية أن تبني نشاطا تجاريا كبيرا موجها نحو الأسواق الآسيوية، لكن التحول لن يكون فوريا ولا سهلا، وسيعتمد بشكل حاسم على الشركاء الأجانب، بما في ذلك الصين”.
في المقابل يمكن للولايات المتحدة، التي تعدّ أكبر منتج للنفط الخام في العالم قبل المملكة العربية السعودية وروسيا، أن تساعد في سدّ الفجوة الناتجة عن بعض خسائر الإمدادات من روسيا في النفط والغاز. وارتفعت صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية إلى أوروبا، كما أن صادرات الوقود قوية رغم انخفاض مخزوناته لعدة سنوات في الولايات المتحدة.
◙ قطاع إنتاج النفط الصخري الزيتي في الولايات المتحدة قد يكون فائزا كبيرا على المدى المتوسط إلى الطويل
وأظهرت بيانات نشرتها وزارة الطاقة الأميركية مؤخرا أن مخزون النفط الخام في الاحتياطي البترولي الاستراتيجي للولايات المتحدة تراجع بمقدار 6.9 مليون برميل على مدار الأسبوع المنتهي في الرابع والعشرين من يونيو، كما تراجع مخزون الخام في احتياطي الطوارئ إلى 497.9 مليون برميل ليصل إلى أدنى مستوى منذ أبريل 1986.
لكن صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة تواجه قيودا قصيرة الأجل في تعزيز الإنتاج مع استمرار ارتفاع التكاليف وتفاقم التأخيرات في سلسلة التوريد. كما يركز المنتجون الأميركيون على سداد الديون ومكافأة المساهمين. وهم قلقون من هجمات إدارة بايدن المستمرة، فهي لا تشجع خطط الشركات الاستثمارية.
وفي الأسبوع الماضي حثت أكثر من اثنتي عشرة جمعية للطاقة بقيادة معهد البترول الأميركي الرئيس جو بايدن على زيارة مراكز إنتاج النفط والغاز الأميركية قبل التوجه إلى المملكة العربية السعودية للمطالبة بالمزيد من النفط من أكبر مصدر للنفط الخام في العالم.
وقالت جمعيات الطاقة في رسالة إلى الرئيس بايدن “نيابة عن الملايين من الأميركيين العاملين في صناعة النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، نتمنى لك كل النجاح في رحلتك القادمة إلى المملكة العربية السعودية.
لكن قبل أن تزور الرياض، ندعوك لزيارة رينولدزفيل ببنسلفانيا. إنها قلب النفط الصخري في الولاية التي ولدت فيها، وهي واحدة من أكثر المناطق إنتاجا للغاز الطبيعي في العالم. إن احتياطيات الطاقة الأميركية، التي تُنتج وفقا لأعلى المعايير البيئية في العالم، هي الحل في السعي العالمي للحصول على إمدادات طاقة موثوقة. فهي تعزز القدرة التنافسية الأميركية والأمن القومي وتوفر الفرص الاقتصادية لكل ركن من أركان البلاد”.
العرب