تكريس لحكم الرئيس أم تأبين لنظام هجين فصّلته النهضة على مقاسها

تكريس لحكم الرئيس أم تأبين لنظام هجين فصّلته النهضة على مقاسها

تونس- أعادت مسودة الدستور الجديد، التي سيتم التصويت عليها في الخامس والعشرين من هذا الشهر، كل الصلاحيات التي افتقدها الرئيس قيس سعيد في دستور 2014، والذي كان هدفه الرئيسي تهميش دور رئيس الجمهورية وتضخيم دور البرلمان والحزب الحاصل على الكتلة الأكبر، وهو النظام الهجين الذي فصّلته حركة النهضة الإسلامية على مقاسها وكان مصدرا لنزاعات متكرّرة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وقال سياسيون ومحللون سياسيون إن الدستور الجديد سيحرر تونس من صراع الصلاحيات بين المؤسسات الدستورية، وهو الصراع الذي عطل البلاد لمدة عشر سنوات، وأعاق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وحوّل البرلمان إلى سلطة فوق السلطات في وقت كان هذا البرلمان يعيش حالة من الفوضى والتشتت.

وأشار هؤلاء إلى أن الرئيس سعيد استجاب لتوجهات الرأي العام التونسي الذي كان يطالب بعودة النظام الرئاسي الذي عرفت معه البلاد الاستقرار لعقود، متسائلين هل كان على الرئيس سعيد أن يغمض عينيه عن الأزمة العميقة التي عاشتها تونس في ظل منظومة حكم هجينة ضيعت على تونس عقدا مهما من الزمن.

عبيد البريكي: مسودة الدستور الجديد ستسمح بإقامة تونس جديدة

ويجمع التونسيون على أن المرحلة الماضية كانت مرحلة للفوضى، ويكفي النظر إلى عدد رؤساء الحكومات واستبدالهم ليعرف الناس كم كانت المنظومة فاشلة.

وتخلت تلك المنظومة عن كل التزاماتها في الحفاظ على مكاسب البلاد في مختلف المجالات، كما أهملت أهم القطاعات حيوية، وهو القطاع الاقتصادي، حيث كان هدف السياسيين إنفاق الأموال لشراء السلم الاجتماعي دون تقدير لعواقب تبديد المال العام، وترك تونس في وضع صعب سواء من حيث التضخم أو حجم المديونية، وهذا الأمر صعب عليها الحصول على قروض أو تمويلات خارجية للاعتماد عليها في الإصلاحات التي تعتزم القيام بها.

وتساءل مراقبون عن أيّ شيء يدافع منتقدو مسودة الدستور الجديد، هل يدافعون عن سوء الإدارة أم سوء التشريع أم تفتت الأحزاب وسياحة النواب الحزبية والصورة الكارثية للبرلمان، معتبرين أنه مهما كانت الهنات التي توجد في مشروع الدستور الجديد، فهو أفضل من دستور الترضيات الذي تجد فيه كل جهة مطلبها، لكنه على الأرض تحول إلى ميدان من الألغام التي منعت تونس من التقدم ولو خطوات قليلة.

واستغرب المراقبون ما تطرحه بعض المنظمات المدنية والحقوقية من شكوك في الدستور الجديد، في وقت كان الهدف الأول لقيس سعيد هو استعادة الدولة الوطنية وقطع الطريق أمام محاولات أسلمتها وتفكيكها وربطها بأجندات خارجية، معتبرين أن هذا الهدف الأهم يفرض على الجميع دعم قيس سعيد في هذه المرحلة ثم بعد ذلك تمكن المطالبة بالتغيير خاصة أن الدستور ستتفرع عنه الكثير من القوانين والترتيبات التي يمكن من خلالها مراعاة التساؤلات والمطالب المختلفة.

ونشر الرئيس التونسي في الجريدة الرسمية في وقت متأخر من مساء الخميس مشروع دستور جديد سيُطرح على استفتاء عامّ في الخامس والعشرين من يوليو ويمنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، في تعارض واضح مع النظام البرلماني الذي ساد خلال عشر سنوات.

وينصّ مشروع الدستور على أنّ “رئيس الجمهورية يمارس الوظيفة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة” يعيّنه الرئيس بنفسه.

وهذه الحكومة “مسؤولة عن تصرّفاتها أمام رئيس الجمهورية” وليست في حاجة إلى أن تحصل على ثقة البرلمان لتزاول مهامها. كما يمكن للرئيس أن ينهي مهام الحكومة أو مهام أيّ عضو منها تلقائياً، ما يعني أنّ البلاد ستنتقل إذا ما أقرّ هذا المشروع من النظام البرلماني الحالي إلى نظام رئاسي.

~ الرئيس سعيد استجاب لتوجهات الرأي العام التونسي الذي كان يطالب بعودة النظام الرئاسي الذي عرفت معه البلاد الاستقرار لعقود

ويمنح مشروع الدستور رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة في ميادين شتّى إذ أنّه “القائد الأعلى للقوات المسلّحة” و”يضبط السياسة العامة للدولة ويحدّد اختياراتها الأساسية” و”يسهر على تنفيذ القوانين ويمارس السلطة الترتيبية العامة” و”يُسند، باقتراح من رئيس الحكومة، الوظائف العليا المدنية والعسكرية” ويتمتع بحقّ “عرض مشاريع القوانين” على البرلمان الذي يتعيّن عليه أن يوليها “أولوية النظر” فيها على سائر مشاريع القوانين.

وطبقا لمسودة الدستور المقترح فإن قيس سعيد سيواصل الحكم بمراسيم إلى حين تشكيل برلمان جديد من خلال انتخابات من المتوقع أن تُجرى في ديسمبر القادم.

ووفقا لمسودة الدستور يمكن للرئيس حكم البلاد فترتين مدة الواحدة منهما خمسة أعوام، لكنه يملك حق تمديد فترة حكمه إذا استشعر خطرا يهدد البلاد وسيكون له حق حل البرلمان. وتخلو مسودة الدستور المقترح من أيّ فقرة تتيح عزل الرئيس.

وقال عبيد البريكي، وهو رئيس حزب يدعم مسار الخامس والعشرين من يوليو، إن مسودة الدستور ستسمح للناس “بالتنفس وإقامة تونس جديدة”.

وبيّن البريكي في تصريح لإذاعة موزاييك المحلية أنّ قراءته الأوّلية لمشروع الدستور بيّنت أنّه يستجيب بنسبة 80 في المئة أو أكثر للنقاط التي طرحت خلال الحوار الوطني ضمن اللجان الاستشارية.

برهان بسيس: قيس سعيد أثبت مرة أخرى انسجامه مع نفسه ومع مشروعه

وأضاف أنّ مشروع الدستور نصّ على ضمان الحقوق والحريات والديمقراطية في جانبها السياسي وضمان الحقّ في التنظّم الحزبي والنقابي والجمعياتي وحقّ الإضراب باستثناء بعض القطاعات.

واعتبر الإعلامي برهان بسيس في تدوينة له على فيسبوك أن “قيس سعيد أثبت مرة أخرى انسجامه مع نفسه ومع مشروعه”، و”تبقى المشكلة في أولئك الذين يظنون في أنفسهم ذكاء خارقا يسمح لهم بتجيير الرئيس سعيد لفائدة مشروعهم في ما يظنونه ضعفا سياسيا للرئيس يمكن لهم استغلاله لفائدة حساباتهم الخاصة”.

في المقابل يقلّص مشروع الدستور الجديد إلى حدّ بعيد من صلاحيات البرلمان الذي ستُستحدث فيه غرفة ثانية هي “المجلس الوطني للجهات والأقاليم”.

وتتّهم المعارضة ومنظمات حقوقية سعيّد بالسعي لإقرار دستور مفصّل على مقاسه.

ووصف عماد الخميري، القيادي في حزب النهضة الإسلامي وهو الأكبر في البرلمان المنحل وكان الأكثر معارضة لتحركات سعيد، مسودة الدستور بأنها “مهزلة”. وقال “إنها ضربة قوية أخرى لطريق الثورة وعودة إلى ما كان قبل 2011″.

وفي حين أن معظم الأحزاب السياسية التونسية الرئيسية، بما في ذلك النهضة، رفضت بالفعل خطط سعيد لإجراء استفتاء على دستور جديد وحثت على المقاطعة، لم يُصدر أيّ منها حتى الآن ردا رسميا على مسودة الدستور.

ولا ينص مشروع الدستور على أنّ الإسلام هو دين الدولة كما هي الحال في دستور 2014 بل يقول إنّ “تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية”.

وتهدف هذه الصيغة إلى التصدّي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على غرار حركة النهضة، التي عملت على عزل قيس سعيد واحتكار مجالات تحركه كما يتيحها الدستور السابق.

كذلك فإنّ مشروع الدستور الجديد ينصّ على أنّ الدولة “تضمن للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية العامة” كما أنّ “المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون دون أيّ تمييز”.

ويكفل مشروع الدستور الجديد “حرية الاجتماع والتظاهر السلميين”.

العرب