زيارة بايدن للمنطقة، هل من جديد؟

زيارة بايدن للمنطقة، هل من جديد؟

زيارة بايدن للمنطقة، هل من جديد؟
بات معلناً أن الرئيس الأميركي جو بايدن سوف يقوم بزيارة للشرق الأوسط في الـ15 والـ16 من يوليو/ تموز الحالي وهو ما لقي تفاعلا واسعا دوليا. وليس سراً أن القائد الأميركي هو من كبار السن، وأنه على عكس سابقه ترمب يعتقد أن الرسالة الأميركية إلى العالم والقائمة على أن الديمقراطية الأميركية كنظام سياسي هي الأقدر على حل مشكلات الدول والأقاليم والمجتمعات، خصوصاً في بلدان توجد فيها «السلطوية» و«الأوتوقراطية» وغيرها أسماء مشابهة لا يأتي منها خير. ومنذ استقر هذا الإعلان حتى كثرت الزيارات من ممثلي أميركا إلى دول الشرق الأوسط المختلفة وهم عادةً من الدفاع والخارجية والمخابرات المركزية، وفي المقابل تدافعت زيارات مقابلة من دول المنطقة. كل هذه الحركة التي تعد للزيارة المرتقبة تقع في ظل عدد من الظروف الواجب أخذها في الحسبان: إذ تشهد المنطقة حراكاً سياسياً مكثفا؛ لقاءات ثنائية وثلاثية قبيل زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة والتي ستشمل إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية ومن ثم السعودية حيث ستعقد قمة أولى مع القيادة السعودية، والثانية قمة اقليمية موسعة يحضرها قادة الأردن ومصر والعراق ومجلس التعاون الخليجي.
القمة المنتظرة؛ تأتي على وقع تطورات عديدة عالميا واقليميا وعربيا ستكون حاضرة على طاولة المباحثات والمؤكد أن تأخر انعقادها كان مرتبطا بإنضاج ظروف نجاحها بما يضمن الخروج بتفاهمات إستراتيجية كبرى بدءا من مستقبل العلاقة مع إسرائيل والتطبيع ومرورا بزيادة إنتاج النفط وحسم الموقف من الملف النووي الإيراني وانهاء الأزمة اليمنية والملف السوري.

أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية ستشهد انطلاقة جديدة في العلاقات بين البلدين لدعم مسيرة التعاون والشراكة التي استمرت لثمانية عقود، شهدت خلالها تحقيق العديد من الإنجازات على صعيد شراكة إستراتيجية، وعبر مسارات عديدة كان محورها التعاون البناء واستقرار أسواق الطاقة، ودعم الاستقرار والسلام في المنطقة والحفاظ على مكاسب التنمية، وذلك منذ اللقاء التاريخي بين مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في 14 فبراير عام 1945، الذي أرسى دعائم العلاقات الثنائية وجعلها تتجاوز المنعطفات التي واجهتها خلال 80 عامًا مضت، رغم ما شهده العالم من متغيرات كثيرة وأحداث جسام.
تأتي القمتان أولًا على وقع حرب جارية بين روسيا وأوكرانيا من جانب، وبين موسكو وواشنطن ومعها حلف الأطلنطي من جانب آخر. وإذا كانت الحرب لها نتائج سياسية واستراتيجية، فإن نتائجها الاقتصادية باتت الأعلى صوتاً لأنها تؤثر في العالم وتجعل الطاقة والنفط على رأس القضايا العالمية بما تسببه من تضخم وارتفاع في الأسعار. وثانيها أنها تقع بينما أعلنت وأخذت الولايات المتحدة بسبيل الخروج من الشرق الأوسط، في الوقت الذي باتت ترى أن أعداءها ومنافسيها في العالم هما روسيا والصين؛ أما أصدقاؤها وحيث توجد أكبر الفرص الاقتصادية المتاحة فهي في شرق وجنوب شرقي آسيا. وثالثها أنه لا توجد مشكلة في الشرق الأوسط تستحق الاهتمام قدر الاتفاق النووي مع إيران؛ أما الإرهاب أو الفوضى فهي قضايا للمنطقة لكي تحلّها، ولكن واشنطن لها نظرتها الخاصة التي ترفع صفة الإرهاب عن الحوثيين في اليمن والجماعة الإسلامية في مصر وعدد من المنظمات الإرهابية الأخرى، أما «الحرس الثوري الإيراني» ففيه نظر. ورابعها أن السيد بايدن يأتي إلى المنطقة وهو على أبواب معركة سياسية داخل أميركا خاصة بالتجديد النصفي للكونغرس والتي إذا حقق الجمهوريون أهدافهم فيها فسوف يشلّون أعمال إدارة بايدن فيما تبقى له من وقت حتى الانتخابات الرئاسية القادمة المحتمل أن يكون المرشح الجمهوري فيها هو دونالد ترمب أو شخصاً يشبهه. وخامسها أن رد فعل المنطقة على كل ما سبق هو الاعتماد علي الذات، ومنذ «إعلان العلا» الصادر عن القمة الخليجية فإن عملية تبريد وتهدئة لحرارة المنطقة بدأت في الدوران. قبل الإعلان كان بعضاً من دول المنطقة قد دخل في عملية «السلام الإبراهيمي» مع إسرائيل، وبعده بدأت عمليات فتح الأبواب والنوافذ مع إيران وتركيا؛ وهكذا عادت علاقات قُطعت، واستأنفت مبادرات إقليمية طريقها في خلق تفاهمات داخل الإقليم.
وبناء على ذلك، تأتي زيارة بايدن إلى المملكة العربية السعودية لأنها تعكس استشعار القيادة في البلدين بعظم التحديات المحدقة بالعالم وأهمية رفع درجة التنسيق بين الجانبين إلى أعلى مستوياته لتعزيز النهج الثابت الذي تتميز به العلاقات الاستراتيجية بين البلدين خصوصا في المرحلة الحالية في ظل هذا التشابك والتعقيد، الذي تشهده العلاقات الدولية، ولا سيما أنه توجد أرضية مشتركة وتفاهمات بين البلدين تجاه العديد من الملفات الدولية والإقليمية، ومنها ردع سلوكيات إيران المزعزعة لأمن واستقرار المنطقة والعالم، وكذلك تحييد خطر المليشيات الإرهابية المدعومة من طهران، حيث توجد قناعات مشتركة لدى الرياض وواشنطن بضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وعدم تمكين طهران من امتلاك القنبلة النووية لما يمثله ذلك من خطر على الأمن والسلم الدوليين».
الزيارة لها أهميتها الخاصة، لأنها تأتي من دولة مهما قيل من تراجعها فإنها لا تزال القوة العظمى الأولى في العالم، حتى ولو جاءت من قائد مسنّ يريد تحقيق مكاسب خاصة، لأن بعضاً من مشكلاته الاقتصادية هي مشكلاتنا أيضاً. الدول العربية الخليجية المنتجة للنفط عليها أن تكون واضحة وصريحة أنها أياً ما سوف تقوم به فهو لخدمة الاقتصاد العالمي ومصالحها، وأنه ينبغي أن يكون مفهوماً أنه لا يجب الضغط على الدول المنتجة ساعة ارتفاع الأسعار، بينما يدير العالم وجهه في الناحية الأخرى ساعة انخفاضها.
فالقمة ستوفر فرصة للدول العربية لتبادل الآراء بصراحة مع الولايات المتحدة، حول مشاغلها السياسية والأمنية والاقتصادية. ولا شك في أن الاتصالات العربية التي تمت خلال الأسابيع القليلة الماضية، وفرت فرصة مهمة لتنسيق المواقف بما يمكّنها من طرح رؤية مشتركة عن مخاوفها تجاه سياسات كل من إسرائيل من حيث السلوكيات الإسرائيلية المستمرة في الاستيطان في المنطقة «سى C» الفلسطينية، والتمييز ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل، وفي الاعتداء المستمر على الحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية في القدس، سواء من الحكومة الإسرائيلية أو المتطرفين اليهود في القدس وعلى المسجد الأقصى. وإيران فلا ينبغي أن يكون مسموحاً لها بامتلاك السلاح النووي، ولا بأس من تشجيع المقترح القديم أن تكون منطقة الشرق الأوسط كلها منزوعة السلاح النووي ومعه كل أشكال أسلحة الدمار الشامل الأخرى.
في هذه المرحلة، تحتاج الولايات المتحدة إلى الدول العربية أكثر من أي وقت مضى، ولذلك فهي فرصة للدول العربية قد لا تتاح مرة أخرى في المستقبل القريب، للعمل من أجل تشكيل أرضية مشتركة مع الولايات المتحدة، تفتح المجال أمام تعاون وجهد مشترك لتأمين المصالح العربية على المدى البعيد.
وفي النهاية، سيقع على عاتق الدول العربية، بشكل فردي وجماعي، مسؤولية العمل من أجل ضمان قيام الولايات المتحدة بالالتزام بهذه التفاهمات.
وحدة الدراسات الدولية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية