تزور وفود من أكثر من 190 بلداً باريس بعد أقل من شهر، لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق يرمي الى تقييد أثر الإنسان في المناخ. ولكن اللقاءات الاحتفالية يشوبها ما يقوّض الفائدة المرجوة من اتفاق تقليص انبعاثات الدفيئة. فثمة وقائع علمية تطعن في نتائجه، ومنها عاملان بارزان:
1)انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكاربون تتجمع في الجو وتبقى هناك طوال قرون الى ان تمتصها النباتات والمحيطات. ووتيرة الامتصاص بطيئة. ويرجئ تقليص انبعاثات الدفيئة تقليصاً متواضعاً تجمعها في الجو ولكنه لن يحول دونه. ولو أفلحت المساعي في تقليص الانبعاثات الشاملة 20 في المئة – وهي نسبة ضخمة – في الخمسين سنة المقبلة، لن تنجح في الحؤول دون تضاعف نسبة كثافة هذا الغاز. وجل ما ستؤدي اليه هو إرجاء موعد تضاعف مستويات الغاز في الجو عشر سنوات من 2065 الى 2075. وترمي دول كثيرة تشارك في مؤتمر باريس الى تقليص معدل زيادة انبعاثات غاز الدفئية في 2030، 3 في المئة من معدلها اليوم (8 في المئة).
لذا، تبرز الحاجة الى اجراءات ضخمة لتقييد أثر البشر في المناخ تقييداً يلتزم مستويات «آمنة». وتدعو دراسة صادرة عن دائرة التغير المناخي في الأمم المتحدة الى خفض مجمل الانبعاثات السنوية في كل بلد من 5 اطنان مترية اليوم، الى اقل من طن واحد في 2075. وهذه نسبة متدنية تساوي الانبعاثات في دول (غير صناعية) مثل هايتي واليمن ومالاوي. وعلى سبيل المثل والمقارنة، يبلغ الناتج السنوي من الانبعاثات في كل من الولايات المتحدة وأوروبا والصين حوالى 17 طناً في الأولى و7 أطنان في الثانية و6 أطنان في الثالثة.
2)ووراء ضعف الأثر المرجو من تقليص الانبعاثات «طبيعة» أو سمات جزيئية غاز ثاني الكاربون. فأثر الغاز الذي يرفع حرارة المناخ لا يتراجع بالوتيرة نفسها التي تتراجع فيها كثافة الغاز في الجو. وعليه، تقليص الانبعاثات تقليصاً صغيراً لن يخلف أثراً في المناخ يعتد به في وقت تتعاظم كثافة تجمع الغاز هذا في الجو. ويترتب على هذا البطء وعدم التناسب بين وتيرة تقليص الغاز ووتيرة تلاشي أثره نتائج كثيرة. ولن ترتجى من خفض انبعاثات الدفيئة بمقدار طن في منتصف القرن الحادي والعشرين فائدة مماثلة لتلك التي كانت لتكون له في منتصف القرن العشرين. فأثره لن يكون بالنجاعة ذاتها في تبريد الجو كما لو خفض في منتصف القرن العشرين.
وإلى ضعف أثر المساعي الى تقليص الأثر الإنساني في المناخ، ثمة عوامل مجتمعية تفاقم صعوبة تقليص انبعاثات غاز ثاني اوكسيد الكاربون. ويتوقع ان ترتفع حركة الطلب على الطاقة، وهي وثيقة الصلة بارتفاع قيمة الرواتب ومستوى المعيشة، 50 في المئة في منتصف القرن الحالي على وقع التقدم الاقتصادي في الدول النامية والنمو السكاني وبلوغه 9.7 بليون نسمة (وهو اليوم 7.3 بليون نسمة). و80 في المئة من الطاقة اليوم مصدرها الوقود الأحفوري الوفير الذي يتأتى من نمو حركة الطلب. ولم تستبدل بَعد اقتصادات الدول المتقدمة الوقود الأحفوري بغيره من مصادر الطاقة البديلة، على رغم تقليصها مستوى الانبعاثات. ويترتب على تكنولوجيات الطاقة البديلة مثل الانشطار النووي وحبس غاز الكاربون والطاقة الهوائية والشمسية كلفة كبيرة مادية وبيئية. وهي مصدر للطاقة متقطع ويفتقر الى الثبات.
* مدير مركز العلوم المدينية والتطور في جامعة نيويورك، المساعد السابق للشؤون العلمية في وزارة الطاقة الأميركية، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 4/11/2015، إعداد منال نحاس.
نقلا عن جريدة الحياة