يستعد أنصار التيار الصدري للنزول إلى الشارع في العاصمة بغداد وعدد من المحافظات العراقية لأداء ما يسمى صلاة “الجمعة الموحدة” التي كان دعا إليها زعيم التيار مقتدى الصدر في وقت سابق، والتي تستهدف زيادة الضغط على خصومه في الإطار التنسيقي الذين تولوا إدارة العملية السياسية بعد قرار الصدر الانسحاب من البرلمان.
وتحولت هياكل التيار الصدري إلى أشبه بخلايا نحل استعدادا لهذا الرهان الذي يراد منه إيصال رسالة بأن انسحاب التيار من العملية السياسية لا يعني ترك المجال مفتوحا أمام خصومه السياسيين، وأن الخطوة التي أقدم عليها قبل شهر ليست سوى إعادة تموضع جديد في المشهد العراقي بعد أن ثبت له بالكاشف أن الإطار التنسيقي لن يسمح له بترجمة إنجازه الانتخابي على أرض الواقع واحتكار تشكيل الحكومة المقبلة.
ويرى مراقبون أن خطوة الصدر تندرج في سياق استعراض لقوته الشعبية أمام خصومه السياسيين، وإشارة منه إلى ما يمكنه القيام به في حال اعتقد هؤلاء بأنه سيقف مكتوف الأيدي بعد أن تم إجباره على التخلي عن إدارة ترتيبات السلطة المقبلة.
وتشكل تحركات التيار الصدري مصدر ضغط إضافي بالنسبة إلى الإطار التنسيقي الذي لا يزال يتحسس طريقه في إدارة العملية السياسية في ظل بروز خلافات بين أقطابه حول شكل الحكومة المقبلة وطبيعتها، لاسيما بعدما أظهر ائتلاف دولة القانون رغبة في فرض رؤيته الحكومية وتكليف زعيمه نوري المالكي أو شخصية قريبة منه بتولي منصب رئاسة الوزراء.
وأعلن صالح العراقي الملقب بـ”وزير الصدر” الثلاثاء عن جملة من الوصايا بخصوص صلاة “الجمعة الموحدة”، حاثّاً المشاركين فيها على رفع العلم العراقي فقط ولبس الأكفان ومنع حمل السلاح.
وقال العراقي موجها خطابه لأنصار التيار “حين التوجه إلى مكان الصلاة أكثروا من الاستغفار والصلاة على محمد وآل محمد”، مشيراً إلى أن “لبس الأكفان أمر مستحسن تأسياً بما فعله مرجعنا الشهيد (في إشارة إلى والد الصدر الراحل محمد صادق)”.
وشدد “وزير الصدر” على “منع رفع أي علم أو راية إلا العلم العراقي فقط”، قائلا إن “الهتافات مركزية واللافتات مركزية فالتزموا بذلك، ولا ترفع صورة سوى صورة شهداء آل الصدر حصراً”.
ودعا إلى “الالتزام بتوجيهات اللجنة المركزية”، موضحاً “قبل آذان الظهر لا بأس برفع خطب السيد الشهيد (والد مقتدى) حصراً”، مشدداً على “منع حمل السلاح مطلقاً إلا من قبل الجهات الأمنية حصراً”. وختم “وزير الصدر” بالقول “لا تقولوا قولاً ولا تفعلوا فعلاً إلا بعد مراجعة حوزتكم وقائدكم”.
وكانت اللجنة المكلفة بالإشراف على تنظيم صلاة “الجمعة الموحدة” أعلنت في وقت سابق أنها ستشكل لجانا فرعية في كل محافظة بشأن إقامة الصلاة. وذكرت اللجنة المركزية في بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية (واع) “يا رجال الصدر وأبناء العراق الغيارى أيها الأشاوس الذين عاهدوا قائدهم وزعيمهم الوطني بإكمال المشروع الإصلاحي معه ويا من واعدهم بالنصر المؤزر على الفاسدين والمفسدين”.
وأضافت “لقد تقرر تشكيل لجان فرعية في كل محافظة بإشراف من اللجنة المركزية لترتيب أموركم واستعدادكم نصرة للدين والوطن مكونة من مسؤولي صلوات الجمع والجماعة، ومسؤولي البنيان المرصوص، وآمر لواء سرايا السلام، وجه عشائري”. وتعود بادرة “الجمعة الموحدة” إلى العام 1998، حيث دعا إليها والد مقتدى المرجع الديني الراحل محمد صادق الصدر في سياق عملية استعراضية موجهة لنظام الرئيس الراحل صدام حسين حينها، وأيضا لباقي المرجعيات الدينية.
ويرى المراقبون أن إحياء الصدر لهذا التقليد واستثارة أنصاره في هذا التوقيت الحساس بالنسبة إلى العملية السياسية في العراق، هو سلاح ذو حدين قد يقود البلاد إلى منزلق خطير.
ويلفت المراقبون إلى أن أقطابا في الإطار التنسيقي على غرار زعيم تحالف الفتح هادي العامري وزعيمي تحالف قوى الدولة الوطنية حيدر العبادي وعمار الحكيم يشعرون أن الصدر يسعى لحشرهم في الزاوية من خلال استخدام الشارع، في المقابل لا يبدو أن زعيم ائتلاف دولة القانون مدرك لخطورة الأمر من خلال إصراره على وضع يده على عملية التشكيل الحكومي.
ويشير المراقبون إلى أن هذا الوضع يضطر الثالوث إلى اتخاذ خطوة إلى الوراء لاسيما في حال أصر المالكي على نهجه الحالي، حيث أنهم لا يريدون أن يتورطوا في لعبة “الرقص على حافة الهاوية”، لافتين إلى أن قرار العامري بالنأي بنفسه عن الحكومة المقبلة ليس نابعا من موقف مبدئي بل لخشية من مآلات الأمور.
◙ تحركات التيار الصدري تشكل مصدر ضغط إضافي بالنسبة إلى الإطار التنسيقي الذي لا يزال يتحسس طريقه في إدارة العملية السياسية
وأعلن زعيم تحالف “الفتح” هادي العامري الاثنين عن عدم المشاركة في الحكومة المقبلة المزمع تشكيلها، كما نفى تقارير إعلامية تحدثت عن ترشحه لمنصب رئاسة الوزراء.
وقال العامري في بيان له نشرته وسائل إعلام محلية إنه “في وقت يترقب فيه شعبنا الكريم إكمال الاستحقاقات الدستورية تباعا، وتشكيل حكومة الخدمة المنتظرة وإقرار برنامجها الوطني، لاحظنا أن بعض وسائل الإعلام تتناقل أخبارا وتعليقات مختلقة تزعم أن الإطار التنسيقي يشهد تنافسا على رئاسة الوزراء بين العامري وآخرين، وأن هذا التنافس قد يؤدي إلى تفكك ‘الإطار'”.
وأضاف “وإني إذ أرفض مثل هذا الأداء الإعلامي المشحون بالأكاذيب، وربما يكون مدفوع الثمن، أود التأكيد على أن هذه الأخبار عارية عن الصحة، وأني لست مرشحا لهذا المنصب، وأرفض ترشيحي ممن يرى صواب ذلك من الإخوة”. وتابع “المهم لديّ أولا وآخرا حفظ وحدة الإطار التنسيقي، وسوف أقوم بتقديم الدعم والمساندة لأيّ مرشح يتفق عليه الإخوة في ‘الإطار’، رغم قرارنا عدم المشاركة في أي حكومة مستقبلية”.
وأكدت أوساط مقربة من “الفتح” أن العامري يقصد منظمة بدر بحديثه عن عدم المشاركة في الحكومة وليس باقي القوى الممثلة للتحالف الشيعي الموالي لإيران.
ويأتي قرار العامري من المشاركة في الحكومة بعد قرار مشابه كان اتخذه رئيس “ائتلاف النصر” ورئيس الحكومة العراقية الأسبق حيدر العبادي حيث شدد بأنه “لن يشارك في أي حكومة إقصائية للأطراف السياسية البارزة في العملية السياسية”، في إشارة إلى التيار الصدري.
وحذر ائتلاف النصر المنضوي في تحالف قوى الدولة الوطنية في وقت سابق من أي معادلة حكم خاطئة قد تقود إلى الفوضى. وقال المتحدث باسم الائتلاف أحمد الوندي في بيان إن “مبادرة تحالف قوى الدولة الوطنية تمثل الرؤية والإرادة السياسية لقوى التحالف، والهدف منها إدارة مرحلة انتقالية تقودها حكومة محل تأييد رحب، تؤدي مهامها بمهنية وحيادية”، مؤكدا أن “أي معادلة حكم خاطئة لا تنسجم مع تعقيدات الواقع وحجم التحديات ستقود بالضرورة إلى الفوضى”.
ويشهد العراق منذ سبتمبر الماضي أزمة سياسية معقدة نتيجة إصرار التيار الصدري صاحب الأغلبية النيابية على تشكيل حكومة “أغلبية وطنية” في مقابل إصرار القوى الموالية لإيران المنخرطة ضمن تحالف الإطار التنسيقي على حكومة توافقية. وقد أقدم الصدر على خطوة دراماتيكية الشهر الماضي بتقديم نواب كتلته البالغ عددهم ثلاثة وسبعين نائبا استقالتهم من البرلمان، ما منح الإطار التنسيقي الأغلبية النيابية.
صحيفة العرب