هل يمكن «دمج إسرائيل في المنطقة»؟

هل يمكن «دمج إسرائيل في المنطقة»؟

كرر الرئيس الأمريكي جو بايدن في إعلان أمس الخميس التأكيد على أمن إسرائيل تسع مرات، وتعهد بأن الولايات المتحدة سوف تستخدم «كل» قوتها لمنع إيران من حيازة السلاح النووي.
تختصر هذه الوثيقة التي وقعها بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد والتي أطلق عليها «إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل» نظرة الولايات المتحدة للشرق الأوسط، حيث إسرائيل أولا وكل ما يليها فبقدر قربه أو بعده عن مصالح هذا الكيان.
ولدى وصوله مطار تل أبيب، وبعد سلامه الحار على المسؤولين الإسرائيليين، التقطت ميكروفونات وكاميرات الصحافيين الرئيس الأمريكي وهو يتساءل: «ماذا أفعل الآن؟» لتتبرع إحدى موظفات البروتوكول بإخباره أن يقف وسط السجادة الحمراء!
بعد السؤال الذي أثار تعليقات المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، عرف بايدن ما سيفعله وانطلق في خطاب عجيب يشرح فيه كيف أن زيارته إسرائيل، للمرة العاشرة، مثل «العودة للوطن» وأنه «لست في حاجة لأن تكون يهوديا حتى تكون صهيونيا» وغير ذلك من أشكال التودد المبالغ فيها لدولة احتلال استيطاني وعنصري ذات سجل فادح في التمييز العنصري وانتهاك حقوق الإنسان وتجاهل الشرع الأممية.
لم تنفع في هذه الأجواء الحارة مع المسؤولين الإسرائيليين محاولة الرئيس الديمقراطي إقناع متابعي خطابه، وخصوصا من العرب والفلسطينيين، بحكاية دعم إدارته «المتواصل لحل الدولتين» واعتباره ذلك «أفضل طريق لضمان المساواة والازدهار والسلام للفلسطينيين» وذلك ببساطة لأنه أعلن عمليا عن الهدف الحقيقي من الزيارة، وهو، كما قال، في خطابه: «مواصلة دعم دمج إسرائيل في المنطقة» و«تعميق الشراكة مع إسرائيل في المنظومات الدفاعية الأقوى».
لا يفعل بايدن، على أية حال، جديدا، بتأكيد «العلاقة الخاصة» بين أمريكا وإسرائيل، فقد شهدت أجيال عديدة من شعوب المنطقة آثار هذه العلاقة، عبر الدعم الأمريكي المستمر العسكري والمالي واستخدام «حق النقض» ومعاقبة المؤسسات الأممية على أي شكل من مواجهة إسرائيل أو التعاطف مع الفلسطينيين، كما بالاجتياحات والاحتلالات الإسرائيلية وعمليات التهجير والاستيطان واستهداف الأماكن المقدسة والعمل على تدمير الهوية الثقافية والحضارية للفلسطينيين والعرب.
غير أن الزيارة الحالية لا تخلو من مستجدات جديرة بالملاحظة، تتعلق أساسا بالأوضاع العالمية الحاصلة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وتزايد مخاطر حلف روسي ـ صيني، وتوسع دائرة المتضامنين والمستفيدين من إمكانيات هذا الصدع العالمي الكبير، وخصوصا إيران، الدولة ذات الأثر الوازن في عدة بلدان عربية، والمتضررة بدورها من العقوبات عليها، ومن عدم الوصول إلى اتفاق نووي جديد معها.
تضع هذه المستجدات إسرائيل في موقع مركزي من لعبة الأمم، وهو ما يفسر التأكيد على دور «المنظومات الدفاعية» أما «دمج إسرائيل في المنطقة» فيعتبر تطويرا إضافيا على الدينامية التي حركها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ولكن ضمن إطار جديد، يقوم على تجميع ما أمكن من الدول العربية، وخصوصا الغنية منها بالنفط والغاز، ضمن حلف دفاعي لمواجهة الاستقطاب العالمي الناشئ.
غير أن افتراض إمكانية «الدمج» هذه، من دون تقديم حل حقيقي للمسألة الفلسطينية، تتجاهل مسألة تتواشج فيها الجغرافيا مع التاريخ والسياسة والاجتماع، وتتمثل، بشكل رئيسي، في وجود الفلسطينيين أنفسهم، وكذلك في وجود أغلبية كبرى مؤيدة للفلسطينيين، ضمن الشعوب العربية رغم ارتفاع سطوة دول الاستبداد العربي و«نجاحاته» في إسقاط الحراكات الشعبية العربية، والاستعانة الصريحة، أو المضمرة، بإسرائيل ضد الشعوب.
يستطيع الفلسطينيون، بالتأكيد، فهم الظرف العالمي الحالي، الذي يهمش قضيتهم، وهم يدركون أيضا أنهم كانوا، في كثير من الأحيان، مضطرين لدفع أثمان صراعات قوى إقليمية وعالمية، لكنهم صمدوا أمام كل الوقائع المعاندة، واستعانوا، في كل مرة، بذخيرة لا تنضب من الدعم الشعبي، والتضامن العالمي، والقوة الداخلية، التي لم تستطع أبدا، رغم كل شيء، أن تهزمهم.

القدس العربي