بغداد – شدد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الجمعة على ضرورة “حلّ جميع الفصائل المسلحة” وتحييد الحشد الشعبي، وهما من الشعارات القديمة التي دأب على إطلاقها الصدر ويعرفها العراقيون جيدا كما يعرفون أن الصدر لم يسع إلى تنفيذ وعوده بعد أن انسحب من البرلمان وترك الباب مفتوحا أمام حلفاء إيران ليتحكموا في المشهد.
وقال مراقبون إن دعوة الصدر إلى حل الميليشيات ومحاسبة السياسيين العراقيين الفاسدين قد تجد صدى في الشارع، لكنها على الأرض تبدو دعوة فضفاضة، خاصة أن حل هذه الجماعات والمحاسبة لا يتمان إلا من خلال حكومة قوية، وهي الفرصة التي سنحت للصدر لكنه تهرب منها وخير الانسحاب وفسح الطريق أمام الإطار التنسيقي للتحكم في العملية السياسية برمتها.
وأضاف المراقبون أن العراقيين لم يعودوا يثقون في دعوات عامة سبق أن رددها الصدر على مدى سنوات وحين سنحت له الفرصة تخلى عن كل وعوده وفضل الخلاص الفردي.
وفي خطبة ألقاها بالنيابة عنه الشيخ محمود الجياشي، قال الصدر “إننا أمام مفترق طرق صعب ووعر إبان تشكيل الحكومة من قبل بعض من لا نحسن الظن بهم والذين جربناهم سابقاً ولم يفلحوا”، في إشارة إلى خصومه السياسيين من الإطار التنسيقي الشيعي.
الصدر حاول عرض قوته وإظهار ما بقي يملكه من نفوذ على الشارع
ولم يحضر الصدر الصلاة رغم ما تردد من أنه سيلقي خطبة حماسية. ودعا الصدر خصومه، “إذا ما أرادوا تشكيل الحكومة”، إلى الالتزام بعشر نقاط أبرزها متعلّقة بالحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل شيعية مسلّحة أغلبها موالية لإيران.
وقال “إنهم يعدون الشعب بأن تكون حكومتهم المقبلة ليست كسابقاتها، فأقول إن أولى خطوات التوبة هي محاسبة فاسديهم علناً”.
واعتبر الصدر أنه “لا يمكن تشكيل حكومة عراقية قوية مع وجود سلاح منفلت وميليشيات منفلتة، لذا عليهم (…) التحلي بالشجاعة وإعلان حل جميع الفصائل”.
ورأى أنه ينبغي “حفاظا على سمعة الحشد” أن تتم “إعادة تنظيمه وترتيبه وتصفية جسده من العناصر غير المنضبطة والاعتناء بالمجاهدين منهم والاهتمام بأحوالهم”.
ودعا إلى “إبعاد الحشد عن التدخلات الخارجية وعدم جزه بحروب طائفية أو خارجية وإبعاده عن السياسة والتجارة حبا وحفاظا على سمعة الجهاد والمجاهدين”.
واحتشد مئات الآلاف من أنصار الصدر من مختلف المناطق في جنوب ووسط العراق لأداء صلاة الجمعة في ظل درجات حرارة مرتفعة بمدينة الصدر، إحدى مناطق بغداد حيث يعيش الملايين من أتباع رجل الدين.
وقال مراقبون إن الصدر سعى لاستعراض القوة أكثر من سعيه لعرض أفكار أو خطط من أجل التغيير، ولم يبد في خطبته أي مؤشر على أنه سيمارس ضغوطا على خصومه.
ورأى المحلل السياسي في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية حمزة حداد أن الصدر أراد من هذه الصلاة إظهار “أنه على الرغم من استقالة نوابه فإن ذلك لا يعني أنه لم يعد ذا أهمية سياسيًّا”.
وأضاف أن “الصدر حاول عرض قوته وإظهار النفوذ الذي لا يزال يملكه على الشارع”، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن “النقاط التي ذكرت في خطبة الجمعة ليست جديدة”.
وكرر أحد النواب الدعوات التي وجهها الصدر إلى الحكومة المقبلة والتي حضّها فيها على حل الجماعات المسلحة الموالية لإيران ومعاقبة السياسيين الفاسدين على إهدارهم ثروة العراق النفطية الهائلة.
ويرى مسؤولون عراقيون ومحللون مستقلون أن الدعوات موجهة إلى خصمه اللدود رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
وتقع مهمة تشكيل الحكومة الآن على عاتق خصوم الصدر المتحالفين مع إيران والأحزاب السنية والكردية في البلاد.
وقبل سحب نواب حزبه دفع الصدر باتجاه إنشاء ائتلاف مع حلفاء من السنة والأكراد لتشكيل ما سماه حكومة أغلبية وطنية، وهو تعبير غير مباشر يرمز إلى حكومة خالية من الأحزاب المدعومة من إيران.
ويلوم الكثير من العراقيين تلك الجماعات على سوء إدارة البلاد منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 والذي أطاح بالرئيس الأسبق صدام حسين ودفع الأغلبية الشيعية في العراق إلى تولي السلطة.
وينأى الصدر بنفسه عن تفاصيل السياسة اليومية ولا يترشح لشغل منصب، لكنه احتفظ دائما بموطئ قدم له في السلطة. ولا يزال أنصاره من السياسيين يسيطرون على المئات من المناصب السيادية في الحكومة، بما في ذلك المناصب الوزارية.
وأصيب البعض من أولئك الذين أمضوا ساعات في الحر الجمعة لرؤية الصدر بخيبة أمل نتيجة عدم حضوره، واشتكى العديد من الشبان -الذين رفضوا الكشف عن أسمائهم- من عدم رؤيته. وقال آخرون إنهم يؤمنون بأن الصدر لديه استراتيجية.
ويخشى المسؤولون العراقيون -وخاصة أولئك المقربين من إيران- أن يستغل الصدر الآن قاعدة أنصاره العريضة (أغلبها من طبقة العاملين الشيعة) لعرقلة محاولات تشكيل حكومة أو التهديد بإسقاط أي حكومة قادمة بالاحتجاجات.
وذكر رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي أن ما طرحه مقتدى الصدر في رسالته إلى أنصاره “يعد خارطة طريق وطنية كانت أساساً لبناء تحالف قوي يتبنى هذه الطروحات وغيرها من أساسيات المجتمع وضروراته”.
وأضاف الحلبوسي أن “العملية السياسية بحاجة إلى عقد جديد تتبنى فيه القوى الوطنية معالجة الأخطاء والخطايا بعيدا عن أوهام وعقد المؤامرة الكونية التي يعيشها البعض”.
ويشير الحلبوسي إلى “تحالف إنقاذ وطن” الذي تم تشكيله بين الصدر والحلبوسي والزعيم مسعود البارزاني، وهو تحالف أطاح به الصدر حين أمر جميع النواب عن حزبه -وعددهم 74، أي حوالي ربع أعضاء البرلمان- بالاستقالة الشهر الماضي.
ودفعت الانقسامات بين الصدر والجماعات المتحالفة مع إيران وكذلك الأكراد، الذين يتنافسون على منصب الرئيس العراقي، البلاد بالفعل إلى البقاء لثاني أطول فترة دون حكومة منتخبة.
العرب