كتبت المعلقة في مجلة “نيويوركر” روبن رايت مقالا قالت فيه إن الرئيس جو بايدن نقل المعركة في الشرق الأوسط إلى مرحلة جديدة وأكثر خطورة، مشيرة إلى أنه عندما دخل البيت الأبيض قبل ثمانية عشر شهرا، كان ينوي تخليص الولايات المتحدة من مستنقع حروب على مدى عقدين، حتى لو كان ذلك يعني التخلي فجأة عن الحلفاء وترك الآلاف من عائلات الجنود الذين قتلوا في تلك الحروب دون ما يبرر خسارتهم.
لكنه في هذا الأسبوع، أعلن في أول رحلة رئاسية له إلى الشرق الأوسط، أن أمريكا مستعدة لاستخدام قوتها العسكرية مرة أخرى – هذه المرة، ضد إيران. كما أنه وضع الأساس لتحالف من الخصوم القدامى – بما في ذلك إسرائيل والدول العربية الرئيسية – للمساعدة. لقد رسم خطوط معركة جديدة.
رسم بايدن خطوط معركة جديدة بإعلانه، في أول رحلة رئاسية له إلى الشرق الأوسط، أن أمريكا مستعدة لاستخدام قوتها العسكرية مرة أخرى هذه المرة، ضد إيران
وفي إسرائيل يوم الخميس، وقع بايدن ورئيس الوزراء يائير لبيد “إعلان القدس”، الذي يلزم كل دولة “باستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية” لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي. وتعهد بايدن بالعمل مع إسرائيل و”شركاء آخرين” لمواجهة عدوان الجمهورية الإسلامية ومواجهة “الأنشطة المزعزعة للاستقرار” من خلال شبكة وكلائها بالمنطقة. مع أنه اردف قائلا: “ما زلت أعتقد أن الدبلوماسية هي أفضل طريقة”.
ومع ذلك، فقد وصلت خمسة عشر شهرا من المحادثات غير المباشرة مع إيران لإحياء الاتفاق النووي الذي توسطت فيه القوى الست الكبرى في العالم في عام 2015 إلى طريق مسدود. وظهرت في الفترة الأخيرة نقاط خلاف جديدة. واتهم قبل الرحلة، مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، إيران، بأنها عازمة على توفير مئات الطائرات بدون طيار لروسيا – وتدريب القوات الروسية على استخدامها – للحرب في أوكرانيا، في وقت تقدم فيه واشنطن كييف الأسلحة والمساعدات بمليارات الدولارات. ومن المقرر أن يزور فلاديمير بوتين إيران، يوم الثلاثاء، وهي ثاني رحلة معروفة له خارج روسيا منذ أن غزا أوكرانيا، في شباط/ فبراير.
وكشفت طهران، يوم الجمعة، عن طائرات مسيرة مسلحة على سفنها الحربية في الخليج العربي، حيث يتمركز الأسطول الأمريكي الخامس، وحيث تمر 20% من إمدادات النفط العالمية. ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أن نشر الطائرات بدون طيار كان “للترحيب ببايدن”.
وفي مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي، رفض بايدن مطالبة طهران للولايات المتحدة برفع الحرس الثوري الإسلامي عن قائمة المنظمات الإرهابية، وهي إحدى القضايا الرئيسية العالقة في المحادثات النووية. وكان ترامب قد وضع الحرس الثوري على القائمة، وهو إجراء لم تتخذه الولايات المتحدة أبدا تجاه القوات المسلحة في دولة أخرى.
كان هذا الإجراء مجرد تحرك رمزي ولا أثر له من الناحية العملية، فقد تم بالفعل معاقبة الحرس الثوري والعديد من قادته بشدة بسبب انتشار الصواريخ ودعم الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان. ولن يتم رفع أي من هذه العقوبات إذا تم إحياء الصفقة.
لكن رفع الحرس الثوري عن القائمة الآن لا يمكن الدفاع عنه سياسيا في واشنطن. كما تم الضغط على بايدن بشأن ما إذا كان على استعداد لاستخدام القوة العسكرية ضد إيران. أجاب: “نعم، كملاذ أخير”. وأشار إلى أن إيران “أقرب إلى امتلاك سلاح نووي الآن” من أي وقت مضى.
وتقدر الأمم المتحدة أن إيران قد تكون على بعد أيام فقط من تخصيب ما يكفي من اليورانيوم لتزويد قنبلة، على الرغم من أن هناك حاجة إلى خطوات أخرى تستغرق وقتا طويلا لبناء سلاح وتزويده بنظام توصيل للهدف.
تقدر الأمم المتحدة أن إيران قد تكون على بعد أيام فقط من تخصيب ما يكفي من اليورانيوم لتزويد قنبلة، على الرغم من أن هناك حاجة إلى خطوات أخرى تستغرق وقتا طويلا لبناء سلاح وتزويده بنظام توصيل للهدف
وقال مسؤول إسرائيلي كبير في الأسبوع الماضي إن “الوقت قد نفد” لإحياء الاتفاق النووي. وحذر لبيد في مؤتمره الصحافي مع بايدن، “الكلمات لن توقفهم. الدبلوماسية لن توقفهم. الشيء الوحيد الذي سيوقف إيران هو معرفة أنها إذا استمرت في تطوير برنامجها النووي فإن العالم الحر سيستخدم القوة “.
وتطورت المواجهة المستمرة منذ فترة طويلة بين واشنطن وطهران، والتي يعود تاريخها إلى الاستيلاء على السفارة الأمريكية وعشرات الرهائن الأمريكيين في عام 1979، إلى أزمة ملموسة. بعد فترة وجيزة من إصدار “إعلان القدس”، أرسل بروس ريدل، وهو موظف سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والبنتاغون، ومجلس الأمن القومي، للكاتبة رسالة عبر البريد الإلكتروني، علق فيها على تحركات الرئيس في الشرق الأوسط بأنها تعبير عن التزام بالمواجهة مع طهران: “نحن ملتزمون بالحرب مع إيران”.
وكان رد إيران سريعا، إذ قال الرئيس الإيراني المتشدد، يوم الخميس، “إن دولة إيران العظيمة لن تقبل أي انعدام للأمن أو أزمة في المنطقة. يجب أن تعلم واشنطن وحلفاؤها أن أي خطأ سيقابل برد قاس ومؤسف من إيران”.
وحذرت الخارجية الإيرانية في تغريدة من أن منطقة الشرق الأوسط لن تشهد “سلاما واستقرارا وهدوءا” طالما ظلت إسرائيل المحطة الأولى للرئيس الأمريكي وأمنها على رأس أولويات أمريكا.
ونقلت الكاتبة عن ريدل قوله إن رحلة بايدن أخذت السياسة الأمريكية والشرق الأوسط في “اتجاه أكثر خطورة بكثير”. كلاهما الآن على “منحدر زلق”. وحذر من أن الحرب مع إيران ستكون “أكبر بثلاث أو أربع مرات وأكثر فتكا من الحرب مع العراق. بشكل سيجعل كل شيء آخر قمنا به في الشرق الأوسط يبدو وكأنه حفلة روضة أطفال”.
حذرت إيران من أن منطقة الشرق الأوسط لن تشهد سلاما واستقرارا وهدوءا طالما ظلت إسرائيل المحطة الأولى للرئيس الأمريكي وأمنها على رأس أولويات أمريكا
ورأت الكاتبة أن زيارة بايدن التي استمرت أربعة أيام الضوء ألقت الأضواء على إخفاقات سياسة بايدن في الشرق الأوسط، خاصة بعد جولته الأوروبية الناجحة، الشهر الماضي، لتوسيع الناتو وتعبئة الغرب ضد بوتين.
ولم تحرز الولايات المتحدة، التي لطالما اعتبرت الوسيط الأكثر قدرة في الشرق الأوسط، تقدما يذكر في إعادة العلاقات مع الفلسطينيين، التي انهارت تحت حكم ترامب. وفي اجتماع في بيت لحم مع الرئيس محمود عباس، الجمعة، قال بايدن:”أعتقد أنه في هذه اللحظة، عندما تقوم إسرائيل بتحسين العلاقات مع جيرانها في جميع أنحاء المنطقة، يمكننا تسخير نفس الزخم لإعادة تنشيط عملية السلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي”. ومع ذلك، لم يكن هناك تحرك يذكر بشأن عملية السلام أو جوهرها. ولم يتخذ بايدن خطوات ملموسة لإعادة فتح القنصلية الأمريكية للفلسطينيين في القدس، التي أغلقها ترامب في عام 2019، أو بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
وكان الانقسام عميقا لدرجة أن بايدن وعباس لم يتمكنا من إصدار بيان مشترك. عملية السلام ميتة تقريبا. لقد وعدت الإدارة بتقديم مساعدات بقيمة مئة مليون دولار للمستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية، بشرط موافقة الكونغرس. وقاطعت ممرضة في وحدة العناية المركزة للأطفال في إحدى المستشفيات إعلان مساعدة بايدن. قالت: “شكرا لكم على دعمكم، لكننا بحاجة إلى مزيد من العدالة، والمزيد من الكرامة”.
كان الانقسام عميقا لدرجة أن بايدن وعباس لم يتمكنا من إصدار بيان مشترك
وفي محطته الأخيرة، في جدة، أجرى بايدن محادثات مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. وكانت وكالة المخابرات المركزية قد خلصت إلى أن محمد بن سلمان أذن بقتل جمال خاشقجي، المعارض السعودي وكاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست”، في عام 2018.
وفي رسالة مفتوحة إلى بايدن، نشرت في صحيفة “واشنطن بوست”، ناشدته خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، إلغاء الزيارة. كانت تنتظر خاشقجي خارج القنصلية بينما كان يتم خنقه وتقطيع أوصاله. وكتبت “تطاردني تفاصيل المعاناة التي تحملها”. لقد شعرت بالرعب من أن قتلة خاشقجي “يتحركون بحرية” بينما تقوم الولايات المتحدة بإرسال معدات عسكرية إلى الحكومة السعودية بمليارات الدولارات. ونقلت رايت عن سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لمؤسسة الديمقراطية الآن للعالم العربي “دون”، وهي جماعة مؤيدة للديمقراطية أسسها خاشقجي: الرحلة “لا تمثل استسلاما غير مسبوق لحكم محمد بن سلمان المتهور وغير الخاضع للمساءلة فقط، ولكنها تمثل مضاعفة غير مسبوقة لدعم المستبدين في المنطقة، ومنحهم اتفاقية أمنية لم تلتزم بها أي إدارة أمريكية في الماضي”. كل هذا رغم تصريحات بايدن يوم الجمعة أنه واجه بن سلمان بالجريمة.
وتعتقد الكاتبة أن دافع بايدن لهذه الرحلة، كان جزئيا هو الضغط على الدول الغنية بالنفط للتخفيف من أزمة الطاقة العالمية وخفض الأسعار. وفي جدة، التقى الرئيس بقادة دول الخليج الست والعراق، الذين يضخون معا ملايين البراميل من النفط يوميا، بالإضافة إلى الأردن ومصر.
وفي الواقع، حتى هؤلاء المنتجين الكبار قد لا يكونون قادرين على فعل الكثير. وكتب دانيال يرغين، المتخصص بشؤون النفط ومؤلف كتاب (الخريطة الجديدة: الطاقة، والمناخ، وصدام الأمم): “من غير المحتمل أن يتبع ذلك أي تدفق، لأنه لا يبدو أن هناك كمية كبيرة من النفط الإضافي في السعودية (أو في الإمارات) يمكن إنتاجه خلال مهلة قصيرة.. في غضون ذلك، لا تستطيع العديد من البلدان الأخرى المصدرة للنفط حتى العودة إلى مستوياتها السابقة من الإنتاج، بسبب نقص الاستثمار والصيانة منذ الوباء”. لا ينبغي على الأمريكيين والأوروبيين توقع حدوث تغيير كبير في الأسعار أو العرض في أي وقت قريب.
وتضيف رايت أن بايدن، سعى أيضا إلى تعميق العلاقات الناشئة بين إسرائيل والعالم العربي، والتي حققت تقدما كبيرا في ظل إدارة ترامب، عندما أقامت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. ولم يحصل بايدن على تنازلات صغيرة فقط. فقد وافق السعوديون على السماح لجميع شركات الطيران الدولية التي تطير من وإلى إسرائيل باستخدام مجالها الجوي.
وعززت رحلة بايدن الرمال المتحركة في الشرق الأوسط. لأكثر من نصف قرن، كانت المنطقة محددة بشكل فريد من خلال النزاع العربي الإسرائيلي.
لقد تغيرت الأهداف والتحالفات ونقاط الاشتعال وخطوط المعركة. السياسة الخارجية تتطور حتما. غالبا ما تطغى الأحداث على الأرض على الدبلوماسية. لكن تصرفات بايدن في المنطقة قد يكون لها أيضا عواقب غير مرغوب فيها. وقال ريدل: “إن مصافحة قاتل أمر سيئ، لكن الذهاب إلى الحرب مع إيران هو جنون”.
القدس العربي