في ختام جولة استمرت أربعة أيام، وصفتها صحيفة واشنطن بوست بالمثيرة للجدل، شارك الرئيس الأميركي جو بايدن في قمة عربية – أميركية بمدينة جدة السعودية جمعت دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن تحت شعار “الأمن والتنمية”.
وشهد اليوم الأخير من الجولة الأولى لبايدن في المنطقة منذ توليه السلطة عدة لقاءات ثنائية للرئيس الأميركي، حيث اجتمع مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
وفي كلمته أمام قمة جدة لم يخف الرئيس الأميركي الهدف الرئيسي من جولته التي استهلها بإسرائيل والأراضي الفلسطينية، وهو محاولة الحفاظ على دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وقطع الطريق أمام أي محاولة من قبل القوى الإقليمية المتنافسة على الاستحواذ على هذا الدور، لاسيما في ظل الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا منذ شهر فبراير الماضي والتي تتخذ بعدا إقليميا بامتياز.
وأكد بايدن أن بلاده ستظل منخرطة بشكل كامل في الشرق الأوسط ولن تترك الساحة لقوى عالمية أخرى كي تمارس نفوذها، وسمى تلك القوى ضمن خطابه في القمة قائلا “لن نغادر ونترك فراغا تملأه الصين أو روسيا أو إيران”.
ورغم حديث بايدن عن التزام الولايات المتحدة بحماية شركائها ودورها في حماية ممرات التجارة البحرية والدفاع عن أمن “الحلفاء” والتعريج على التصدي لـ”تهديدات” إيران وكبح طموحاتها النووية، فضلا عن تقديم واشنطن مليار دولار للمساعدة على تعزيز الأمن الغذائي للدول المتضررة من تداعيات الحرب في أوكرانيا، أكد مراقبون أنه لم يحصل في المقابل على ما جاء من أجله، ألا وهو تعهد بزيادة إنتاج النفط من قبل دول الخليج بهدف خفض أسعار النفط المرتفعة.
ورأت صحيفة نيويورك تايمز أنه على الرغم من تغاضي بايدن عن قضايا كانت له مواقف معينة حيالها فإنه لم يحقق المراد من وراء ذلك التغاضي، مشيرة إلى أنه أثار على استحياء خلال لقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، كما لم يطرح مسألة حقوق الإنسان أثناء محادثاته مع الرئيس المصري.
وأشارت صحيفة الغارديان إلى ما اعتبرته “خطأ في التقدير” من قبل البيت الأبيض، مستدعية إعلان الإدارة الأميركية -عشية بدء بايدن جولته- عن اعتزام الرئيس الأميركي تجنب المصافحة باليد خلال لقائه ولي العهد السعودي، وأرجعت ذلك إلى وجود موجة جديدة من الإصابات بفايروس كورونا. وهو ما عُدّ تبريرا مسبقا لتلافي الوقوف في وضع مرتبك والتقاط صورة أمام الصحافيين مع الأمير محمد بن سلمان.
النتائج التي آلت إليها جولة الرئيس الأميركي جو بايدن دليل على إساءة تقدير من جانب الولايات المتحدة
وذكرت الصحيفة أن صورة بايدن والأمير محمد بن سلمان وهما يتبادلان السلام بقبضتي اليد ربما تكون قد عبرت عن حالة من الارتياح ومشاعر الود بين الطرفين. وكان التعامل من منطق الند للند حاضرا بحسب مراقبين دللوا على ذلك بمواجهة الرياض لواشنطن بـ”أخطاء” ارتكبتها ردا على الإلحاح على إثارة قضية خاشقجي، وأكد المسؤولون السعوديون أن الضالعين في هذه القضية تمت محاسبتهم وأن العدالة أخذت مجراها.
ومع نفي وزير الخارجية السعودي، في مؤتمر صحفي عقب قمة جدة، وجود أي مقترح لتشكيل “ناتو عربي” في مواجهة نفوذ إيران وتفنيده لمناقشة القمة مسألة إقامة تعاون عسكري مع إسرائيل، يرى محللون أن جولة بايدن لم تحقق المبتغى منها الذي حددته صحيفة نيويورك تايمز بمعالجة الأزمات الداخلية الأميركية واستقطاب محور عربي خليجي مهم في إطار صراع غير مباشر في ظاهره مع روسيا، لكن تداعياته واضحة ليس على الولايات المتحدة فحسب بل على المجتمع الأوروبي والعالم بشكل عام.
من جهتها رأت صحيفة الغارديان أن الشرق الأوسط ليس أولوية بالنسبة إلى إدارة بايدن، وأن “أوكرانيا والصين وانتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة كلها قضايا أكثر إلحاحاً بالنسبة ّإليه”. وكانت صحيفة بوليتيكو الأميركية قد قللت من سقف التوقعات الخاصة بنتائج الزيارة، وقالت إنها “لن تؤدي إلى خفض أسعار البنزين في الولايات المتحدة”، لتظل أسعار الطاقة المرتفعة أزمة تقض مضاجع ساكن البيت الأبيض ورفاقه.
ويرى محللون أن النتائج التي آلت إليها جولة بايدن دليل على إساءة تقدير من جانب واشنطن، معتبرين أن الإدارة الجديدة فرضت الحرب على موسكو ودفعتها إليها، لكنها كانت بمثابة صندوق الشرور الذي جاء بنتائج سلبية أثرت على الولايات المتحدة وحلفائها الذين يعانون اقتصاديا كمعظم دول العالم مع بلوغ الركود ومعدلات التضخم مستويات قياسية، وأزمة غذاء يحاول العالم تداركها تجنبا لوضع كارثي، بحسب تحذيرات من مؤسسات دولية.
صحيفة العرب