باريس – كشفت زيارة الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى باريس عن دور متصاعد تقوم به الإمارات بوّأها لأن تكون وجهة رئيسية في الشرق الأوسط للشراكات الاستراتيجية الدولية، في عالم تبرز فيه أقطاب صاعدة مثل فرنسا والهند وكوريا الجنوبية، وتحتاج إلى قوة إقليمية مثل الإمارات تساعد على تشكل هذه القطبية العالمية الجديدة.
وقال مراقبون إن الإمارات تحولت إلى نقطة ارتكاز أساسية في تعامل الأقطاب الصاعدة مع الشرق الأوسط، وإن ما مكّنها من لعب هذا الدور هو امتلاكها اقتصادا متنوعا قادرا على الاستجابة لتطورات الاقتصادات العالمية الكبرى، مشيرين إلى أن هذه الأقطاب دول تكتسب أهمية كقطب عالمي من معطياتها الذاتية ومن مراهنة دولة مثل الإمارات عليها في منطقة استراتيجية لاقتصادات العالم.
والإمارات قوة نفطية إقليمية ودولية، وهي “مزود موثوق للطاقة وداعم لأمن الطاقة العالمي”، كما قال الشيخ محمد بن زايد في أول خطاب له منذ توليه رئاسة الإمارات.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية الإماراتية عن الشيخ محمد بن زايد خلال لقائه الاثنين بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قوله إنّ “الطاقة بكل أنواعها تمثل أحد أهم مجالات التعاون بين البلدين والإمارات حريصة على دعم أمن الطاقة في العالم عامة وفي فرنسا الصديقة خاصة”.
وتلعب الإمارات دورا رئيسيا في تحالف أوبك+ إلى جانب السعودية وروسيا. وهي إلى جانب ذلك تمتلك اقتصادا قويا خاصة بعد التحولات التي شهدتها بالرهان على التكنولوجيات الحديثة، ولديها خطط لجذب الشركات الرقمية العالمية عبر طرح حزم من الحوافز الجديدة.
وما يؤكد قوة الاقتصاد الإماراتي ووزنه في الاقتصادات العالمية هو سعي روسيا للحصول على مدفوعات بالدرهم الإماراتي مقابل صادرات نفطية لبعض الزبائن الهنود.
وأظهرت فاتورة اطلعت عليها رويترز أن مقابل توريد النفط إلى مصفاة واحدة تم حسابه بالدولار وأن الدفع مطلوب بالدرهم الإماراتي.
وأشار المراقبون إلى أنه بالإضافة إلى القوة الاقتصادية ودورها كنقطة ربط اقتصادي بين الشرق والغرب، فإن الإمارات تلعب دورا سياسيا يدعم الاستقرار الإقليمي وينأى بنفسه عن الصراعات، لافتين إلى استراتيجية تصفير المشاكل التي تبنتها والتي قادت إلى بناء علاقات مبنية على المصالح بين دول منها إسرائيل وتركيا وإيران رافضة أن تربط نفسها بالأحلاف والتوازنات التقليدية.
الأقطاب الدولية الصاعدة تحتاج إلى قوة شرق أوسطية ذات تأثير وعلاقات مفتوحة لتكون نقطة ارتكاز لاستراتيجياتها
وأعلن مستشار الرئيس الإماراتي للشؤون الدبلوماسية أنور قرقاش الجمعة الماضية أنّ الإمارات “ليست طرفا في أيّ محور في المنطقة ضد إيران”، دون أن يستبعد عضوية بلاده في أيّ تحالف إقليمي “إنّما من دون أن يضر بأيّ دولة أخرى”.
وقال قرقاش في لقاء مع صحافيين “لا يمكن أن يكون العقد المقبل على غرار العقد الماضي. في العقد الجديد، كلمة خفض التصعيد يجب أن تكون هي المفتاح”، في إشارة إلى الاضطرابات التي عصفت بدول عربية في خضم الربيع العربي.
وتحتاج الأقطاب الدولية الصاعدة أو التقليدية إلى قوة شرق أوسطية ذات تأثير وعلاقات مفتوحة، وتمثل عنصر استقرار، لتكون نقطة ارتكاز لاستراتيجياتها الاقتصادية والتجارية في المنطقة كما تلعب دور المحاور الذي يقدر على تعديل مقارباتها السياسية في منطقة صراعات ونزاعات وتحالفات معقدة.
ومثلت دعوة الرئيس الأميركي جو بايدن لرئيس دولة الإمارات إلى زيارة الولايات المتحدة وتباحث مختلف الشؤون الاستراتيجية والاقتصادية إشارة إلى أن إدارة بايدن لا تزال تنتظر من يعينها على فهم علاقتها بدول المنطقة، وذلك بعد أن واجهت موقفا باردا من دول المنطقة الرئيسية في التجاوب مع دعوات سياسية ونفطية للوقوف إلى جانبها ضد روسيا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.
ويرى المراقبون أن خروج منطقة الشرق الأوسط من وضع الحرب والصراعات السياسية لا يحتاج إلى أفكار تقليدية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مصالح الأقطاب الدولية، ما يستدعي مقاربة جديدة تقوم على تصفير المشاكل وبناء علاقات على قاعدة التعاون والتسامح والبحث عن المشترك، وهي المقاربة التي تعتمدها الإمارات.
وتحرص الإمارات على تنقية منطقة الخليج من عناصر التوتر، لأن الوضع الملتبس القائم على التوترات المستمرة ودون أفق للحل سيعيق دول المنطقة عن أداء دورها الأساسي، وهو العمل على تطوير إمكانياتها اقتصاديا وعلميا، واستثمار طاقاتها وإمكانياتها للّحاق بالدول المتقدمة ومزاحمتها. وتعتبر أن علاقاتها الخارجية مهما كانت أهميتها لا ينبغي أن تكون على حساب مصالحها.
وقالت الحكومة الفرنسية إن حكومتي دولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا وقعتا الاثنين اتفاقا استراتيجيا للتعاون في قطاع الطاقة.
وأضافت الحكومة الفرنسية في بيان أن الشراكة تهدف إلى تحديد مشاريع استثمارية مشتركة في فرنسا أو دولة الإمارات أو أماكن أخرى في قطاعات الهيدروجين والطاقة المتجددة والطاقة النووية.
وقالت “في السياق غير المؤكد حاليا للطاقة، سيمهد هذا الاتفاق الطريق إلى إطار عمل مستقر في الأمد الطويل للتعاون، ويفتح المجال أمام عقود صناعية جديدة”.
وكان مستشار رئاسي فرنسي قال في وقت سابق إنّ أحد أهم البنود خلال زيارة رئيس الإمارات هو “الإعلان عن ضمانات تقدّمها الإمارات بشأن كميات إمدادات المحروقات (الديزل فقط) لفرنسا”.
وأضاف المصدر أنّ “فرنسا تسعى إلى تنويع مصادر إمدادها على خلفية الصراع في أوكرانيا، وضمن هذا السياق يتم التفاوض على هذه الاتفاقية (اتفاقية ‘الشراكة الاستراتيجية الشاملة للطاقة’)”، علما أن الإمارات لا تزود فرنسا بالديزل في الوقت الحالي.
وتغطي اتفاقية “الشراكة الاستراتيجية الشاملة للطاقة” التي تم توقيعها الاثنين الطاقة التقليدية والطاقة المتجددة والهيدروجين وغير ذلك، على أن تعزّز التعاون في التنقيب عن الغاز خصوصا عبر شركة “توتال” الفرنسية.
وترى الإمارات أن أوروبا أدركت بعد الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا وأزمة المحروقات أن الانفصال السريع عن النفط والغاز للتحول نحو الطاقة البديلة ليس الخيار الأفضل، بل إنّه يجب اعتماد نهج أكثر توازنا يمكن أن تلعب الدولة النفطية دورا فيه.
العرب