توسع تركيا شمال سوريا يهدد وجود المسيحيين والأكراد

توسع تركيا شمال سوريا يهدد وجود المسيحيين والأكراد

هناك تخوّفات من أن تؤدي رغبة تركيا وحلفائها من الجماعات الجهادية في التوسع شمال سوريا، بالتزامن مع سكوت القوى الغربية عن الأمر، إلى تهديد وجود بعض الأقليات، وهو ما يذكّر بأعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية.

واشنطن – تثير التهديدات التي يطلقها المسؤولون الأتراك بين الحين والآخر باجتياح المزيد من المناطق شمال سوريا مخاوف الأقليات الدينية والعرقية وفي مقدمتها المسيحيين والأكراد خاصة وأن تلك الاقليات تعرضت للإبادة والتهجير من قبل تنظيم الدولة الإسلامية .

ويرى كليف سميث (مدير برنامج واشنطن في منتدى الشرق الأوسط) وريتشارد غزال (المدير التنفيذي لمنظمة الدفاع عن المسيحيين الأميركية) وديليمان عبدالقادر (رئيس مجموعة أصدقاء كردستان الأميركية) في تقرير أعدّوه أن أعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا، والحرب الأهلية الدائرة في سوريا مأساتان تعرض لهما بشكل كبير للغاية المسيحيون والأيزيديون وغيرهما من الأقليات الدينية في المنطقة.

ويضيف سميث وغزال وعبدالقادر في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأميركية أن الكثير ممن نجوا من القتل أُرغموا على ترك المنطقة تماما، مما أسفر عن انخفاض كبير للغاية في أعداد أفراد طوائفهم. ورغم كل ذلك لم تنته المأساة، وربما بدأت لتوها؛ فالناجون من الإبادة الجماعية التي نفذها داعش يتعرضون الآن لتهديد العدوان من جانب تركيا التي تُعرض للخطر الآن الهياكل والمؤسسات الاجتماعية التي تمت إقامتها لحمايتهم.

فمنذ 2016 غزت تركيا شمال سوريا ثلاث مرات، حيث قامت بتوسيع نطاق أراضيها في كل توغل متعاقب يتم تنفيذه تحت ذريعة محاربة الإرهاب.ومرة أخرى يهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بغزو شامل لشمال سوريا، ليكمل على ما يبدو إقامة منطقة عازلة “ضد الإرهاب” على طول الحدود التركية – السورية التي سوف تمتد على مسافة 30 كيلومترا داخل الأراضي السورية.

تركيا لا تقتصر مهمتها على طرد الأقليات العرقية والدينية، إنما تسعى أيضا لأن يحل محلهم نحو 3.6 مليون لاجئ سوري

وفي هذه الحالة يعتبر التاريخ خير دليل؛ فمنذ 2016 أصبحت الأراضي التي قامت تركيا بغزوها والسيطرة عليها مركزا للجماعات الجهادية التي تدعمها تركيا، والتي تحكم أراضيها وفق الشريعة الإسلامية. ومن الممكن أن تؤدي تهديدات تركيا إذا تم اكتمالها إلى نزوح حوالي مليون شخص. ومثل هذا العدوان يمثل تهديدا مباشرا ليس فقط لمصالح أفراد هذه الأقليات وأراضيهم ومعايشهم، وإنما أيضا لحياتهم.

ويقول سميث وغزال وعبد القادر إن تهديد أردوغان القوي والغامض بـ”الانقضاض عليهم فجأة في ليلة من الليالي” لا يترك مجالا للشك في جديّة نواياه. وليس سرا في واشنطن أن السفارة التركية تسعى للحصول على تأييد الولايات المتحدة لمثل هذه الخطوة. وعلى الجانب الآخر بدأ تحالف منظمات متنوعة العمل على مواجهة هذا العدوان.

وأضاف الثلاثي في التقرير ذاته أن الأمر سيتطلب قدرا هائلا من القدرات الفكرية لتأكيد وتصديق أن أردوغان يحاول حقيقة إقامة منطقة أمنية مشروعة. ومن الواضح أنه يسعى فقط للقضاء على خصومه وتوسيع نطاق سيطرته الجغرافية السياسية.

وقد قاتل المجلس العسكري السوري -وهو ميليشيا مسيحية- كجزء حيوي من ائتلاف تقوده الولايات المتحدة ضد داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة. وطوال حوالي عقد من الزمان عكف المجلس العسكري السوري على حماية المسيحيين السوريين في شمال سوريا، والآن يجد نفسه في مرمى النيران التركية. وذكر تقرير نشره مركز ويلسون مؤخرا ذلك بوضوح، إذ قال” ما كان في وقت من الأوقات ‘صراعا تركيًّا – كرديّا’ أصبح يؤثر الآن على كل جماعة دينية وعرقية في شمال سوريا ومنطقة كردستان في شمال العراق ومنطقة سنجار في غرب العراق”.

ويرى سميث وغزال وعبدالقادر أن هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها تركيا القيام بمناورة من هذا النوع. وفي الحقيقة ستكون هذه هي المرة الرابعة منذ 2016 . ومنذ آخر غزو في عام 2019 انتهكت تركيا الهدنة التي لعبت فيها الولايات المتحدة دور الوسيط بعمليات قصف جوي متكررة على المدن المدنية. وحديث أردوغان في الوقت الحالي يعكس اعتزامه امتلاك الأراضي السورية الممتدة حتى الحدود العراقية تماما. وهذا الأمر سوف يسفر عن نتيجة دموية بوجه خاص.

إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة بالدفاع عن بعض المجتمعات الأكثر عرضة للخطر في المنطقة، فإنه ينبغي عليها أن توضح لأردوغان أن أي عمل عدواني سيواجه بردود سريعة

ووفقا لنادين ماينزا -وهي رئيسة سابقة للجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية والتي تم تعيينها حديثا رئيسة لأمانة الحرية الدينية الدولية- فإن مصير الأقليات في المنطقة على المحك؛ فـ”إذا سقطت هذه المنطقة (في يد تركيا)، لن يبقى مسيحيون أو أيزيديون”.

ولا تقتصر تركيا على طرد المسيحيين والأقليات الدينية العرقية الأخرى، إنما تسعى أيضا لأن يحل محلهم نحو 3.6 مليون لاجئ سوري موجود داخل الحدود التركية حاليا.

واختتم سميث وغزال وعبدالقادر تقريرهم بأن موافقة تركيا المهمة والمشروطة على طلب السويد وفنلندا الانضمام إلى عضوية الناتو أدت إلى تجاهل الكثيرين في مختلف أنحاء العالم قائمة جرائم تركيا الطويلة التي تتعارض جميعها مع قيم الناتو. كما أن استمرار مبيعات الأسلحة الغربية لتركيا سوف يعزز تهديد تركيا الوجودي للأقليات الدينية العرقية في المنطقة. ومثل هذه الأقليات، التي يعتبر الكثير منها من الحلفاء الأكثر ولاء لأميركا في المنطقة، يجب عدم التخلي عنها من أجل إرضاء تركيا.

وإذا كانت الولايات المتحدة مهتمة بالدفاع عن بعض المجتمعات الأكثر عرضة للخطر في المنطقة، فإنه ينبغي عليها أن توضح لأردوغان أن أي عمل عدواني -حسب تهديده- سيواجه بردود سريعة وحازمة.

العرب