تعد الفوضى التي تشهدها سريلانكا وارتفاع أسعار الطاقة العالمية من نتائج الإستراتيجية الجديدة التي تتبعها روسيا في حرب أوكرانيا. فعن طريق التسبب في صدمات دولية، تأمل روسيا في التغلب على الغرب مرة أخرى بزيادة احتمال حدوث نقص في الطاقة خلال فصل الشتاء وإذكاء الأزمات في العالم النامي.
في هذا الصدد، نشر سيث كروبسي مقالا -في مجلة “ناشونال ريفيو” (national review) الأميركية- قال فيه إن الإستراتيجية العسكرية الروسية في أوكرانيا فشلت فشلا ذريعا؛ فلم يكن الهدف أبدا “غزو أوكرانيا بالطريقة التقليدية”، وقد أساءت المخابرات الروسية تقدير القوة القتالية للجيش الأوكراني وإرادته، إذ لم يتقهقر، وكذلك رئيس البلاد الذي لم يهرب.
وأشار الكاتب إلى أنه من أجل معرفة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية تجب دراسة 3 عوامل رئيسية:
أولا، من المرجح أن “الضغط التضخمي في العالم لا علاقة له بالغزو الروسي لأوكرانيا”؛ فهو نتيجة طبيعية بعد عامين من الإغلاق المتقطع في الغرب والاضطرابات العالمية في سلسلة التوريد. كما أن سياسة “صفر كوفيد-19” التي تتبعها الصين تزيد من حدة مشكلات الإمداد.
ثانيا، روسيا منتج رائد للبتروكيميائيات، ومن خلال مشاركتها الدبلوماسية والعسكرية في الشرق الأوسط اكتسبت بعض السيطرة على إمدادات النفط الإضافية. ويمكن لروسيا تكثيف الضغوط التضخمية عن طريق قطع صادرات الغاز الأوروبية. ويعد التضخم والبطالة معا من العوامل السامة اقتصاديا.
ثالثا، تُعد كل من روسيا وأوكرانيا طرفا حاسما في توفير إمدادات الغذاء العالمية. ويمكن لروسيا بقطع صادراتها الغذائية والحصار الذي تفرضه على أوكرانيا خفض الإمدادات الغذائية العالمية بشكل كبير. وفي الغرب، يؤدي هذا الأمر إلى تكثيف الضغوط التضخمية، أما في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا فقد يعرض نقص الإمدادات الغذائية الاستقرار السياسي للخطر.
وذكر الكاتب أن إستراتيجية روسيا كان لها تأثير فعلي، أحدثها الإطاحة بالرئيس السريلانكي، إلى جانب تأثير ارتفاع أسعار الأسمدة على تايلند والدول الأخرى التي تعتمد على الزراعة. لكن هناك مؤشرات على أن نقص الأسمدة قد يتلاشى مع عمل الموردين على إعادة توزيع المخزون وتسريع الإنتاج.
مع ذلك، سيستمر النقص العالمي في الغذاء والوقود. وسوف يتّحد ارتفاع درجات الحرارة في الشرق الأوسط وأزمة الغذاء والطاقة في أفريقيا مع نقص الغذاء لخلق عاصفة اقتصادية عالمية لا يمكن توقع نتائجها.
لكن جولة أخرى من العنف في وسط أو شمال أفريقيا مدفوعة بالظروف الاقتصادية الصعبة يمكن أن تفرز موجة مهاجرين تضغط على الأنظمة السياسية الأوروبية، وسلسلة من حالات الطوارئ غير المتوقعة في العالم النامي التي لا يمكن للغرب تجاهلها.
ويظل السؤال هل تمتلك روسيا الوقت الكافي لرؤية النتائج الإيجابية لهذه الإستراتيجية. من المؤكد أن الغرب سيشعر بضغوط الطاقة هذا الشتاء فقط، وإذا صادف وكان شتاء معتدلا فحتما سيؤدي إلى إضعاف سلاح الغاز الروسي.
كما أن شن أوكرانيا هجوما مضادا ناجحا في الجنوب سيهدد بزعزعة موقف روسيا بالكامل وتقليص نفوذها على أوكرانيا، وتبديد أهدافها الحربية. وقد اعترف البنك المركزي الروسي صراحة بأن التأثير الكامل للعقوبات الغربية على روسيا لن يكون محسوسا حتى الخريف والشتاء. وبمجرد أن يبدأ نفاد احتياطات روسيا من النقد الأجنبي، ستكون في موقف ضعيف بشكل متزايد.
قد يكون مصدر القوة الوحيد لروسيا تعطيل ما تبقى من سلسلة الشحن العالمي. فلدى أسطولها في البحر الأسود ما يكفي من السفن لمنع حركة الملاحة من الموانئ الرومانية والبلغارية، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التأمين على الشحن مما يزيد من ضغوط الاقتصاد الكلي. وقد يحالف روسيا الحظ وتتمكن من تأجيج صراع كبير خارج أوروبا بحلول نوفمبر/تشرين الثاني أو ديسمبر/كانون الأول من هذا العام.
وأكد الكاتب أنه يجب على الولايات المتحدة أن تعمل على تفادي هذا الاحتمال. وستكون أكثر خطواتها منطقية إزالة أداة الضغط الروسية الأخيرة، أي سيطرتها على البحر الأسود. وهناك خطوتان ضروريتان لتحقيق ذلك: أولاهما تغيير أعلام سفن شحن الحبوب الأوكرانية واستبدالها بعلم الولايات المتحدة أو الحلفاء، ومرافقتها عبر شرق البحر الأبيض المتوسط، ومن شأن ذلك التخفيف من الضغط على إمدادات الغذاء العالمية.
أما الخطوة الثانية، فهي أنه من شأن الانتشار البحري القوي في البحر الأسود وبحر الشام أن يمثل تحديا مباشرا لروسيا مما سيوفر للولايات المتحدة القوة القتالية لمواجهة الأسطول الروسي في البحر الأسود.
وفي الختام، تحدث الكاتب عن سعي روسيا، التي تعثرت في ساحة المعركة، إلى تحويل الصراع على الأرض إلى منافسة على السلع الأساسية. ويمكن للولايات المتحدة وتحالف القوات البحرية الأوروبية الاستفادة من الضعف البحري لروسيا من خلال تزويد أوكرانيا بالأسلحة المتفوقة بشكل مستمر من أجل ضمان وصول المنتجات الزراعية الأوكرانية إلى العالم .
المصدر : الصحافة الأميركية