الرياض توازن خطواتها في لعبة شد الحبال الجارية بين واشنطن وموسكو

الرياض توازن خطواتها في لعبة شد الحبال الجارية بين واشنطن وموسكو

الرياض – حمل الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وما تضمنه من تأكيد على أهمية تعزيز التنسيق بين البلدين ضمن تحالف أوبك بلس، دلالات عميقة لاسيما وأنه أتى بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية، والتي كان في مقدمة أهدافها إقناع المملكة بزيادة إنتاجها من النفط.

وهذا ثالث اتصال هاتفي يجري بين الرئيس بوتين والأمير محمد منذ انطلاقة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير الماضي، والتي خلفت تداعيات كبيرة لاسيما على أسواق النفط العالمية، ويتوقع أن تستمر هذه التداعيات مع غياب أي مؤشر للسلام.

ويقول مراقبون إن الاتصال الذي أجراه بوتين بالأمير محمد يندرج في سياق لعبة الشد والجذب التي بلغت أقصاها بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي تبدو إلى حد الآن لصالح موسكو، مع حرص أكبر منتج للنفط أي السعودية على الحفاظ على تحالفها معها في إطار أوبك بلس، ولم لا تدعيم هذا التحالف.

الرئيس الروسي وولي العهد السعودي ناقشا بالتفصيل الوضع في سوق النفط. وتم التأكيد على تعزيز التنسيق

ويشير المراقبون إلى أن السعودية حريصة على تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والبناء بشكل إيجابي على زيارة بايدن، شريطة ألا يتعارض ذلك مع مصالحها.

وقال الكرملين في بيان إن الرئيس الروسي وولي العهد السعودي ناقشا “بالتفصيل الوضع في سوق النفط الدولي. وتم التأكيد على أهمية تعزيز التنسيق داخل أوبك بلس”.

وأضاف البيان أنه “لوحظ بارتياح أن الدول أعضاء هذه الآلية تفي باستمرار بالتزاماتها من أجل الحفاظ على التوازن والاستقرار اللازمين في سوق الطاقة العالمية”.

وزار بايدن السعودية الأسبوع الماضي، في أول رحلة إلى المنطقة منذ توليه مهام الرئاسة في يناير من العام 2021، حيث التقى بالملك سلمان بن عبدالعزيز والأمير محمد، كما شارك في قمة حضرها قادة وزعماء من دول مجلس التعاون الخليجي وعرب بينهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.

وكان الرئيس الأميركي يطمح من خلال هذه الزيارة إلى كسر الفتور الذي شاب العلاقة مع السعودية، بسبب سلسلة مواقف صدرت عنه وعن مسؤولين في إداراته أثارت غضب قيادة المملكة، على أمل أن يقود ذلك إلى تعديل موقف السعودية حيال مسألة ضخ المزيد من النفط في الأسواق لتخفيف أثر الصدمة التي أحدثها التدخل الروسي في أوكرانيا.

ويرى المراقبون أن المؤشرات التي أعقبت زيارة بايدن جميعها تشي بأنها لم تحقق الأهداف المرجوة، فالسعودية مصرة على الحفاظ على تحالفها مع موسكو في مجال الطاقة، باعتباره يلبي مصالحها وطموحاتها الاقتصادية، وهي ليس في وارد التخلي عن أوبك بلس الذي كانت عملت على تأسيسه منذ سنوات، من أجل إرضاء حليف لم يكن على قدر تطلعاتها وتنكر لاحتياجاتها خلال الفترة الماضية.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود الثلاثاء الماضي إنه لا يرى نقصا في النفط بالسوق حتى يجري تعويضه.

وردا على سؤال حول علاقات المملكة مع موسكو، قال الأمير فيصل إن روسيا تبقى شريكا مهمّا لاسيما في ما يتعلق باستقرار سوق النفط. وأضاف وزير الخارجية السعودي “روسيا جزء لا يتجزأ من أوبك بلس ودون التعاون في أوبك بلس كتجمع سيكون من المستحيل ضمان إمدادات كافية من النفط للأسواق العالمية”.

ومن المنتظر أن يعقد تحالف أوبك بلس في أغسطس المقبل اجتماعا، وسط ترجيحات بأن يجري الإعلان عن زيادات مضبوطة في إنتاج النفط، لكن دون أن تغير هذه الزيادة المنتظرة في المعادلة القائمة حاليا في الأسواق، الأمر الذي من شأنه أن يضاعف الضغوط على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.

وتحتضن “أوبك بلس” منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الدول المنتجة للنفط في مقدمتها روسيا.

ويرى المراقبون أن من الدوافع الأخرى التي تتسبب في قلق الولايات المتحدة حيال التعاون الروسي – السعودي في مجال الطاقة هو أن يقود ذلك إلى تعزيز العلاقات الثنائية بشكل يضر بجهود واشنطن في منع موسكو أو بكين من تثبيت أقدامهما في منطقة الشرق الأوسط.

وذكر الكرملين في بيانه عن الاتصال الهاتفي بين الرئيس بوتين والأمير محمد أن الزعيمين تحدثا أيضا عن الحرب في سوريا وخصوصا عن القمة التي جمعت روسيا وإيران وتركيا الأسبوع الجاري في طهران، فيما يعكس حرصا روسيا على وضع الرياض في إطار ما جرت مناقشته، وهو أمر له دلالة عميقة عن أن العلاقة بين البلدين تتجاوز التعاون في ملف الطاقة، وبالطبع ذلك لن يلقى ارتياحا لدى الإدارة الأميركية.

وقال بايدن خلال لقاء القمة العربية – الأميركية في مدينة جدة (غرب المملكة)، إن بلاده “لن تتخلى” عن الشرق الأوسط، حيث تلعب منذ عقود دورا سياسيا وعسكريا محوريا، ولن تسمح بوجود فراغ تملؤه قوى أخرى.

وشدد الرئيس الأميركي للزعماء الخليجيين والعرب في القمة على أن واشنطن لن تنسحب وتترك فراغا تملؤه روسيا أو الصين أو إيران.

العرب