تستعد إسرائيل لاستقبال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في 13 يوليو الجاري، قبل أن يتوجه لاحقاً للقاء رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في رام الله، والتي سيتبعها لقاء، لن تشارك فيه إسرائيل ولكنها ستكون حاضرة فيه بقوة، بحكم القضايا التي ستتم مناقشتها فيه، والتي تمس مصالحها. والمقصود هنا اللقاء الذي سيجمع الرئيس بايدن بقادة عدد من الدول العربية (ملوك ورؤساء وأمراء دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر، الأردن، والعراق) في المملكة العربية السعودية.
وتأتي زيارة بايدن لإسرائيل ولقاءاته المُرتقبة مع القادة العرب، في ظل بيئة غير مواتية بالنسبة لإسرائيل على وجه الخصوص، وهو ما يفرض سؤالاً مُهماً حول أسباب إصرار بايدن على إتمام زيارته في موعدها، مُتجاهلاً التأثيرات السلبية للأوضاع الداخلية في إسرائيل على أي قرارات أو تفاهمات يمكن التوصل إليها خلال الزيارة.
وقبل الخوض في السبب الجوهري لقيام بايدن بهذه الجولة الشرق أوسطية، من المُهم استعراض الأوضاع الداخلية في إسرائيل وتأثيرها المُنتظر على المباحثات التي ستجري بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي.
قضايا إسرائيلية:
قبل أيام قليلة من بدء جولة بايدن في المنطقة، والتي ستبدأ بزيارة إسرائيل، قام البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) بحل نفسه، بعد انهيار الائتلاف الحاكم الذي كان يقوده نفتالي بينت وتشكل في يونيو من العام الماضي. وبموجب هذا الاتفاق الائتلافي، يتولى رئيس حزب يش عتيد (هناك مستقبل) بزعامة يائير لابيد، والذي كان الشريك الأكبر لبينت، رئاسة الحكومة الانتقالية أو حكومة تصريف الأعمال، لحين إجراء الانتخابات العامة في نوفمبر القادم.
وكما هو معروف، فإن حكومات تصريف الأعمال في أي نظام سياسي عادةً ما تكون حكومة ضعيفة بحكم صيغة تكليفها، التي تمنعها عملياً من اتخاذ قرارات حاسمة، خاصةً في القضايا الحساسة التي تحتاج لدعم من قاعدة واسعة من نواب مُنتخبين في البرلمان.
وبالتالي، سيلتقي الرئيس بايدن برئيس حكومة إسرائيلية لا تمتلك القدرة على اتخاذ قرارات مصيرية، في وقت يتوقع الكثير من المراقبين السياسيين في تل أبيب أن تدور المحادثات حول مستقبل ملف التسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل، والموقف من المحادثات الجارية بين واشنطن وطهران للعودة للاتفاق النووي، وكذلك البحث في أنسب الصيغ لإطلاق تعاون أمني بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. ويمكن توضيح ذلك كما يلي:
1- مستقبل التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين: لا يبدو أن بايدن يحمل في جعبته أي مشروع للتسوية، بالرغم من أنه سيلتقي رئيس السلطة الفلسطينية ليؤكد له تبني واشنطن “مبدأ حل الدولتين”، وعلى الرغم أيضاً من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الانتقالي، يائير لابيد، كان قد أعلن غداة توليه منصبه أنه مُهتم بتحقيق السلام مع الفلسطينيين.
ويُدرك بايدن، الذي كان نائباً للرئيس الأمريكي الأسبق باراك اوباما، أن تصريحات القادة الإسرائيليين حول استعدادهم لإقامة سلام مع الفلسطينيين وفقاً لحل الدولتين، لا تعني التزاماً حقيقياً من جانبهم بهذا المبدأ، حيث سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، بنيامين نتنياهو، أن أعلن قبوله ذلك في عام 2009، ولكن عندما بدأت المفاوضات لاحقاً، قدم الإسرائيليون تفسيراً لمعنى “الدولة الفلسطينية” التي يتضمنها هذا المبدأ، بحيث يُفرغها من محتواها الحقيقي ويُحيلها إلى مجرد مقاطعات لا يربطها أي تواصل جغرافي ولا تتمتع بخصائص الدولة ذات السيادة. وهذا ما أدى إلى فشل مسيرة التسوية والتي ظلت مُعطلة.
وإذا أضفنا أيضاً حقيقة أن الحكومة الإسرائيلية الانتقالية التي يقودها لابيد لا تمتلك أي صلاحيات للمشاركة في عملية تفاوضية أو توقيع اتفاقيات، فإن فرصة فتح بايدن هذا الملف أثناء زيارته إسرائيل تبدو منعدمة، وفي أفضل الأحوال سيتمخض الأمر عن إعلان نوايا من جانب بايدن ولابيد بالسعي نحو تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، من دون ذكر حل الدولتين (على الأقل من جانب لابيد).
2- سعي واشنطن للعودة للاتفاق النووي مع إيران: من المُتوقع أن يحاول بايدن إقناع لابيد بأن عودة واشنطن للاتفاق النووي الإيراني حتى من دون إجراء التعديلات التي تريدها إسرائيل عليه (تمديد فترة حظر تخصيب الوقود النووي في المُفاعلات الإيرانية حتى عام 2032، وتقييد إيران تجاربها على الصواريخ التي يمكن أن تحمل رؤوساً نووية)، ستكون أفضل من ترك طهران حرة وبلا أي التزامات تمنعها من الوصول للعتبة النووية.
وفي المقابل، فإن لابيد يعلم مدى حساسية الرأي العام الإسرائيلي تجاه هذه القضية النووية الإيرانية التي يعتبرها خطراً وجودياً على أمنه. كما أن لابيد لن يُغامر باتخاذ موقف يتجاوب مع ما سيطلبه بايدن من مرونة إسرائيلية في هذا الملف؛ خشيةً استغلال زعيم المعارضة نتنياهو ذلك في التأثير على فرص حزب “يش عتيد” في الانتخابات المُقبلة، حيث يدّعي نتنياهو أنه وحده القادر على التصدي للضغوط الأمريكية في الملف الإيراني، مع اتهامه لخصومه ومنافسيه ومنهم لابيد بالاستعداد لتقديم التنازلات التي تهدد أمن إسرائيل.
3- موقف إسرائيل من المحادثات التي سيجريها بايدن مع القادة العرب في السعودية: نظراً لأن العديد من التقارير الأمريكية والإسرائيلية قد تحدثت عن وجود تصور لدى الرئيس بايدن لإطلاق مشروع شراكة أمنية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية في مواجهة إيران، فإن هذا الملف تحديداً هو ما يُمكن أن يستحوذ على اهتمام لابيد وحكومته الانتقالية؛ وذلك لسببين رئيسيين، هما:
أ- أن تحقيق أي تقدم حتى لو كان رمزياً أو أولياً في هذا الملف، سيُقوي مكانة لابيد السياسية، وهو على أعتاب الانتخابات المُقبلة. كما أنه وبغض النظر عن المكسب الشخصي، فإن هذا التنسيق العربي – الإسرائيلي مهما كانت درجته سيصب في صالح الاستراتيجية الإسرائيلية الهادفة لتشديد الضغوط على طهران وإجبارها على التخلي عن طموحاتها النووية.
ب- تتمتع إسرائيل من بين النظم المُسماة بالديمقراطية كافة، بالفصل بين ما هو أمني وما هو سياسي، بحيث – وعلى خلاف النظم الديمقراطية – يخضع السياسيون لتصورات العسكريين بشكل علني ومن دون اعتراضات ذات بال من جانب النخب السياسية، إذا ما غلب الجانب الأمني في أي ملف على السياسي.
وما يثير الانتباه حقاً، أن تصريحات أمريكية وإسرائيلية قد صدرت مؤخراً تُعزز الربط بين السببين السابقين وبين زيارة بايدن. فعلى سبيل المثال، ذكر تقرير بثته “القناة 12 الإسرائيلية” في 23 يونيو 2022، “أن إسرائيل تعتزم مطالبة الرئيس بايدن بالموافقة على تسليم نظام دفاع جوي إسرائيلي يعمل بالليزر إلى بعض الدول العربية، على أن تكون هذه الخطوة جزءاً من جهد تقوده الولايات المتحدة لإقامة تعاون إقليمي ضد تهديد الطائرات المُسيّرة والصواريخ الإيرانية”. وفي الاتجاه نفسه، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس: “بالطبع، نحن جميعاً نستعد لزيارة بايدن للشرق الأوسط وإسرائيل، والتي آمل أن يكون لها تأثير إيجابي وربما تحقق اختراقاً في قدرتنا على العمل ضد العدوان الإيراني في المنطقة”.
أما صحيفة “جيروزاليم بوست” فقد ذكرت في افتتاحياتها يوم 23 يونيو الماضي “أن التركيز يجب أن يكون على جعل زيارة بايدن للمنطقة، فرصة لتسهيل إقامة تحالف من الدول العربية وإسرائيل في مواجهة إيران”. وعلى النهج نفسه، ذكرت صحيفة “إسرائيل هايوم” يوم 27 يونيو الماضي “أن مسؤولاً كبيراً في الإدارة الأمريكية قال للصحفيين بشأن رحلة الرئيس بايدن إلى إسرائيل، إنه سيناقش الابتكارات الجديدة بين بلدينا التي تستخدم تقنيات الليزر لهزيمة الصواريخ وغيرها من التهديدات المحمولة جواً”.
وتذهب كل هذه التصريحات في اتجاه أن إسرائيل تحصر سبب زيارة بايدن لها وللمنطقة في إقامة ما يُسمى “تحالف عربي- إسرائيلي ضد إيران”. وفي اتجاه ترجيح أن هذا الملف وحده هو ما يُمكن أن ينجح بايدن في دفعه قُدماً، جاء تصريح غير مباشر لوزير الدفاع الإسرائيلي، غانتس، ليؤكد أن الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية هي وحدها التي تحسم القضايا الأمنية ولا علاقة للمستوى السياسي بهذا الملف، حيث ذكر- في معرض حديثه الذي نقله موقع “تايمز أوف إسرائيل”، في 22 يونيو الماضي، عن تعيين رئيس أركان جديد للجيش الإسرائيلي في يناير القادم، وما يخشاه البعض من تأثير الأزمة السياسية الحالية علي تحديد شاغل هذا المنصب المهم والخطير- “لن أسمح للجيش الإسرائيلي بأن يصبح أسير النظام السياسي”.
وبمد هذا التصريح على استقامته، فإن الرسالة التي ينقلها غانتس بشكل غير مباشر للإدارة الأمريكية هي أن الأزمة السياسية في إسرائيل لا ينبغي أن تمنع الولايات المتحدة من المُضي قُدماً نحو إقامة تحالف أمنى برعايتها ويضم إسرائيل وعدداً من الدول العربية ويستهدف ردع إيران، وفقاً لوجهة نظره.
رؤية مُقابلة:
يبدو من تركيز التصريحات والتعليقات الإسرائيلية على زيارة بايدن للمنطقة، أنها تبتعد عن البناء على الوقائع الحقيقية، حيث يُمكن الترجيح أن زيارة بايدن ستُركز أكثر على كيفية إقناع الدول العربية، خاصةً دول الخليج الغنية بالنفط، والدول التي تمتلك قدرات في إنتاج وتسييل للغاز مثل مصر وإسرائيل، للمساهمة في معالجة أزمة الطاقة التي يعانيها الأمريكيون والأوروبيون جراء تداعيات الحرب الأوكرانية – الروسية. إذ إن الأوضاع الداخلية في الولايات المتحدة نفسها قد تأثرت بهذه الأزمة التي باتت تهدد الاقتصاد الأمريكي بالدخول إلى حقبة من الركود من الصعب التنبؤ بموعد انتهائها. ومما لا شك فيه أن هذا الملف له الأولوية عند بايدن الذي يعاني تدهور شعبيته في الداخل الأمريكي، وبالتالي خشية حزبه الديمقراطي فقدان الأغلبية في الكونجرس في انتخابات التجديد النصفي المُقررة في نوفمبر القادم.
أيضاً، من الصعب تقبل رؤية إسرائيل لأسباب زيارة بايدن على أنها مُكرسة لمعالجة الخطر الإيراني، وأن الحل الإسرائيلي بإقامة تحالف إقليمي يبدو منطقياً بسبب القلق الذي تشعر به العديد من الدول العربية جراء السياسة الإيرانية الهادفة لتوسيع نفوذها في المنطقة العربية؛ حيث إن أغلب الدول العربية التي نُقل عنها استعدادها لوجود مستوى من التنسيق بينها وبين إسرائيل من أجل مواجهة التهديدات المشتركة، أكدت أيضاً، في الوقت نفسه، أنها لا تسعى لإقامة تحالف مُوجه ضد دولة معينة، بل يجب أن يكون هناك تنسيق أمني، وتعاون عسكري واستخباراتي في مواجهة الإرهاب، وفي مواجهة انتشار الصواريخ الباليستية والطائرات المُسيرة.
ختاماً، يمكن القول إنه في كل الأحوال، ستبقى زيارة بايدن لمنطقة الشرق الأوسط حتى إتمامها محل جدل لن ينتهي بنهاية الزيارة، فالدول العربية لها مصالح ولديها هواجس أمنية يجب أن تُؤخذ في الاعتبار عند التفاوض حول أنسب السُبل لمعالجة المشكلات التي تعانيها الولايات المتحدة وإسرائيل. وعندها فقط، يمكن الحديث عن شرق أوسط مُستقر ويشكل حجر الزاوية مُستقبلاً في مواجهة محاولات تغيير شكل ومحتوى النظامين الإقليمي والدولي الحاليين.
المستقبل للدراسات