زيارة بايدن ومستقبل البرنامج النووي الإيراني

زيارة بايدن ومستقبل البرنامج النووي الإيراني

تتابع الأوساط السياسية ردود الأفعال الإيرانية بعد نتائج مؤتمر جدة الذي عقد في 19 تموز 2022 بالمملكة العربية السعودية، وبحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، ومقررات اتفاقية القدس التي وقعها بايدن مع رئيس حكومة الاحتلال في 18 تموز 2022 والتي كان من بنودها تقويض القوة النووية الإيرانية واحتواء البرنامج النووي الإيراني من خلال العودة إلى اتفاقية العمل الشاملة المشتركة الموقعة في آب 2015 وتصعيد الإجراءات الاقتصادية والعسكرية في حال رفض إيران للجهود الدولية واستخدام القوة إذا ما تمادت طهران في مواقفها وجعل القوة الوطنية الأمريكية حاضرة في تنفيذ ما اتفق عليه من مباحثات في تل أبيب او ما أسفرت عنه الحوارات واللقاءات التي جرت في مدينة جدة السعودية والتي أقرت أن إيران هي من تزعزع الأمن الإقليمي، وضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهتها وحماية الملاحة في الممرات البحرية.
أمام هذه المواقف كان الرد الإيراني واضحا ودقيقا عندما اعتبر الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الإيرانية (ناصر كنعاني) أن تصريحات بايدن تثير التوتر في المنطقة واتهاماته مردودة إليه وهي فارغة في محتواها ، وهذا معناه ان الحكومة الإيرانية تشعر أن مخرجات الحوارات التي تمت في زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة تؤثر على وضعها الداخلي باستمرار العقوبات الاقتصادية وعلى أمنها القومي والوطني بتحشيد جميع الطاقات والامكانيات في التصدي لمشروعها السياسي والأمني في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي ، استمرت في سياستها التصعيدية وإظهار مديات القوة العسكرية والتعنت السياسي وعدم استجابتها لما طلبته الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إجابات واضحة حول وجود آثار اليورانيوم المخصب في ثلاث مواقع حول مدينة طهران منذ شهر حزيران الماضي، مع الإعلان عن إمكانية وصولها لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% عبر أجهزة طرد مركزي بطراز جديد من ( أي أر 6) وبنظام رؤوس فرعية معدلة في منشأة فوردو النووية تحت الأرض، وتأكيد الأمر بتصريح من رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي (بأن طهران لم يكن لديها سرية في أنشطتها النووية والتخصيب بنسبة 60% تم بإشراف الوكالة الدولية وان إيران سوف لن تشغل الكاميرات التي أزالتها في شهر حزيران الماضي حتى يتم إحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2018) .
تم تبليغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران أزالت معدات تابعة لها بما يشمل (27) كاميرا تم تركيبها بموجب الاتفاق المشترك بينهما بعد أن مررت الوكالة قرارا ينتقد طهران في حزيران 2022 .
التصعيد الإيراني سبقه موقف موحد من رئيس الوكالة الدولية (رافائيل غروسي) في 22 تموز الحالي بقوله (إن برنامج إيران يتقدم بسرعة وأصبح رصد الوكالة محدد للغاية) بعد أن تم إزالة كل معدات المراقبة والكاميرات التي وضعتها الوكالة الدولية بموجب اتفاقية 2015.
يأتي الموقف الإيراني ليؤشر حالة ميدانية تؤكد عدم إمكانية تحقيق أي لقاءات او إجراءات لعقد الجولة التاسعة من مباحثات البرنامج النووي في العاصمة النمساوية فيينا وفشل الوسطاء والحلفاء الأوروبيين في إمكانية إقناع المسؤولين الإيرانيين بالعودة إلى طاولة المفاوضات والنظر إلى قبول بعض الشروط الأمريكية التي قدمتها واشنطن بإيقاف عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20% مع تقليص مخزون إيران من اليورانيوم المخصب من 2600 كغم الى 1000 كغم وتفكيك سلسلتين من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة .
لكن النظام الإيراني وأمام هذه المحاولات الأوروبية استخدم المناورة السياسية في التخفيف من التصعيد الميداني عندما وجه وزارة الخارجية بالحديث عن موقف إيران الجاد في التوصل إلى اتفاق نووي قوي ومستدام، وان اتهام واشنطن لها بتعطيل الحوار والاتفاق لا أساس له من الصحة ، وهذا الموقف تحدث به حسين أمير عبد اللهيان وزير الخارجية الإيراني في 21 تموز 2022 مؤكدا أن 96% من مسودة الاتفاق أصبحت جاهزة وتنقصها الإشارة إلى ضمان المصالح الاقتصادية الإيرانية وتقديم التعهدات الأمريكية بعدم الانسحاب مجددا من اي اتفاق يرضي الأطراف جميعا، ويبقى الأمر المهم إيرانيا معلقا ورافضا الطلب الأمريكي بتسوية ملف مقتل قاسم سليماني في الثالث من كانون الثاني عام 2020 وان طهران ترفض ذلك وتعتبر الانتقام له واجب وطني.
أمام هذا الموقف المتصاعد بين الإدارة الأمريكية والنظام الإيراني تبقى الأحداث قائمة والمواقف متغيرة حسب المصالح الإقليمية والدولية وطبيعة التناغم السياسي في الحفاظ على مشروعية وأهداف كلا الطرفين، وتستمر عجلة الحوار للوصول إلى نتائج إيجابية تساهم في حلحلة الكثير من المعوقات والمشاكل التي تظهر او الشروط التي تفرض وحسب المتغيرات السياسية ولكن يبقى الهدف الرئيس والأساس للنظام الإيراني رفع العقوبات الاقتصادية لمعالجة الأزمات الداخلية التي يعانيها وإيجاد الحلول الجذرية للحفاظ على استقرار النظام ومستقبله السياسي ومواجهة التظاهرات الشعبية المطالبة بتحسين المستوى المناسب ودفع الاستحقاقات المالية وإيقاف عملية ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم وضعف العملة المحلية، كما أن النظام حريص على سد الفجوات وإيقاف حدة الصراعات السياسية بين أقطابه ومواقفهم المتباينة من إدارة المفاوضات ونتائجها وضرورة وضع سياقات جادة تساعد الوفد المفاوض على الإسراع برفع العقوبات الاقتصادية ووضع المصالح العليا للبلاد في الأولويات بعيدة عن النزاعات والتوجهات السياسية لبعض أركان النظام في المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية والتي تقوض حركة وفعالية الوفد الإيراني المفاوض.

وحدة الدراسات الايرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية