حرب اليمن تخلف شبابا بلا أطراف

حرب اليمن تخلف شبابا بلا أطراف

الحرب طالت أو قصرت يدفع ثمنها البشر، منهم من يموت ومنهم من يظل بلا طرف من أطراف جسده، ورغم أنه يمكن أن يحصل على طرف اصطناعي إلا أن الجرح النفسي يظل معه كل الحياة، وهو الذي قد لا يكون طرفا في النزاع ولا في القتال.

صنعاء – تركت حرب اليمن المستمرة منذ سبع سنوات ندوبا واضحة على المواطنين، مع فقد الآلاف أطرافهم بسبب الألغام الأرضية أو الانفجارات خلال فترة هذا الصراع العنيف.

ففي العاصمة صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون، يساعد مركز الأطراف الاصطناعية الذي تديره وزارة الصحة، وبدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم السفلى على المشي مرة أخرى.

يقوم المركز بصنع أطراف اصطناعية لمن بُترت أطرافهم بسبب الألغام والانفجارات وحوادث السيارات وغيرها من الأسباب. فقد أنور نوار مسعد البالغ من العمر 15 عاما ساقه اليمنى في انفجار لغم أرضي في منطقة أرحب، الواقعة على أطراف صنعاء. ويتردد مسعد على المركز لتغيير ساقه الاصطناعية وتحسينها مع تقدم عمره.

وأصبح تغيير الطرف الاصطناعي ضرورة مع بداية العام الدراسي، ليتمكن من الذهاب إلى مدرسته مع زملائه في الصف الثامن. وقال “اليوم أتيت لتغيير الطرف الاصطناعي، لأنه صار غير ملائم وصرت أعاني من الألم منذ أكثر من أسبوعين”.

300 في المئة الزيادة في عدد الحالات ‏التي يشهدها مركز صنعاء بسبب ‏الحرب ومخلفاتها
وقال نائب رئيس مركز الأطراف الاصطناعية محمد جياش إن الحرب أدت إلى زيادة بنسبة 300 في المئة في الطلب على خدماتهم. وأضاف “لدينا في المركز زيادة بشكل غير طبيعي‏، إذ بلغت 300 في المئة زيادة في عدد الحالات، ‏وذلك بسبب الأوضاع في اليمن وبسبب ‏الحرب ومخلفاتها، ‏وكذلك الألغام والانفجارات”.

وأشار إلى أنهم واجهوا نقصا في عدد العاملين مع ارتفاع عدد الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم. وقال “عدد الحالات تتزايد على المركز والمستفيدين من خدمات المركز ‏مقارنة بعدد الموظفين الضئيل، وهو ما اضطرنا إلى ‏أن نستوعب موظفين جدادا، بحيث كنا في السابق ‏قليلين، أما الآن فعدد موظفي ‏المركز يصل إلى ما يقارب 206 موظفين”.

وبحسب المسؤولين بالمركز، يتم استقبال ما بين 400 و500 حالة يوميا بأمراض مختلفة، وما يتراوح بين 50 و60 من الحالات التي في حاجة إلى خدمات الأطراف الاصطناعية.

ولا توجد ميزانية للمركز بسبب الحرب على اليمن، ومعظم خدماته يدعمها الصليب الأحمر الدولي بما يصل إلى 90 في المئة، من خلال توفير المواد والأدوات التي يحتاجها المركز وتشغيله ودفع مكافآت مالية بعد انقطاع المرتبات.

وكانت لدى المركز كميات من المواد والأدوات تساعده في صنع الأطراف الاصطناعية، لكنه لا يملك حاليا سوى كميات بسيطة يستخدمها لإصلاح وترميم الأطراف التي تم صنعها بالفعل وليس لصناعة أطراف جديدة، بحسب إدارة المركز. كما يعاني المركز من عدم قدرته على استيراد المواد التي يحتاجها بسبب الحصار.

ومع تزايد الطلب على الأطراف الاصطناعية، فتحت المزيد من المراكز الخاصة أبوابها في صنعاء، للمساعدة في إعادة تأهيل من فقدوا أطرافهم.

وقال أمين حجر، مدير مركز بابو موف للأطراف الاصطناعية والعلاج الطبيعي، “هناك نسبة إعاقة حركية كبيرة في اليمن، قبل 2015 ‏كانت النسبة الرسمية بحوالي ثلاثة في المئة”.

‏هذه النسبة كانت تعتبر نسبة عالية جدا على مستوى العالم، ‏الآن النسبة غير دقيقة. ‏الأرقام المصرح بها هي أكثر من 10 في المئة ‏من الإصابات الحركية، ‏وهذه أيضا تعتبر من النسب الأكثر في العالم.

ويقول أحد الفنيين العاملين بقسم إنتاج الأطراف الاصطناعية في المركز، “إن الأطراف الاصطناعية والأجهزة التعويضية يتم إنتاجها حسب الطلب. نستخدم الجبس والبولي بروبلين لكونها مادة تبقى لسنوات”.

واشتكى بعض الأولياء من الأخطاء التي تقع لأطفالهم، كأن يؤخذ المقاس خاطئا أو يصبح الطرف غير ملائم بعد أشهر، فيعاني المريض من الآلام والأوجاع، ويطول انتظار أخذ موعد لمقابلة الأطباء.

ويقول الأخصائيون النفسيون إن مبتوري الأطراف يمرون بأوضاع صعبة جراء إصاباتهم، ثم يعانون من المخلفات النفسية بسبب الأطراف الاصطناعية، التي قد تكون أسوأ من الأضرار الجسدية رغم أنه تدرب عليها بمساعدة طبيبه المختص.

◙ مع تزايد الطلب على الأطراف الاصطناعية، فتحت المزيد من المراكز الخاصة أبوابها في صنعاء، للمساعدة في إعادة تأهيل من فقدوا أطرافهم

ولم يتوقع محمّد شعيب، وهو شاب في منتصف عمره، أنه سيصبح عاجزا، وسيمضي بقية حياته بطرف اصطناعي لا يريد منه سوى أن يمشي بسلام ارتضاه كتحصيل حاصل، أما ما دون ذلك فقد سلبت منه قذيفة الهاون كل شيء! لقد صار بسببها رجلا بلا قدرة وشابا بلا حلم.

“لم أعد قادرا على أي عمل، لم أعد صالحا لشيء”. ومثل محمّد العشرات من الحالات التي يستقبلها يوميا هذا المركز. وتقول ملكة الطويلي، المختصة في التأهيل، “في قسم التدريب وإعادة التأهيل نقوم بتدريب الأشخاص الذين بترت أطرافهم، ولا يقتصر عملنا على التدريب والتأهيل البدني فقط، بل النفسي أيضا”.

‏ويحاول المركز تقديم خدمات منافسة من حيث أنواع الأطراف الاصطناعية الحديثة والذكية، التي تعين من فقدوا أطرافهم على ممارسة حياتهم الطبيعية والأنشطة المختلفة. وأوضح الطبيب أيمن حجر “نحن نعمل أطرافا اصطناعية ‏ذكية.

هذه الأطراف تجعل المريض قادرا على ‏ممارسة حياته بشكل طبيعي، قادرا على‏ الوقوف، قادرا على الجلوس، قادرا على الخروج، ‏قادرا على العمل، قادرا على تسلق الجبال. ‏نعم هناك أطراف معينة لدينا تجعل الرياضيين قادرين على تسلق الجبال ويسابقون في مباريات الجري”.

ومنذ سنتين تمكن فريق مكون من أربعة شبان من طباعة أول يد بتقنية ثلاثية الأبعاد، يتوقع أن تساعد في إنتاج أطراف بجودة عالية إذا ما توفرت الأجهزة الضرورية لذلك.

العرب