غزة– تسعى إسرائيل إلى توجيه ضربة كبيرة لحركة الجهاد الإسلامي من خلال التركيز على استهداف قيادات من الصف الأول والثاني، دون الزج بحركة حماس في المعركة.
وأعلنت إسرائيل أنها تستهدف قيادات حركة الجهاد الإسلامي، وهو ما يفسر نجاحها في قتل قائدين ميدانيين يومي الجمعة والسبت عبر عملياتها العسكرية التي بدأتها في غزة، وهما تيسير الجعبري وخالد منصور.
وقالت مصادر فلسطينية لـ”العرب” إن “ابتعاد القيادات الكبيرة عن الأراضي الفلسطينية يصعّب المهمة التي تسعى إلى تحقيقها الحكومة الإسرائيلية؛ إذ تتنقل هذه القيادات بين كل من إيران وسوريا ولبنان، ما يعني إمكانية اللجوء إلى تفعيل آلية الاغتيالات في الخارج لتتمكن إسرائيل من تحقيق هدفها في النيل من قيادات حركة الجهاد الإسلامي”.
وأصدر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس توجيهاته للأجهزة الأمنية وقوات الجيش يأمرها فيها بالتركيز على القيادات أينما كانت، وهو ما يشير إلى عدم التقيد بقطاع غزة والضفة الغربية، وأن عمليات التصفية يمكن أن تمتد إلى مناطق أخرى، في مقدمتها طهران التي نجحت إسرائيل في اختراق جدرانها وقتل قيادات عسكرية وعلماء إيرانيين في الفترة الماضية.
إسرائيل قد تلجأ إلى تفعيل آلية الاغتيالات في الخارج لتتمكن من تحقيق هدف النيل من قيادات الجهاد
وأكدت المصادر ذاتها أن إسرائيل رصدت عددا من الشخصيات التي تنتمي إلى حركة الجهاد الإسلامي وتقيم في غزة والضفة، لكن الوصول إليها عملية حساسة وصعبة بسبب تمركزها وسط مدنيين، حيث سيؤدي استهدافها إلى وقوع خسائر بشرية فادحة قد تفضي إلى تعرض الحكومة الإسرائيلية لضغوط دولية وإقليمية، ويمكن أن تخرج حماس عن حذرها الراهن.
وأكدت الآلية التي يعمل بها الجيش الإسرائيلي أنه لا يريد الزج بحماس في هذه الجولة من التصعيد، ويعمل على حصرها في نطاق حركة الجهاد الإسلامي وقياداتها وكوادرها الميدانية التي يستطيع الوصول إليها، لأن الهدف الثمين هو تفكيك الشبكة الإيرانية في غزة والضفة، حيث تعد حركة الجهاد واجهتها الرئيسية.
وأعلن الجيش الإسرائيلي الأحد أنه تم اعتقال نحو عشرين من ناشطي حركة الجهاد في الضفة بعد تأكيده أنه يستعد لأسبوع من الغارات على غزة يحاول أن يجفف خلالها جزءا مهما من البؤر التي تتمركز فيها أسلحة وكوادر حركة الجهاد.
ودعا أبوحمزة الناطق باسم سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد، الأحد من أسماهم بـ”الأحرار” إلى الانخراط في معركة “وحدة الساحات” التي تقودها سرايا القدس، دون إشارة مباشرة إلى حماس التي كانت تنسّق مع حركة الجهاد في مثل هذه المعركة.
وكشفت صحيفة “معاريف” العبرية الأحد نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين أن “حماس تحولت من مشكلة إلى حليف العملية العسكرية التي يشنها الجيش ضد حركة الجهاد”.
وتراهن دوائر إسرائيلية على حدوث ضغط شديد من سكان غزة على حركة الجهاد، بما يدفع حماس إلى تبني آلية لوقف إطلاق الصواريخ على مدن وقرى في إسرائيل.
وتعلم طهران أن تجفيف شبكتها في الأراضي الفلسطينية جائزة تبحث عنها إسرائيل، لأن المواجهة معها ممتدة من لبنان إلى سوريا وصولا إلى غزة والضفة، ويصعب الدخول في معركة تستخدم فيها إيران كل أدواتها ضمن هذه المناطق في توقيت واحد.
وذكر أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب أن “الهجوم الإسرائيلي على غزة يستهدف بالفعل شل حركة الجهاد والقضاء على رؤوس قيادتها في الجناح العسكري، في وقت تبدو فيه الحركة قليلة الحيلة ولا تمتلك أدوات كبيرة في عملية المواجهة، لأنها تطلق زخات من الصواريخ كنوع من الإيحاء بالقوة، وهي بلا جدوى”.
ولفت لـ”العرب” إلى أن “إسرائيل ترغب في أن تكون حركة الجهاد خارج الحسابات العسكرية الرمزية عندما تدخل في مواجهة مع طهران، والتصعيد رسالة أيضا إلى حزب الله، فالقضاء على قيادات سرايا القدس أكبر انتصار لإسرائيل في الوقت الراهن”.
دوائر إسرائيلية تراهن على حدوث ضغط شديد من سكان غزة على حركة الجهاد، بما يدفع حماس إلى تبني آلية لوقف إطلاق الصواريخ على مدن وقرى في إسرائيل
وقال إن “حماس حسمت مصالحها في البقاء على رأس السلطة في قطاع غزة، ولا تريد خسارة هذه الميزة، ومن مصلحتها ألا تنتصر حركة الجهاد في المعركة الحالية، خاصة أنه من الصعب أن تستمر في التصعيد، لأن حركة الجهاد ضعيفة وأخفقت في الحصول على دعم من حزب الله وإيران في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل”.
وستحدد النهاية التي ستصل إليها جولة التصعيد الحالية إلى حد بعيد شكل المواجهات بين إسرائيل وإيران، فتقويض نفوذ الأخيرة في الأراضي الفلسطينية أو فشله يرسمان صورة مصغرة لما يمكن أن تصبح عليه المرحلة المقبلة بين الجانبين في مسألة التعامل مع شبكة طهران في المنطقة.
لكن الخبير في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور يرى أن “حماس لن تستطيع الالتزام بفضيلة الصمت فترة طويلة إذا وقع العديد من الضحايا المدنيين في غزة، ومن مصلحتها أن تنهي إسرائيل عمليتها سريعا قبل أن تجد حماس نفسها مضطرة إلى التضامن مع حركة الجهاد، لأن حذرها غير المبرر لدى فصائل المقاومة يفك التضامن الذي يظهر في حالات التصعيد الواسع، وظهرت تجلياته في الجولة التي خاضتها إسرائيل ضد حماس في مايو العام الماضي، حيث لم تُترك حماس بمفردها وتكاتفت معها حركة الجهاد”.
وأضاف لـ”العرب”، “إذا كانت إسرائيل تعتقد أن النيل من قيادات حركة الجهاد ينطوي على تطويق أذرع إيران في غزة والضفة فهو تقدير غير دقيق، لأن حماس من ضمن هذه الأذرع، وتملك طهران نفوذا سياسيا وعسكريا عليها، وعدم انخراطها في الحرب لا يرضخ لإرادة إسرائيلية ترغب في عدم الزج بها، لكنها تعلم أن توازنات القوى ليست في صالحها، وتخشى أن تفقد قواتها في جولة يمكن أن تنتهي سريعا”.
وأوضح فؤاد أنور أن “قواعد اللعبة التي تعمل إسرائيل على هندستها عسكريا دون حركة الجهاد في غزة والضفة تصب في صالح حماس، لكنها سوف تمثل ضغطا مضاعفا عليها، فاليوم حركة الجهاد وغدا حماس، ما يدفع الأخيرة إلى التمسك بالعمل حاليا على التهدئة كخيار يقلل خسائر المقاومة التي يؤدي فقدان أي من أذرعها إلى إضعاف الأخرى”.
العرب