لم يعد وجود نظام فصل عنصري ضد الأراضي الفلسطينية المحتلة موضوع جدل، بل أصبح حقيقة فاقعة. ولذلك بات من الملح الآن في ظل تصعيد الضربات والعمليات الانتقامية في قطاع غزة، وضع حد لإفلات إسرائيل من العقاب وإجبار حكومتها على استئناف المفاوضات.
بهذه الجمل افتتح موقع ميديابارت (Mediapart) الفرنسي مقالا -بقلم رينيه باكمان- قال فيه إن النقاش -الذي يبحث في الحكم على مصطلح “الفصل العنصري” هل هو مقبول لتعريف نوع النظام الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل- لم يعد في محله لأن إسرائيل مسؤولة داخل حدودها وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عن جريمة الفصل العنصري كما هو ثابت بشكل واضح، يثبته استمرار الاحتلال العسكري وتطور الاستيطان في الضفة الغربية، وكذلك إستراتيجية استخدام القوة العسكرية بدون عقاب كما حدث للتو في غزة.
والفصل العنصري -كما يوضح الكاتب- بعد أن كان أيديولوجية نظام تأسس في جنوب أفريقيا بالقرن العشرين، أصبح رسميا منذ عام 1976 يمثل انتهاكا للقانون الدولي ويشكل جريمة ضد الإنسانية، كما أصبح منذ اتفاقية الأمم المتحدة الدولية عام 1973، وقانون روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، إحدى الجرائم العشر ضد الإنسانية الداخلة ضمن اختصاص المحكمة.
وعلى أساس تعريفين مفصلين لنظام الفصل العنصري، قام المحامي مايكل سفارد، و5 من الحقوقيين المعترف بهم، بفحص القانون الدولي عام 2020 لصالح منظمة ييش دين (هناك عدالة) الإسرائيلية غير الحكومية فيما يتعلق بالوضع المدني والقانوني وكذلك الحياة اليومية للفلسطينيين، وكان ردهم واضحا وهو أن “جريمة الفصل العنصري ضد الإنسانية تُرتكب في الضفة الغربية. ومرتكبو الجريمة إسرائيليون والضحايا فلسطينيون”.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها توجيه هذا الاتهام للحكومة الإسرائيلية، بل كان ذلك منذ بدء بناء الجدار الفاصل عام 2002. وفي وقت مبكر من عام 2005، شجب المحلل السياسي الإسرائيلي مناحيم كلاين خطة الحكومة لفرض أغلبية يهودية في القدس بفضل الجدار، كما أكد ذلك مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان بالأراضي المحتلة (بتسيلم) في تقرير له عام 2021، وأكدته منظمة هيومن رايتس ووتش، وأيدته منظمة العفو الدولية.
كل هذه الاتهامات -كما يقول الكاتب- جاءت مدعومة بتصويت الكنيست في يوليو/تموز 2018، بمبادرة من رئيس الوزراء وقتها بنيامين نتنياهو، على “قانون أساسي” ذي قيمة دستورية، يغير عمليا تعريف الدولة الذي تبناه بن غوريون عام 1948. وحسب هذا النص الجديد، لم تعد إسرائيل دولة يهودية “تضمن المساواة الكاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع مواطنيها دون تمييز في العقيدة أو العرق أو الجنس، وتضمن الحرية الكاملة للضمير والعبادة والتعليم والثقافة” بل هي “الدولة القومية للشعب اليهودي ” التي تحتكر “الحق في ممارسة تقرير المصير القومي داخل دولة إسرائيل للشعب اليهودي”.
وتشير بتسيلم إلى أن “هذا القانون ينص على أن تمييز اليهود في إسرائيل عن غيرهم أمر أساسي وشرعي. وعلى جميع مؤسسات الدولة تعزيز التفوق اليهودي في كامل المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية” وهذا القانون هو الذي دفع أفراهام بورغ، النائب السابق عن حزب العمل ورئيس الكنيست السابق ورئيس الوكالة اليهودية، إلى مطالبة محكمة منطقة القدس بشطب تسجيله كيهودي من سجل السكان.
وقد شرح بورغ لميديابارت أسباب قراره، قائلا “بدون التوازن الدستوري للحقوق والحريات، يكون المواطن الإسرائيلي غير اليهودي خاضعا لمكانة متدنية، تضاهي تلك المخصصة لليهود منذ أجيال” وأضاف “يمنعني ضميري الآن من الانتماء إلى الجنسية اليهودية، وتصنيفي كعضو في هذه الأمة، مما يعني ضمنيا أن أنتمي إلى مجموعة السادة. الوضع الذي أرفضه”.
غير أن مثل هذا الموقف -كما يقول الكاتب- لا يُتوقع من أنصار نتنياهو، كما لا يتوقع منهم الكف عن ابتزاز من ينتقد أو يستنكر سياسات دولة إسرائيل بمعاداة السامية، ويتخذ تلك العملية الدنيئة سلاحا للردع، ولكنه يتوقع -من أولئك الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم أصدقاء إسرائيل- استنكار أخطائها وجرائمها، كما أن مسؤولية حكام إسرائيل وقادتها المنتخبين هي التحول الجوهري لإسرائيل إلى دولة مثل الدول الأخرى قابلة للنقد والإدانة.
ويتساءل الكاتب: كيف يمكن أن ندين الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا باعتبارها انتهاكا للقانون الدولي، دون مقارنته بالاحتلال العسكري الإسرائيلي الذي ينتهك القانون نفسه؟ وكيف نقبل الحصانة الكاملة للجيش عندما يضع نفسه في خدمة المستوطنين أو يفتح النار على المدنيين الفلسطينيين أو يقتل برصاصة قناص الصحفية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة.
وختم الموقع بأنه ربما يكون الوقت قد حان لفرنسا وأوروبا أن توضح للنظام الإسرائيلي أنها مع احترامها لتاريخه وشعبه، لم يعد بإمكانها قبول رفضه العنيد للتفاوض، واستمرار احتلاله العسكري وتكثيف استيطانه، ولجوئه بشكل منهجي إلى عنف السلاح للحفاظ على الوضع الراهن، خاصة أن الأزمة الأوكرانية أظهرت أنه لا يوجد نقص في الأدوات لممارسة الضغط على بلد ينتهك القانون الدولي. ولكن من يجرؤ على الإشارة إلى أن إسرائيل تفعل ذلك كل يوم؟
المصدر : ميديابارت