نجحت الدول الاوربية الراعية لمفاوضات البرنامج النووي الإيراني من عقد الجولة التاسعة المباحثات في العاصمة النمساوية فيينا في الرابع من اب 2022 بإشراف منسق الاتحاد الأوروبي انريكي مورا وبحضور رئيس الوفد الإيراني المفاوض (علي باقري كني) ولقاء غير مباشر مع مسؤول الملف الإيراني لدى الإدارة الأمريكية (روبرت مالي ) وتم التباحث معهما كل على انفراد حول حلحلة الأمور والاتجاه إلى اختيار طريق جديد للوصول إلى لنهاية جيدة تؤدي إلى التوقيع والاتفاق النهائي للبرنامج النووي وإعادة صياغة خطة العمل الشاملة المشتركة الموقعة في أب 2015 ، ولكي تكون الحوارات أكثر شمولية فقد تم اللقاء بالسفيرين الروسي والصيني لدى النمسا من قبل منسق الاتحاد الأوروبي في قصر كوبورغ وشرح الأبعاد والآفاق المستقبلية لصياغة اتفاق يرضي جميع الشركاء والحلفاء.
حاولت إيران في هذه الجولة أن تبدي تفاؤلها وحرصها للوصول إلى غايتها برفع العقوبات الاقتصادية وترى من الضرورة أن تبدي الإدارة الأمريكية وضوحا وتتصرف بمسؤولية ناضجة للوصول إلى نهاية المطاف وتعزيز الاتفاق للحصول على الأهداف والغايات الإيرانية لتعود إلى دورها الإقليمي والدولي وهذا ما اشار اليه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية( ناصر كنعاني ) بقوله أن إيران لا زالت متفائلة في احياء الاتفاق ) .
جاءت الأحداث العالمية والتطورات الميدانية لنتائج الحرب الروسية الأوكرانية لتفرض واقعها على العديد من الملفات السياسية والاقتصادية العالمية ومنها ملف البر نامج النووي الإيراني حيث الأزمة العالمية للطاقة وزيادة الضغط الاقتصادي الذي تواجهه القارة الأوربية ووجود العديد من الاستنتاجات والتحليلات التي تذهب الى اقتراب إيران من إنتاج القنبلة الذرية وتنامي العلاقات الاقتصادية بين موسكو وطهران وبكين ونظرة الإدارة الأمريكية إلى ضرورة منع أي حالة من التوتر وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي التي قد تؤدي إلى مواجهات عسكرية أو استفزازية نووية وهذا ما عجل في دعم المقترح الأوربي بعقد جولة الحوار التاسعة والتي سلم خلالها ( انريكي مورا ) خارطة طريق جديدة تمثل مسودة اتفاق يرى فيه جميع المتحاورين في مجموعة (4+1) أنه من الضروري أن يحصل على موافقة كاملة وبدون تعديل عليه من قبل أصحاب القرار السياسي في واشنطن وطهران وهذا ما أبلغ به الوفدين الأمريكي والإيراني بعد استلامها المسودة الأوربية التي تسعى لإحياء الاتفاق النووي الذي يضمن لإيران تخفيفا لبعض العقوبات مقابل فرض قيود صارمة على برنامجها النووي .
رغم تمسك النظام الإيراني ببعض من مواقفه السابقة برفع العقوبات كاملة وضمانات خطية قانونية وسياسية من الجانب الأمريكي بعدم الانسحاب من أي اتفاق قادم وإيقاف التحقيق الميداني الذي طالبت به الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد عثورها على ثلاث مواقع حول العاصمة طهران يشتبه بانها تعمل على تخصيب اليورانيوم، إلا أن الجانب الأوربي تحدث عن إيجاد حلول لهذه المطالبات بعد أن وافقت إيران عن سحب طلبها بخصوص رفع الحظر عن الحرس الثوري باعتباره منظمة إرهابية.
ولكن الجانب الأمريكي لا يزال متمسكا برؤيته بعدم تقديم أي ضمانات مهما كانت صيغتها قانونية أو سياسية كونه يعتبر أن خطة العمل الشاملة ليست معاهدة بل هي صيغة اتفاق بين عدد من الدول ذات الشأن ومن الممكن لأي رئيس أمريكي قادم أن يرفض أي شئ من هذا القبيل مع عدم السماح الإيرانيين بإضافة أي مقترح خارج نطاق جدول البرنامج النووي الإيراني.
جاءت ردود الأفعال متوازنة مع ما أسفرت عليه نتائج الحوارات للايام الماضية والتي قال عنها المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ( بهروز كمالوندي) أن المفاوضات ليست سيئة والمحادثات لا تزال مستمرة بشأن المفاوضات، وهو يطالب الجانب الأوربي أن يتضمن التوقيع على الاتفاق القادم ضمانات اقتصادية تساهم في إعادة روح المنظومة الاقتصادية الإيرانية والاستثمارات الأجنبية للشركات العالمية التي ترى أن أي ضمانات أمريكية كفيلة بإعادة نشاطها داخل إيران.
يبقى الخطاب الإيراني في بعض جوانبه يراعي بقاء النظام السياسي وموقف الشعب الإيراني منه ويعطي تبريرات باستمرار العقوبات عليه ومن الواضح أن ما قاله ( ابو الفضل عمويي) المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى أن إيران يمكن أن تستخدم اليورانيوم المخصب في المستقبل كأحتياط وقود للمتشات في البلاد وأنها تعتبره أداة قوية للصمود بوجه مطامع الجانب الآخر، يندرج في هذا التحليل الميداني.
اما الجانب الأمريكي فإنه حريص على إنهاء الملف النووي ليحقق غايتين هي السعي للحصول على الطاقة وتوسيع منافذها خاصة وأن لإيران القدرة على إنتاج 1,5 مليون برميل نفط يوميا مع وجود احتياط جاهز للتصدير يقدر ب( 40) مليون برميل محمل على السفن باتجاه الدول الاوربية وسعي الإدارة الأمريكية لمنع أي صراع إقليمي واسع في منطقة الشرق الأوسط ، وهذا ما يمكن أن يساهم في تعزيز موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن والحزب الديمقراطي في الانتخابات القادمة في تشرين الثاني المقبل .
وتبقى الأحداث ساخنة بعدما رأى الناطق الرسمي باسم البيت الابيض( جون كيربي) أن على إيران القبول وان هامش الوقت بدأ ينفذ .،كما انه اذا لم تنجح المبادرة الاوربية حتى ايلول القادم فإن قضية البرنامج النووي الإيراني من المحتمل أن تحال إلى مجلس الأمن الدولي وهناك سيكون العديد من القرارات التي قد تأتي ضمن طائلة العقوبات والإجراءات تحت بنود الفصل السابع وهذا ما يخشاه النظام الإيراني وحلفائه.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية