هل انتصرت حماس في الحرب بين إسرائيل و”الجهاد الإسلامي” في غزة؟

هل انتصرت حماس في الحرب بين إسرائيل و”الجهاد الإسلامي” في غزة؟

في مؤتمر صحفي عقده في طهران في 7 آب (أغسطس)، قال الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي”، زياد النخالة، إن إسرائيل ستقوم، كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار، بإطلاق سراح السعدي وخليل عواودة، ووصف حركة حماس بأنها “العمود الفقري للمقاومة الفلسطينية”. وأضاف أنه على الرغم من أن “حماس” لم تشارك في القتال، إلا أنها وفرت بيئة مواتية لعمل “سرايا القدس”؛ الجناح العسكري لتنظيم “الجهاد الإسلامي”، خلال المعركة الأخيرة، وشدد على أن “حماس والجهاد الإسلامي تشكلان جبهة موحدة ضد إسرائيل”.
* * *
“الجهاد الإسلامي في فلسطين” و”وحدة الساحات”
لم تكن الحرب التي استمرت ثلاثة أيام بين إسرائيل و”حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية” في غزة في الأسابيع الأخيرة قد بدأت في غزة، على الرغم من أن سكان غزة هم الذين دفعوا الثمن الأكبر مرة أخرى. كانت الشرارة قد بدأت في الضفة الغربية، في جنين، التي تخضع بشكل متزايد لنفوذ “حماس”، حركة المقاومة الإسلامية التي تحكم غزة، ونظيرتها الأصغر حجمًا والأكثر تشددًا، حركة “الجهاد الإسلامي”.
كانت “السلطة الفلسطينية”، بقيادة الرئيس محمود عباس، تفقد السيطرة والنفوذ بشكل متزايد على أجزاء من الضفة الغربية، بما في ذلك -وبشكل خاص- مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم ونابلس. وفي المخيمات وأجزاء أخرى من الضفة الغربية، تشكل حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي في فلسطين” وجه المقاومة للعديد من الفلسطينيين المحرومين من حقوقهم.
كانت “قوات الدفاع الإسرائيلية” قد أطلقت عملية “كاسر الأمواج” في آذار (مارس) من هذا العام بهدف احتواء هذه الجماعات الفلسطينية المسلحة، واتخاذ إجراءات صارمة ضدها وتعطيل العمليات التي تنفذها داخل إسرائيل.
في الحرب الأخيرة، سمّت حركة “الجهاد الإسلامي في فلسطين” جهودها العسكرية ضد إسرائيل بـ”وحدة الساحات”، في إشارة إلى قيامها هي وحركة حماس بربط أنشطة المقاومة في غزة بالضفة الغربية والقدس. وكانت هذه هي استراتيجية فصيلي غزة منذ حرب أيار (مايو) 2021 بين غزة وإسرائيل.
كتب أحمد ملحم من رام الله: “الضفة الغربية هي المسرح لحرب استنزاف مستمرة، مع غارات يومية وعمليات خاصة يشنها الجيش الإسرائيلي على المدن والقرى الفلسطينية”.
كانت حرب غزة في العام الماضي قد اندلعت بسبب قرار “السلطة الفلسطينية” إلغاء الانتخابات، تلاه قرار محكمة إسرائيلية إخلاء أربع عائلات فلسطينية من القدس الشرقية، وقيام قوات الأمن الإسرائيلية باقتحام مجمع المسجد الأقصى. حتى أن أعمال الشغب والعنف امتدت إلى المجتمعات العربية داخل إسرائيل.
لكن الشرارة انطلقت هذه المرة في 2 آب (أغسطس)، عندما اعتقلت القوات الإسرائيلية أحد قادة “الجهاد الإسلامي في فلسطين”، بسام السعدي، الذي ظهر في شريط فيديو بينما يجره الجنود مصابًا من منزله في مخيم جنين للاجئين.
على إثر ذلك، قررت حركة “الجهاد الإسلامي” الرد من موطنها في غزة. وفي الفترة من 5 إلى 7 آب (أغسطس)، أطلقت حركة “الجهاد الإسلامي في فلسطين” 1.100 صاروخ وقذيفة هاون على إسرائيل، وفي المقابل، نفذ الجيش الإسرائيلي 147 غارة جوية ضد أهداف في غزة. ووفقًا للأمم المتحدة، قُتل في الاشتباك 47 فلسطينيًا، من بينهم 12 مقاتلاً من “الجهاد الإسلامي في فلسطين”، وأصيب 360 آخرون. وشملت الوفيات الفلسطينية 15 طفلاً وأربع نساء، وفقًا لما أفادت به وزارة الصحة الفلسطينية في غزة. ومن بين الفلسطينيين الذين أصيبوا بجروح، كان هناك 151 طفلاً و56 امرأة. وإضافة إلى ذلك، أصيب 70 إسرائيليًا بجروح ولحقت أضرار بالعديد من المباني على طول حدود غزة.
وذكرت وكالة “أسوشيتد برس”، استنادًا إلى تحقيقها الخاص وتقييم عسكري إسرائيلي، أن مصرع 14 من الفلسطينيين الذين قتلوا، بمن فيهم بعض الأطفال، جاء نتيجة صواريخ حركة “الجهاد الإسلامي” التي ضلت أهدافها وليس بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية.
حماس تنتصر بالبقاء خارج الصراع
سجلت حركة حماس نقاطاً من خلال البقاء على الهامش والمساعدة على التوسط لوقف إطلاق النار. ويبدو أن نَسبها كقائد للمقاومة الفلسطينية متروك في الغالب لفروعها في الضفة الغربية، حيث سيستمر تنظيم “الجهاد الإسلامي في فلسطين” في أن يكون شريكًا صغيرًا. لم تكن “حماس”، التي تحكم في غزة، مستعدة لإعادة سيناريوهات حرب أيار (مايو) 2021 مع إسرائيل، بخسائرها البشرية والاقتصادية الرهيبة على سكان غزة وما نتج عنها من تداعيات سياسية.
هذه المرة كان عرض حركة “الجهاد الإسلامي”. وكان المنتمون إلى التنظيم هم الذين اعتُقلوا وتعرضوا للمضايقات، لذلك كان “الجهاد الإسلامي” هو الذي يأخذ زمام المبادرة. وقدم قادة “حماس” له دعماً خطابياً كاملاً، لكن الأمر انتهى عند هذا الحد فقط.
كتبت مي أبو حسنين من غزة: “يبدو أن دور ’حماس‘ قد تحول من مقاومة إسرائيل في الحروب الأربع السابقة على غزة إلى التعجيل بوساطة أدت إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل و’الجهاد الإسلامي‘ خلال الجولة الحالية من المواجهات”.
وزعم موقع “حماس” على الإنترنت أن رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، وضع دبلوماسية الوساطة موضع التنفيذ من خلال الاتصال بمسؤولين مصريين وقطريين ومسؤولين في الأمم المتحدة.
كما أوضح تنظيم “الجهاد الإسلامي في فلسطين” أن “حماس” يمكنها أيضًا أن تشارك في الانتصار بعد القتال، وأن كل شيء كان جيدًا معها.
في مؤتمر صحفي عقده في طهران في 7 آب (أغسطس)، قال الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي”، زياد النخالة، إن إسرائيل ستقوم، كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار، بإطلاق سراح السعدي وخليل عواودة، وهو سجين فلسطيني مضرب عن الطعام في السجون الإسرائيلية.
ووصف النخالة حركة حماس بأنها “العمود الفقري للمقاومة الفلسطينية”، كما أفادت أبو حسنين. وأضاف النخالة أنه على الرغم من أن “حماس” لم تشارك في القتال، إلا أنها وفرت بيئة مواتية لعمل “سرايا القدس”؛ الجناح العسكري لتنظيم “الجهاد الإسلامي”، خلال المعركة الأخيرة، وشدد على أن “حماس والجهاد الإسلامي تشكلان جبهة موحدة ضد إسرائيل”.
هل لدى إسرائيل هدنة مع حماس؟
بدا رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، وكأنه يعزز أرصدته الأمنية قبل الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) من خلال عملية “الفجر الصادق”، كما أطلق على الحملة العسكرية الأخيرة، في حين كشف عن لمسة سياسية بارعة مع المجتمعات الإسرائيلية الأكثر تأثرًا بالقتال، كما كتبت كاتبة العمود، مازال المعلم.
لكن الشعور الإسرائيلي بالإنجاز لم يكن يتعلق بالسياسة فحسب؛ لقد رأت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أيضاً في هذه العملية نجاحاً لا لبس فيه ومُستحقاً منذ وقت طويل، بما في ذلك من خلال منع التصعيد مع “حماس”، وفقًا لما ذكرته الصحفية الإسرائيلية ليلاش شوفال.
ومن جانبه، كتب المحلل السياسي بن كاسبيت: “كانت هذه أول عملية عسكرية إسرائيلية ضد الجماعات ’الإرهابية‘ في غزة منذ العام 2009 والتي خرجت منها بنوع من الشعور بالنصر الاستراتيجي. وكانت آخر مرة حدث فيها ذلك هي عملية ’الرصاص المصبوب‘ التي استمرت ثلاثة أسابيع والتي بدأت في أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2008، وكانت بمثابة العرض الأخير لرئيس الوزراء آنذاك، إيهود أولمرت”.
وأضاف كاسبيت أن هذا “النصر الاستراتيجي” شمل “إبقاء ’حماس‘ خارج القتال، وتحجيم تنظيم ’الجهاد الإسلامي‘ لاحتواء تهديده واستعادة ردعه. من ناحية أخرى، وعلى سبيل المجاز، واجه الجيش الإسرائيلي باعتباره ’المتنمر في الحي‘ أضعف طفل في الجوار. وعلى الرغم من أن المعركة بالكاد كانت متكافئة، إلا أن الجيش الإسرائيلي لم يكن قد سجل أكثر من تعادل كريم في الماضي”.
قد يكون لنهج إسرائيل تجاه غزة خلال العام الماضي بعض القبول الهادئ لدى “حماس”، على الأقل في الوقت الحالي. ويمكن أن تكون لـ”هدنة”، أو وقف لإطلاق النار، كما يوضح كاسبيت، عمر افتراضي أطول من المتوقع.
منذ الحرب بين إسرائيل و”حماس” العام الماضي، سمحت حكومة لابيد الائتلافية ورئيس الوزراء المناوب، نفتالي بينيت، لمزيد من العمال من غزة بدخول إسرائيل، مما شكل دفعة لاقتصاد غزة. وقد انخفضت البطالة وارتفعت التجارة. وفي حين أن العديد من سكان غزة يعانون من صعوبات فيما يتعلق بالعمل في إسرائيل، إلا أنهم ما يزالون على استعداد لاغتنام الفرصة المتاحة للحصول على أجور أعلى بكثير من العمل هناك، كما ذكرت أماني محمود من غزة.
ما تزال حياة العديد من الفلسطينيين في غزة البالغ عددهم 2 مليون نسمة صعبة لا تطاق، وفقًا لما ذكرته هديل الجرباوي من غزة، وقد أصبحت هذه الحياة أكثر بؤساً بسبب أزمة الكهرباء وتآكل شواطئ غزة.
وقد ترى “حماس” ميزة في التماشي مع نهج “الاقتصاد أولاً” الإسرائيلي، على الأقل في الوقت الحالي، وهذا هو السبب في أنها اختارت الوساطة بدلاً من التصعيد.
وقال مصدر دبلوماسي إسرائيلي للصحفي الإسرائيلي داني زاكن: “لقد جاءت فرصة للتوصل إلى ترتيب طويل الأجل مع ’حماس‘ على أساس إجراءات مدنية. ويعني هذا أيضاً، بطبيعة الحال، التخلي مؤقتًا على الأقل عن فكرة طرد ’حماس‘ من غزة والقبول بالتهديد الاستراتيجي المستمر القادم من القطاع”.
يخلص بِن كاسبيت إلى أنه “في حين أن هذا قد لا يكون ’هدنة‘ كاملة، ولا شهر عسل من أي نوع بين إسرائيل و’حماس‘، إلا أنه يمكن أن يبشر ببداية شيء حقيقي إذا كان الجانبان حريصين على رعاية الإنجازات الحالية. ولكن للأسف، تظل احتمالات حدوث خطأ ما ودفن هذه الأحلام أكبر بكثير من الاحتمال الآخر. وسيضطر كلا الشعبين إلى الاستمرار في الإمساك بخناق بعضهما بعضا لسنوات عديدة مقبلة”.
إشادة بالوساطة المصرية “غير المحدودة”
ربما ليس من المستغرب أن تكون الوساطة المصرية السريعة والمرنة في غزة قد أنقذت الأرواح مرة أخرى ومنعت المزيد من التصعيد في العنف. وهي قصة مشابهة لما حدث في العام الماضي، عندما أشاد الرئيس الأميركي، جو بايدن، بنظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، لدوره في إنهاء حرب أيار (مايو) 2021 التي استمرت 11 يومًا.
والآن، نالت مصر المزيد من الثناء بعد عام من حرب العام الماضي. وقد أعرب لابيد عن شكره لمصر، وأعرب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، عن امتنانه “للجهود الدؤوبة” التي تبذلها مصر في التوسط لوقف إطلاق النار، كما أقر بأدوار قطر والأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية في هذه الجهود.

الغد