نتائج لم تكن في الحسبان: السياسة تختلط بالجغرافيا والنقل في أوراسيا

نتائج لم تكن في الحسبان: السياسة تختلط بالجغرافيا والنقل في أوراسيا

جاءت حرب أوكرانيا بما تحمله من تداعيات سياسية كبرى لتلقي بكامل ثقلها على ممرات نقل البضائع، فأحيت مناطق جغرافية وعزلت أخرى، بينما يبدو أنها تفرض على العالم سرعة تطوير الممرات التي تربط الشرق الأوسط بشرق آسيا وممرات بديلة أخرى تكون في منأى عن الصراعات.

أزالت روسيا نفسها من خارطة ممرات النقل الأوروبية – الآسيوية التي تربط الصين بأوروبا عندما غزت أوكرانيا. لكنها بعثت حياة جديدة في الطرق المحتضرة التي من شأنها أن تسمح بسفر البضائع عبر اليابسة الأوروبية – الآسيوية دون عبور أراضيها، كما فتحت الباب أمام اتصال روسي أكبر بالشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.

ويمكن أن توفر قمة منظمة شنغهاي للتعاون الشهر المقبل في مركز طريق الحرير الأوزبكي القديم التجاري بسمرقند دعامة للطرق البديلة. فمن المؤكد أن المنظمة التي تضم الصين وروسيا والهند وباكستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان ستهيئ المشهد للتوسع في الشرق الأوسط والاتفاق على بناء خط سكة حديدية أساسي في آسيا الوسطى.

◙ التحركات الهادفة إلى تعزيز موقع آسيا الوسطى كانت نقطة حاسمة في ممرات النقل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب

ومن المتوقع أن ترتّب القمة عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون في وقت ستستفيد طهران من التحولات في جيوسياسية وسائل النقل في أوراسيا.

كما سترحب القمة بالمملكة العربية السعودية وقطر ومصر والبحرين والمالديف شركاء في الحوار وأذربيجان وأرمينيا مراقبين. وأعربت الإمارات العربية المتحدة كذلك عن اهتمامها بالمجموعة.

ويرى المسؤولون القرغيزيون أن قادة الدولة الواقعة في آسيا الوسطى والصين تفاهموا على توقيع اتفاق في القمة لبناء خط سكة حديدية بين الصين وقرغيزستان وأوزبكستان يبلغ طوله 523 كيلومترا، بعد أن ظل مجرد مشروع على الورق لمدة 25 عاما. وسيربط خط السكة الحديدية الدول الثلاث مع تركيا وإيران وأوروبا الوسطى والشرقية.

وأدى الافتقار إلى الإرادة السياسية المصحوب بالعقبات اللوجستية والتقنية، لاسيما في جبال قيرغيزستان، والتكلفة الباهظة إلى حدوث تأخيرات يبدو الآن أنها أقل إشكالية بسبب تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتوقع الرئيس الأوزبكي شوكت ميرزيوييف أن خط السكة الحديدية “سيفتح فرصا جديدة لممرات النقل التي تربط منطقتنا بالأسواق في منطقة المحيط الهادئ. وستضيف هذه الخطوة إلى توسيع طرق السكك الحديدية الحالية التي تربط الشرق بالغرب”.

ولطالما أكدت أوزبكستان أن خط السكة الحديدية سيوفر أقصر طريق من الصين إلى الأسواق في الشرق الأوسط وأوروبا، بينما ترى فيه الصين وسيلة للتهرب من خطر انتهاك العقوبات الأميركية والأوروبية التي قد تتذرع بها لو قررت مواصلة النقل عبر روسيا.

وسيغذي خط السكة الحديدية الجديد الخط الذي يربط أوزبكستان بميناء تركمانباشي الدولي على بحر قزوين.

ويمكن أن تتغذى بفضله منطقة القوقاز وتركيا والبحر الأسود عبر ميناء باكو الأذري أو إيران والهند والخليج وشرق أفريقيا عبر ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب الذي يستخدم ميناء بندر أنزالي الإيراني أو ربما تشابهار.

وسمح ميناء باكو في يوليو لمجموعة البيرق التركية، التي تربطها علاقات وثيقة بالرئيس رجب طيب أردوغان، بإدارة المنشأة، وتوسيع قدرتها على مناولة البضائع، وبناء محطة للأسمدة.

◙ قمة منظمة شنغهاي للتعاون يمكن أن توفر الشهر المقبل في مركز طريق الحرير الأوزبكي القديم التجاري بسمرقند دعامة للطرق البديلة

ويوفر ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، وهو عبارة عن شبكة بطول 7200 كيلومتر من خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة والطرق البحرية التي تعمل بشكل مستقل، رابطا شماليا مع كازاخستان وروسيا. وقد يكون هذا مهما لكازاخستان التي وقفت ضد غزو أوكرانيا رغم اعتمادها على واردات المواد الغذائية والأسمدة والبتروكيماويات والحديد الروسية.

وبحث رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في تحويل مسار صادرات النفط إلى أوروبا التي تعبر روسيا حاليا لتمرّ عبر إيران وتركيا. كما لم تتردد كازاخستان في السعي لاستغلال العقوبات ضد روسيا لصالحها، بما في ذلك من خلال تقديم بديل للشركات الغربية التي تغادر روسيا.

وفي وقت سابق من السنة الحالية، أعلنت إيران وقطر عن خطوط شحن منتظمة بين البلدين كجزء من ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب. وبالمثل، أعلنت منظمة الموانئ والملاحة الإيرانية عن إطلاق خطوط ملاحة بين تشابهار وميناء جبل علي في دبي.

ويتوقع المحللون الصينيون أن خط السكة الحديدية، الذي سيبدأ في كاشغر، سيساعد في تحويل اقتصاد شينجيانغ، المقاطعة الصينية الشمالية الغربية المضطربة والتي تضم المسلمين الترك الذين يتعرضون للقمع الوحشي.

وكانت التحركات الهادفة إلى تعزيز موقع آسيا الوسطى نقطة حاسمة في ممرات النقل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب وسط تزايد السخط العام في المنطقة وتزايد النشاط الجهادي.

ودعت كازاخستان في يناير منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا للمساعدة في استعادة القانون والنظام وسط احتجاجات حاشدة مناهضة للحكومة. وتحولت الاحتجاجات في منطقة قرقل باغستان المتمتعة بالحكم الذاتي في أوزبكستان إلى أعمال عنف بعد ستة أشهر.

وتعهد مقاتلو الدولة الإسلامية، الذين ينشطون انطلاقا من أفغانستان، بشن عمليات جهادية في المنطقة تستهدف في البداية أوزبكستان وطاجيكستان.

وأشاد مسلحو داعش بالهجمات الصاروخية في الأشهر الأخيرة ضد أهداف في البلدين ووصفوها بـ”الجهاد العظيم في آسيا الوسطى” الذي من شأنه أن يوحد جمهوريات آسيا الوسطى السوفييتية السابقة الخمس مع أفغانستان وباكستان والهند في دولة الخلافة.

المحللون الصينيون يتوقعون أن خط السكة الحديدية سيساعد في تحويل اقتصاد شينجيانغ، المقاطعة المضطربة

وحذر تقرير للأمم المتحدة في يوليو من أن أعضاء حركة تركستان الشرقية الإسلامية، وهي جماعة جهادية من الأويغور اكتسبت سمعة سيئة في سوريا، انشقت عن تنظيم الدولة الإسلامية لأن قادة طالبان الأفغانية منعوها من شن هجمات عبر الحدود في شينجيانغ.

وقال فاران جيفري نائب مدير منظمة “اللاهوت الإسلامي لمكافحة الإرهاب” ومقرها بريطانيا “على الرغم من أن حزب الحركة الإسلامية التركستاني الإسلامي (الحزب الإسلامي التركستاني) لا يزال بعيدا عن الأنظار في الوقت الحالي مثل القاعدة، إلا أنه قنبلة موقوتة بالنسبة إلى الصين في جوارها”.

العرب