يرى خبراء أن اغتيال إسرائيل قبل أيام اثنين من قادة “سرايا القدس” الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي لن يكون نهاية لمسلسل التصفيات، ويعتقدون أنها ستواصل تلك السياسة رغم المخاطر الناجمة عنها.
وخلال العملية العسكرية الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة من 5 وحتى 7 أغسطس/آب الجاري، تمكنت من اغتيال اثنين من كبار قادة “سرايا القدس”، وهما تيسير الجعبري، وخالد منصور.
وردا على ذلك، أطلقت الحركة مئات الصواريخ باتجاه المناطق الإسرائيلية المحاذية للقطاع.
وترى الفصائل الفلسطينية أنها أجبرت إسرائيل على وقف الاستخدام الواسع لسياسة الاغتيالات من خلال فرض “قواعد اشتباك” جديدة، وكسر القواعد التي وضعتها إسرائيل في السابق.
وكانت آخر عملية اغتيال شنتها إسرائيل (قبل اغتيال الجعبري ومنصور) في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حينما صفّت بهاء أبو العطا، القيادي البارز في الجناح المسلح لحركة الجهاد.
ومنذ انتهاء الحرب الرابعة على غزة (عام 2014) لم تنفذ إسرائيل عمليات اغتيال “علنية” للقادة الفلسطينيين.
وخلال انتفاضة الأقصى (2000-2005) شنت إسرائيل عمليات اغتيال واسعة، شملت معظم قيادات الصف الأول لحركة المقاومة الإسلامية “حماس“، وعلى رأسهم زعيمها الشيخ أحمد ياسين.
كما شملت حملة الاغتيالات قيادات بارزة في الفصائل الفلسطينية الأخرى، من بينهم أبو علي مصطفى، زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
قواعد الاشتباك
ورغم تنفيذ إسرائيل لعمليتي الاغتيال الأخيرتين، إلا أن داود شهاب، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، يرى أن “المقاومة ما تزال قادرة على إجبار إسرائيل بالالتزام بقواعد الاشتباك”.
وقال شهاب: “إسرائيل حاولت من خلال المواجهة الأخيرة، كسر قواعد الاشتباك القائمة بغزة، والعودة لمربع الاغتيالات مجددا”.
وأضاف: “أول رد لسرايا القدس كان يوم 5 أغسطس الساعة التاسعة، لإرسال رسالة للاحتلال أن سياسة الاغتيالات لن تجدي نفعا أمام قوة المقاومة وثباتها على موقفها”.
واستكمل قائلا: “المقاومة نجحت في التأكيد على قواعد الاشتباك، التي فرضتها معركة سيف القدس في مايو 2021، من حيث وحدة الساحات”.
الاغتيالات خط أحمر
وقال شهاب إن المواجهة الماضية لم تكن ردا على اعتقال القيادي بالحركة بسام السعدي في 1 أغسطس الجاري، إنما ردا على اغتيال الجعبري واستهداف منزل يعود لعائلة قدّوم شرقي مدينة غزة في الخامس من ذات الشهر.
وأضاف أن المعركة فُرضت على حركته في الوقت الذي كانت تتباحث فيه مع مصر لإنهاء حالة الاستنفار، التي أعلنت عنها سرايا القدس عقب اعتقال السعدي، “وذلك لأن مصيره كان مجهولا آنذاك”.
وأردف موضحا: “عند اعتقال السعدي والاعتداء عليه، لم يكن مصيره معروفا، لكن بعدما حصلنا على تطمينات من الوسطاء بحالته الصحية بحثنا مع مصر إنهاء حالة الاستنفار، ولم يكن لدينا نية في الذهاب لمواجهة”.
وذكر شهاب أن إسرائيل بعد اغتيالها الجعبري، “بدأت تستجدي وقف إطلاق النار والحصول على الهدوء من خلال التواصل مع الوسطاء”.
وقال إن حركته “رفضت الصمت، وقررت الرد وخوض معركة استمرت لعدة أيام كي يفهم العدو ويدرك أن العودة لسياسة الاغتيالات، خط أحمر”.
وأفاد إن الجهود التي تبذلها الأطراف الوسيطة المصرية والأُممية، لـ”تثبيت وقف إطلاق النار بغزة، وتنفيذ الالتزامات المتعلّقة بالإفراج عن الأسيرين خليل عواودة، وبسّام السعدي، ما زالت مستمرة”.
وتوصلت مصر لاتفاق وقف إطلاق نار بين حركة الجهاد وإسرائيل مساء 7 أغسطس، نص على أن القاهرة تلتزم بالعمل على إطلاق سراح عواودة المضرب عن الطعام منذ 157 يوما، والسعدي.
وأضاف شهاب أن حركته تلقّت “التزامات واضحة من الأمم المتحدة ومصر، للعمل على إنقاذ حياة عواودة، وإنهاء ملف اعتقال السعدي”.
وقال إن حركته “حذّرت الاحتلال من التلاعب بحياة عواودة، وفي حالة استشهاده ستعتبر أنه تعرّض للإعدام، الأمر الذي سيقود لمواجهة جديدة”.
وفيما يتعلّق بالإفراج عن “السعدي”، قال شهاب إن حركته “تتابع هذا الملف، وستتخذ الموقف المناسب في حينه دون استباق الأمور”.
إسرائيل ستواصل الاغتيالات
ويعتقد المحلل السياسي أحمد رفيق عوض، رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية في جامعة القدس (بالضفة الغربية) أن إسرائيل “لن تتخلى عن سياسة الاغتيالات”.
وقال عوض لوكالة الأناضول: “إسرائيل تتعامل مع سياسة الاغتيالات كسياسة ثابتة، وإن قادها ذلك إلى دفع ثمن كبير”.
لكنه يرى أن المواجهة الأخيرة حققت عددا من المكاسب السياسية والعسكرية والميدانية للفلسطينيين.
وقال عوض: “هذه المعركة نجحت في تثبيت معادلة (وحدة الساحات) بين المناطق الفلسطينية، ووحدة المشاعر والوجدان ووحدة الضرر والأهداف”.
وأضاف: “قطاع غزة أثبت أنه جبهة حقيقية قادرة على المشاغلة والرد وإمكانية التشويش على الخطط الإسرائيلية”.
وفي السياق، قال إن المقاومة نجحت في “شلّ الجبهة الداخلية لإسرائيل على مدار أيام”.
كما إن إسرائيل فشلت، بحسب عوض، في تحقيق النتائج المرجوّة من سياسة اغتيال قادة الأجهزة العسكرية للمقاومة، وأبرزها “تعطل قدرات هذه الأجهزة، وإضعاف مقدّراتها البشرية والعسكرية”.
وارد لكنه مستبعد حاليا
بدوره، يقول وديع أبو نصار، المختص بالشأن الإسرائيلي، إن عودة تل أبيب لسياسة الاغتيالات لشخصيات في قطاع غزة، “أمر وارد لكنه مستبعد في الفترة الحالية على الأقل”، خاصة أن إسرائيل مُقبلة على إجراء انتخابات عامة في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وأضاف أبو نصّار في حديث مع الأناضول: “إسرائيل لديها حسابات أمنية وسياسية وأحيانا تختلط الأمور وتذهب للاغتيال، خاصة لأشخاص تكون غير قادرة على التخلص منهم بالاعتقال، فتلجأ حينها للاغتيال”.
وأوضح أن إسرائيل تذهب أيضا للاغتيال “في حال توفرت لديها معلومات استخباراتية خطيرة، فتفضل حينها أخذ المبادرة وتنفيذ هذه الخطوة، رغم تداعياتها الكبيرة”.
وتحتاج هذه الخطوة، مصادقة من المستوى الإسرائيلي السياسي، الذي دائما ما يتردد في اتخاذها “لأسباب داخلية وأمنية”، بحسب أبو نصّار.
وعن الأهداف التي حققتها إسرائيل خلال المواجهة الأخيرة بغزة، قال أبو نصار “حققت إسرائيل حالة من الردع في غزة”.
وأردف: “على مدار أكثر من 3 أيام (عقب اعتقال السعدي وقبيل بدء الهجوم الإسرائيلي) حاول الجهاد الإسلامي ردع إسرائيل، من خلال إعلان الاستنفار العسكري الذي تسبب بشل الحركة في المناطق الإسرائيلية المحيطة بغزة”.
وأرادت إسرائيل، بحسب أبو نصار، “إرسال رسالة للجهاد أنها لا تقبل هذا الردع، وكل من يحاول ذلك سيتم مهاجمته”.
وقال إن المواجهة حملت رسالة أيضا للأطراف سواء حركة “حماس” أو “حزب الله” اللبناني، أو إيران، أنها قادرة على القتال.
واستكمل قائلا: “أيضا في هذه المواجهة رسالة للأصدقاء سواء في الغرب أو العالم العربي، أن إسرائيل ما زالت قوية”.
ضَعف إسرائيلي
ويعتقد أبو نصار أن المعركة الأخيرة، أظهرت ضعف إسرائيل، وأضاف موضحا: “بمعنى أن دولة قوية تحارب فصيلا فلسطينيا ليس هو الأبرز على الساحة”.
وتابع: “هذه خسارة؛ دولة كبرى تضع إمكانياتها لمحاربة فصيل واحد، في حين أنها تخشى محاربة الآخرين”، في إشارة لسعيها إلى تحييد حركة “حماس” خلال المعركة.
وفي المقابل، يقول نصّار إن الجهاد الإسلامي بدورها خسرت في هذه الجولة “ولم تحقق إنجازات، إذ أن الخسائر (الأضرار) في الجانب الإسرائيلي كانت محدودة”.
(الاناضول)