تقدم الاتحاد الأوروبي إلى كل من إيران والولايات المتحدة بمشروع حل أطلق عليه تسمية “نص نهائي” هادف إلى إنقاذ “خطة العمل المشتركة” بشأن البرنامج النووي الإيراني، التي كان قد جرى إقرارها سنة 2015 بين طهران وكل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، بالإضافة إلى الولايات المتحدة بصفة غير مباشرة، وانسحب منها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في سنة 2018 كما فرض على إيران عقوبات اقتصادية ونفطية وتجارية بالغة القسوة.
وبعد إعلان إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن العزم على إحياء ذلك الاتفاق، عُقدت في العاصمة النمساوية فيينا سلسلة جولات تفاوضية، بالإضافة إلى جولة استثنائية هامة استضافتها العاصمة القطرية الدوحة وانطوت على مفاوضات غير مباشرة بين واشنطن وطهران. ولأن تلك الجولات اتسمت بالشد والجذب من الجانبين الإيراني والأمريكي على حد سواء، فمن الإنصاف قبول ما يعلنه الاتحاد الأوروبي من أن مبادرته الأخيرة لا تترك أي مجال لمفاوضات إضافية، وأنها “لحظة اتخاذ القرار: نعم أم لا”.
واضح كذلك أن الرد الإيراني اتسم بالإيجابية حين اعتبر أن الخلافات تنحصر في ثلاث نقاط، أبدت الولايات المتحدة مرونة “لفظية” في نقطتين يتوجب مع ذلك إدراجهما في النص، وأما الثالثة فتتصل بضمان استمرارية الصفقة وهذا يعتمد على “واقعية” واشنطن. من جانبه لم يكن الرد الأمريكي سلبياً تماماً، وإن استعاد التشديد على النهج ذاته المتمثل في أن السبيل الأفضل لإحياء خطة 2015 هو عدم ربطها بمطالب جديدة خارج نطاقها الأصلي، من دون التصريح بطبيعة تلك الاشتراطات.
بات معروفاً في المقابل أن طهران تخلت عن مطلب سابق حول شطب الحرس الثوري الإيراني من لائحة الإرهاب الأمريكية، ولكن هل من الواقعي فعلياً أن تُطالب إيران بالعودة إلى الخطة القديمة ولكن مع الإبقاء على العقوبات الأمريكية، أو الامتناع عن تقديم ضمانات بعدم فرض عقوبات جديدة، أو إعادة نسب تخصيب اليورانيوم الراهنة إلى معدل 3,67% بينما هي اليوم وصلت إلى 60%، أو إعادة كمية اليورانيوم المخصب إلى 300 كغم وقد بلغت اليوم 3,800 كغ؟
من جانبه يدرك الاتحاد الأوروبي أن إحياء اتفاق 2015 يلبي المصالح الأوروبية مثلما يخدم المصالح الأمريكية في ميدان أول حاسم هو الطاقة، في ظل المشكلات المعقدة التي يطرحها الاجتياح الروسي لأوكرانيا واضطراب أسواق النفط والغاز على أصعدة صناعية أوروبية بصفة خاصة. الميدان الحاسم الثاني هو أن التباطؤ في التوصل إلى اتفاق جديد بصدد برنامج إيران النووي سوف يسرّع انشدادها إلى المحور الروسي – الصيني الآخذ في التشكل، ولكن على أصعدة تتجاوز الطاقة إلى معضلات جيو – سياسية إقليمية ودولية مستعصية.
وفي غمرة الشد والجذب على الجبهتين الإيرانية والأمريكية لا نعدم تقديرات تشير إلى أن بعض التعثر يعود إلى فريق متشدد في القيادة الإيرانية يرفض إحياء الاتفاق القديم، يقابله فريق أمريكي أكثر خضوعاً للضغوط الإسرائيلية التي تتلاقى مع متشددي طهران في تعطيل التوصل إلى خطة عمل جديدة. وليس جديداً في العلاقات الدولية أن يتلاقى فريقان متشددان، رغم افتراقهما ظاهرياً.
القدس العربي