الصدر يؤجل المغامرة بورقة “مليونية السبت”

الصدر يؤجل المغامرة بورقة “مليونية السبت”

بغداد – أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الثلاثاء عن تأجيل تظاهرةٍ حاشدة دعا تياره إلى تنظيمها السبت في بغداد “حتى إشعار آخر”، في الوقت الذي قال فيه مراقبون إن الصدر يعرف أن “مليونية السبت” ورقة تستعمل مرة واحدة، وهو يخشى أن يخسرها لذلك اختار تأجيل إحراقها في انتظار أن تتضح ملامح المشهد أكثر.

وقال مراقبون عراقيون إن الصدر ليس واثقا تماما من أن الشارع يمكن أن يدفع خصومه من الإطار التنسيقي إلى التسليم بالأمر الواقع والقبول بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، لافتين إلى أن مقربين من الصدر صاروا مقتنعين بأن المبالغة في الاستعراض في الشارع قد تتحول إلى ورقة ضد التيار، خاصة إذا صعّد الطرف المقابل ووسّع مشاركته بشكل يقود إلى مواجهة متكافئة بين الأنصار، وهو ما يعني السير نحو الحرب الأهلية.

وينفذ مناصرو الصدر منذ 30 يوليو الماضي اعتصامًا في باحات البرلمان العراقي، بينما باشر مناصرو الإطار التنسيقي اعتصاما مضادا على أسوار المنطقة الخضراء قبل خمسة أيام.

ويطالب التيار الصدري بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، مقابل مطالبة الإطار التنسيقي بتشكيل حكومة وعودة انعقاد البرلمان.

ويضمّ الإطار التنسيقي خصوصا كتلة الفتح البرلمانية الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران وكتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الخصم التاريخي للصدر.

وقال الصدر في تغريدة الثلاثاء “إن كنتم تراهنون على حرب أهلية فأنا أراهن على الحفاظ على السلم الأهلي وإن الدم العراقي غالٍ”.

وأضاف “أعلن تأجيل تظاهرة يوم السبت إلى إشعار آخر… لكي أفشل مخططاتكم الخبيثة ولكي لا أغذي فسادكم بدماء العراقيين”، مطالبًا المعتصمين في الوقت نفسه بمواصلة اعتصامهم.

وقبل أن يلجأ الصدر إلى تأجيل تظاهرات السبت المعلنة مسبقا، كان قد دعا إلى “زحف مليوني” من جميع المحافظات إلى بغداد، لمؤازرة المعتصمين من أنصاره في المنطقة الخضراء حتى تحقيق مطالب التيار بحل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة.

وقبل انقضاء ساعات على قرار الصدر تأجيل المليونية دعا صالح محمد العراقيّ، المعروف بـ”وزير الصدر”، أنصاره إلى الحفاظ على السلم وعدم الاحتكاك بمؤيدي الإطار التنسيقي الذين ينظمون تظاهرات في وقت متزامن ضد أنصار التيار منذ الجمعة الماضية، في عدة مدن من بينها العاصمة بغداد.

وقال العراقي في بيان نشره على تويتر “يجب على الإطار التنسيقي كبح جماح الثالوث الإطاري المشؤوم فورا، لأن هذا الثالوث يلعب بالنار وقد يكون من صالحه تأجيج الحرب الأهلية من خلال الاعتصام مقابل الاعتصام، أو المظاهرات مقابل المظاهرات”.

الصدر يلمّح إلى وجود “مؤامرة” و”مخططات خبيثة” لسفك دماء العراقيين من خلال وجود مظاهرات كبرى يوم السبت

ويشير مراقبون إلى أن المقصود بـ”الثالوث” ثلاثة من قياديّي الإطار التنسيقي الذين يدفعون باتجاه تشكيل الحكومة الجديدة ويرفضون الاستجابة لمطالب التيار الصدري المتمثلة في سحب ترشيح محمد شياع السوداني وحل مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهم رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي والأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي ورئيس تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم.

في مقابل ذلك دعت اللجنة المنظمة لتظاهرات “الشعب يحمي الدولة” التابعة للإطار التنسيقي جمهورها إلى الاستعداد لتظاهرات واسعة “دفاعًا عن الدولة ومؤسساتها القضائية والتشريعية وحفاظا على القانون والدستور ومنع الفوضى والانفلات”.

في الأثناء أطلق هادي العامري رئيس تحالف الفتح -وهو أحد فصائل الحشد الشعبي- دعوات إلى التهدئة والتواصل. وقام في الأيام الأخيرة بسلسلة من اللقاءات مع مسؤولين سياسيين في البلاد، خاصة منهم حلفاء للصدر من السنة والأكراد، لاسيما رئيس البرلمان محمد الحلبوسي. وقام العامري الاثنين بجولة في إقليم كردستان والتقى قادة الحزبين الكرديين الكبيرين، الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي.

والتقى العامري الثلاثاء بمبعوثة الأمم المتحدة جينين هينيس بلاسخارت وبحث معها “سبل معالجة الأزمة الراهنة واستمرار دعم الجهود الوطنية المبذولة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء لمعالجة الانسداد السياسي القائم منذ عدة أشهر”، وفق بيان.

وبدأ المأزق الحالي إثر رفض التيار الصدري لاسم السوداني الذي رشحه الإطار التنسيقي لرئاسة الحكومة. ولا تزال البلاد منذ انتخابات أكتوبر دون رئيس جديد للجمهورية ودون حكومة جديدة.

ويقول المراقبون إن الصدر يراهن من خلال تأجيل المليونية على ترك الفرصة للقضاء ليقول كلمته في مسألة حل البرلمان.

وتعقد المحكمة الاتحادية الأربعاء جلسة مخصصة للنظر في دعوى مرفوعة أمامها للبتّ في مسألة حل مجلس النواب، بعدما رد مجلس القضاء الأعلى على طلب رئيس الصدر حل البرلمان، قائلاً “إنه لا يمتلك هذه الصلاحية”، مشيراً إلى أن مهامه “ليس من بينها صلاحية ‏تجيز التدخل في أمور السلطتين التشريعية والتنفيذية، تطبيقاً ‏لمبدأ الفصل بين السلطات”.

وتتناول فحوى الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الاتحادية اتهامات “بالإخفاق في انتخاب رئيس للجمهورية وتجاوز التوقيتات الدستورية لتشكيل الحكومة الجديدة”.

وفي الأسبوع الماضي دعا الصدر مجلس القضاء الأعلى إلى حل البرلمان خلال مدة لا تتجاوز أسبوعا، وتكليف رئيس الجمهورية بتحديد موعد لإجراء انتخابات مبكرة مشروطة سيتم الإعلان عنها لاحقا.

ويرى المراقبون أن قرار المحكمة الاتحادية، سواء قضى بحل المجلس أو بعدم حله، ستكون له تداعيات مستقبلية على المشهدين السياسي والأمني، نظرا إلى طبيعة التنافس بين التيار الصدري والإطار التنسيقي وإصرار كل منهما على رؤيته الخاصة في رسم صورة المسار السياسي للمرحلة المقبلة.

العرب