أعلنت السلطات الروسية مقتل داريا ابنة ألكسندر دوغين، الفيلسوف الروسي المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين في تفجير سيارتها بعبوة ناسفة زُرعت أسفل مقعد السائق في إحدى ضواحي العاصمة موسكو، وقالت الخارجية الروسية إنه في حال ثبوت تورط أوكرانيا في اغتيال داريا فسيكون ذلك “شكلا من أشكال إرهاب الدولة الذي تتبناه كييف”.
وعملت داريا دوغين سكرتيرة صحفية لوالدها، الذي يوصف بأنه “عقل بوتين”، وهو قومي من أبرز المنظرين لأيديولوجية الكرملين الذين تنبؤوا بانتهاء عصر الليبرالية الغربية، ونقلت وسائل إعلام روسية عن رئيس قوات دونيتسك الموالية لروسيا، دينيس بوشلين، إلقاءه اللوم على من وصفهم بـ”إرهابيي النظام الأوكراني” في الانفجار، مضيفا “كانوا يحاولون تصفية ألكسندر دوغين لكنهم فجّروا ابنته”.
عدو أوكرانيا
وأعادت حادثة الاغتيال المفكر الروسي إلى الأضواء، ويوصف دوغين بأنه عدو لأوكرانيا المستقلة، واشتهر بقوله إن “أوكرانيا كدولة ليس لها معنى جيوسياسي” كما كتب في كتابه “أسس الجغرافيا السياسية”، ودعا إلى أن تستوعبها روسيا بالكامل تقريبا وترك معظم المناطق الغربية من أوكرانيا خارج نطاقها.
لكن بحسب مقالة مارلين لارويل مديرة معهد الدراسات الأوروبية والروسية بجامعة جورج واشنطن، فإن دوغين راديكالي وغامض للغاية في صياغاته، مما يقرب أفكاره من كلاسيكيات اليمين المتطرف الأوروبية التي لا تستطيع التماشي مع احتياجات إدارة بوتين.
كما وصفته بأنه كان أحد المروجين الأصليين لمفهوم جيوسياسي لأوراسيا وروسيا كحضارة مميزة في التسعينيات، لكن هذه الموضوعات أصبحت أفكارا سائدة بصرف النظر عن استخدام دوغين لها في العقود التالية، ولم يكن دوغين أبدا عضوا في أي من العديد من منظمات المجتمع المدني المهمة حتى لو كان قادرا على إلهام بعض المؤثرين في دوائر الصناعة العسكرية والخدمات الأمنية، بحسب مقالة الكاتبة بمجلة “أنهيرد” (Unherd) البريطانية.
دعم دوغين
ومن بين المفكرين الآخرين الذين يدافعون عن المهمة الإمبراطورية الروسية اثنان من داعمي دوغين هما رجل الأعمال الأرثوذكسي كونستانتين مالوفيف الذي يقود قناة على الإنترنت ومجموعة للنقاش، والأسقف تيخون، وهو شخصية مؤثرة في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ويشاع أنه أحد الذين “يعترف لهم” بوتين.
لقد عمل كلا الرجلين معا لدفع أجندة من “القيم التقليدية”، بما في ذلك الموقف من قضايا الإجهاض والعسكرة وبيزنطة كنموذج تاريخي لروسيا، والتلقين الأيديولوجي للأجيال الشابة.
أصبح مالوفيف شخصية محورية في تواصل روسيا مع دوائر اليمين المتطرف والأرستقراطية الأوروبية، فيما يركز تيخون على سد الفجوة بين الكنيسة والكرملين وضمان التقارب الأيديولوجي بينهما، كما تقول الكاتبة.
ملهم بوتين
وعلى الجانب الآخر، يقر المفكر الروسي نفسه بأن له تأثيرا ونفوذا قويا على الرئيس فلاديمير بوتين، ويشرح فلسفته ورؤيته للأفكار التي يؤمن بها، ومن بينها كيفية حل الملف السوري.
واستعرض دوغين -الذي حل ضيفا على برنامج قناة الجزيرة “المقابلة”- أفكاره ورؤيته للمسار الذي يجب على بلاده أن تنتهجه لمواجهة النفوذ الأميركي على العالم، ويقول إن تصوراته تلتقي مع تصورات رئيسه بوتين خاصة حول القضايا الجيوسياسية، فهو “ينظّر وبوتين يطبق” على أرض الواقع، وإن أفكاره انتشرت في منتصف التسعينيات، وخاصة بالأوساط العسكرية وجهاز الاستخبارات.
وبينما يشيد -المفكر الذي يوصف بعقل بوتين- بالرئيس الروسي، ويقول إن نظامه هو أفضل الأنظمة التي تعاقبت على حكم روسيا، لأنه “يقوم على قيم تقليدية ومجتمع محافظ”، يؤكد أن في روسيا اليوم هناك بوتين وهناك دوغين وهناك الشعب.
وتطرق دوغين في لقائه السابق لنشأته وانطلاقته الفلسفية والعلمية التي قال إنه بدأها من خلال تعرفه على حيدر جمال، وهو عالم إسلامي وفيلسوف معروف من أصل أذربيجاني، فضلا عن ميوله السياسية والأيديولوجية، حيث تحول من معارض شرس لنظام بوريس يلتسين إلى مقرب ومدافع عن نظام بوتين.
الهوية الروسية والتغيير
ومن جهة أخرى، تحدث دوغين للجزيرة عن الهوية الروسية وعن التغيير الجذري الذي قال إنه أصابها على مدى قرن واحد، حيث كانت البلاد إمبراطورية بعقيدتها وتصورها، وبعد قيام الثورة البلشفية تغيرت التصورات تغيرا شديدا، وفي عام 1991 تغيرت الهوية الروسية مرة أخرى وأصبحت روسيا جزءا من العالم الغربي، ثم جاء بوتين فتغيرت الهوية مجددا وأصبحت روسيا دولة قوية تدافع عن القيم المحافظة الخاصة بها، بحسب ما يقول الفيلسوف الروسي.
وحول الهوية الروسية يقول “عقل بوتين” إن بلاده تغير موقفها و”نحن قيد البحث الروحي عن أنفسنا”، ولديها حساسية تجاه المتغيرات.
غير أن دوغين يؤكد -في الجزء الأول من لقائه في حلقة (14/11/2021) من برنامج “المقابلة”- أن النزعة الغربية ما زالت موجودة بشكل كبير داخل روسيا، وهناك نخبة ليبرالية ومقاومة شديدة لإصلاحات الرئيس بوتين من طرف المثقفين الليبراليين، وأن هذه النزعة الغربية تعرقل التوجه الخاص لروسيا.
كما يرى أن من حق الحضارات الأخرى أن تعتمد التعاليم السياسية الخاصة بها والقائمة على قيمها هي لا على القيم الغربية.
الجزيرة