تباينت المواقف الميدانية على الردود الخاصة بالمبادرة الأوربية من قبل واشنطن وطهران وكل منهما يسعى إلى تحقيق الأهداف والغايات والمصالح الخاصة بهما مع البقاء على التفاهات واللقاءات التي تبقي على ديمومة الحوار الخاص بالبرنامج النووي الإيراني دون النظر إلى الاختلافات في الرؤى او الشروط التي تقدم من الطرفين، فالمساعي الأوربية جادة في الإعداد لاتفاق قادم وفق الخطة الأوربية التي لا تقبل التغيير أو الاضافة وتنتظر الموافقات السياسية على المحاور الرئيسية التي احتوتها المبادرة وهذا ما عملت عليه دول فرنسا وألمانيا وبريطانيا وجاء الاتصال الهاتفي بين قادة هذه الدول والرئيس الأمريكي جو بايدن يوم 21 آب 2022 ليحدد المسارات المستقبلية لأي اتفاق قادم بعد أن تم مناقشة الجهود الأوربية لإحياء الاتفاق النووي والحاجة إلى تعزيز دعم الشركاء في منطقة الشرق الأوسط والجهود المشتركة لردع وتقييد إيران وتوجهاتها الإقليمية في المنطقة.
جاءت الأنباء التي تشير إلى أن الاتفاق القادم سيقوم إيران بنسب محددة من اليورانيوم المخصب لا يتعدى 3,67 وهي نفس النسبة التي اقرأ في اتفاق 2015 ولكن هل ستترك طهران أحد شروطها الخاصة بالبقاء على نسبة 20% من تخصيب اليورانيوم والتي تعتبره منجزا شعبيا ويشكل إحدى الدعامات الأساسية في مرحلة الردع وحماية أمنها القومي؟ وأشار موقع اكسيوس الأمريكي إلى أن إيران سيسمح لها بتخزين (300 كغم ) من اليورانيوم المخصب وفرص قيود على برنامجها النووي حتى عام 2031 مع إزالة كافة أجهزة الطرد المركزي المتطورة وتخزينها قد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي معلومات ترشحت خلال هذه الأيام بعد وصول الرد الإيراني على المبادرة الأوربية والتي أشار إليها الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني بقوله ( انه تم إحراز تقدم نسبي في المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق النووي ) متهما واشنطن بالمماطلة والتسويف.
لهذا فإن المبادرة الأوربية تشكل مقترحا توافقيا حظي باستحسان وموافقة الجانبين الأمريكي والإيراني بعد أن تم الاستغناء عن شرط رفع العقوبات عن الحرس الثوري الإيراني باعتباره منظمة إرهابية وإعطاء مساحة من الشفافية في التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وضمان تقيد أمريكا وإيران بالتزامهما وعدم تكرار عملية الانسحاب الأمريكي عام 2018 ، وهذا ما يمكن أن نستنتجه أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في الإعلان عن فشل المفاوضات بسبب اقتراب الإدارة الأمريكية من موعد الانتخابات القادمة في تشرين الثاني وحاجة الحزب الديمقراطي لإثبات وجوده وتحقيق أكبر نسبة ممكنة في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ والإبقاء على التعهدات التي قدمها جو بايدن خلال حملته الانتخابية للرئاسة الأمريكية بنجاح الاتفاق النووي مع إيران، كما وان النظام الإيراني لديه نفس الهدف الرئيسي في إستمرار المفاوضات فهو يسعى لرفع العقوبات الاقتصادية كاملة عنه وامكانية إطلاق الاموال المجمدة ورفع العقوبات عن عدد من المصارف والمؤسسات الاقتصادية ومعاودة تصدير النفط الإيراني والانتهاء من المشاكل والأزمات التي يعاني منها المجتمع الإيراني نتيجة استمرار العقوبات وامتداد مساحة الاحتجاجات الشعبية بتحسين الأوضاع المعاشية وتغيير سياسة النظام الخارجية والاهتمام بالوضع الداخلي والنظر لمصلحة الشعوب الإيرانية بعيدا عن أهداف المشروع السياسي والتردد والنفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، ولهذا فقد تغاضت طهران شرطها برفع العقوبات عن الحرس الثوري وتمسكها لإنهاء التحقيقات التي أقرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد أن تم الكشف عن ثلاث مواقع لتخصيب اليورانيوم في أطراف العاصمة الإيرانية ولا زالت مسألة الضمانات بعدم الانسحاب الأمريكي مجددا من اي اتفاق قادم قائمة ولكن بحدود اوضحها الجانب الأمريكي أنها تتعلق بأي إدارة أمريكية لأنها ترى أن هذا الامر يعد اتفاق وليس معاهدة بين أطراف الحوار، وتبقى العقدة ال رئيسية في نجاح الخطوات الأوربية هي الضمانات المطلوبة من طهران لتعويضها اذا قررت واشنطن الانسحاب مجددا .
أمام هذه التطورات اعلن جوزيف بوريل منسق العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي( أنه أجرى ترتيبات لعقد اجتماع في فيينا لكن لم يتسنى ذلك ومن المحتمل أن يعقد نهاية هذا الاسبوع ) وهذا يدل على أن هناك تقدم واضح عبر الرد الإيراني ورغم الانتظار لمعرفة حقيقة الرد الامريكي الآن أن التصريحات الرسمية الأمريكية تشير إلى أن هناك نوع من القبول خاصة بعد أن تخلت إيران عن شرط رفع العقوبات عن الحرس الثوري الإيراني وتحديد مفهوم الضمانات المطلوبة، كما وان هناك بوادر واضحة لتفاهم مشترك بين إيران وأمريكا حول القضايا السياسية والاعتراف الأمريكي بالدور الإقليمي الايراني في مناطق نفوذه وشراكته في رسم ملامح مستقبل المنطقة وتوجه ايراني داخلي لتعديل الفقرات الخاصة بقانون ( الإجراءات الإستراتيجية لرفع العقوبات وتطوير البرنامج النووي ) الذي اعتمد من قبل مجلس النواب الإيراني عام 2020 ليكون متوافقا مع التفاهمات الجديدة وروح الاتفاق القادم كما أن الرد الإيراني الذي قدم من قبل المجلس الأعلى للامن القومي الإيراني بصيغته النهائية كان بمثابة وثيقة رسمية وتعهد سياسي اعتمد من مجلس مخول من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي بمتابعة الملف النووي وتقديم المشورات والحلول الإستراتيجية.
ان آفاق المستقبل وطبيعة العلاقات الإيرانية الامريكية ستكون أكثر وضوحا وجدية في رسم التوجهات القادمة في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي بعد الاتفاق النهائي على إقرار إنهاء المفاوضات النووية وتوقيع اتفاق مشترك بين جميع الأطراف.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية