الباحثة شذى خليل*
تحطمت العملة الروسية “الروبل” في بداية الغزو الروسي على أوكرانيا في فبراير/ شباط، حيث سجلت تراجعا في النصف الثاني من شهر مارس الماضي إلى مستويات تاريخية، متجاوزة مستوى 140 روبلا للدولار، وذلك في ظل العقوبات الغربية التي تم فرضها على موسكو. وسارعت موسكو لمنع الانهيار المالي حيث اتخذت التدابير والخطط المالية الصحيحة، لمنع وقوع الكارثة الاقتصادية بانهيار العملة .
وعلى الرغم من الحرب التي تشنها موسكو ضد أوكرانيا والعقوبات الغربية غير المسبوقة التي تستهدف انهاك الاقتصاد الروسي، إلا أن الروبل الروسي قفز إلى أعلى مستوى منذ 7 سنوات مقابل الدولار الأمريكي.
وتواصل العملة الروسية ارتفاعها أمام العملتين الأمريكية والأوروبية، إذ انخفض سعر صرفا الدولار واليورو مقابل الروبل إلى مستويات هي الأولى منذ مارس العام 2020.
ومن أهم أسباب ارتفاع العملة الروسية ما يلي:
• قرار المركزي الروسي باتخاذ مجموعة من الإجراءات لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد، الأمر الذي حد من الطلب على العملات الأجنبية في السوق المحلية.
• الانتقال إلى الروبل الروسي في صادرات الغاز إلى الدول غير الصديقة، بما في ذلك إلى دول الاتحاد الأوروبي.
• إلزام المصدرين في روسيا ببيع 80% من عائدات النقد الأجنبي في بورصة موسكو.
• انخفاض واردات البضائع إلى روسيا. وتوقع تقرير لموقع “أر بي كا” الاقتصادي أن فائض ميزان المدفوعات الروسي قد يصل هذا العام إلى مستوى تاريخي يتراوح بين 200 و300 مليار دولار.
• طالبت روسيا الدول الأوروبية بتسديد مدفوعات الطاقة بالروبل، وقطعت إمدادات الغاز عن العملاء الذين رفضوا القيام بذلك.
• طبق البنك المركزي الروسي سياسات لمنع المستثمرين والشركات من بيع العملة وغيرها من الإجراءات التي تجبرهم على شرائها.
واكد دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، في نهاية الشهر الماضي، أن الحكومة الروسية تناقش مسألة ربط العملة الروسية الروبل بالذهب، الأمر الذي سيدعم العملة الروسية ويضمن استقرارها، إذ استقر في الأشهر الأخيرة، رغم التأثير المبكر للعقوبات، فقد فشلت إلى حد كبير في شل الاقتصاد الروسي، حيث أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى حشو خزائن روسيا.
في غضون ذلك، ارتفعت العملة الروسية إلى أعلى مستوى في 7 سنوات مقابل الدولار الأمريكي، بفضل جهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدعم الروبل، وعلى الرغم من أن روسيا تخلفت عن سداد ديونها الخارجية في يونيو/ حزيران، إلا أن الأسواق العالمية بالكاد تأثرت، حيث كانت هذه الخطوة متوقعة على نطاق واسع، وكانت السوق تستعد بنفسها.
قوة الروبل:
الروبل يأخذ مكان الصدارة بين العملات وعلى مستوى أسعار الصرف، إذ أصبح الروبل العملة الأفضل أداء في العالم هذا العام، نتيجة الخطوات المتخذة لحماية النظام المصرفي والنقدي الروسي من العقوبات الغربية، لكن الإجراءات الروسية بمنع الأموال من مغادرة البلاد، إلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار الوقود الأحفوري، عملت على خلق الطلب على الروبل ورفع قيمته.
ويؤكد بعض الاقتصاديون، ان هذه الإيرادات، التي تصل روسيا في الغالب بالدولار واليورو عبر آلية مبادلة الروبل المعقدة، ساهمت في دعم سعر صرف الروبل، وان “روسيا حققت فوائض قياسية في حسابها الجاري من العملات الأجنبية، بسبب هذا الوضع”. وكان فائض الحساب الجاري لروسيا من يناير إلى مايو من هذا العام يزيد قليلاً عن 110 مليارات دولار، وفقًا للبنك المركزي الروسي.
إن مرونة الروبل تعني أن روسيا معزولة جزئيا عن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية بعد غزو أوكرانيا، رغم أن المدة التي ستستغرقها هذه الحماية غير مؤكدة، ويعود السبب الرئيس لتعافي الروبل خلال الشهور القليلة الماضية، إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
روسيا اقتصاديا:
روسيا هي أكبر مصدر للغاز وثاني أكبر مصدر للنفط في العالم، و من أكبر المصدّرين للقمح، وأحد كبار منتجي الحبوب على مستوى العالم، وأحد كبار منتجي المعادن النادرة كذلك المستخدمة في عديد الصناعات المتقدمة، وزبائن موسكو الأوروبيون كانوا يشترون بمليارات الدولارات الطاقة الروسية أسبوعيًا خلال الأيام الأولى من الحرب، بينما حاولوا في الوقت نفسه فرض عقوبات عليها. هذا الموقف غير الثابت ، وضع الاتحاد الأوروبي، في موقف حرج، حيث تمكنت روسيا من جني أموال ضخمة من مبيعات النفط والغاز والفحم بشكل مضاعف.
نستنتج مما سبق ان الاستراتيجية الاقتصادية المتبعة في روسيا أظهرت مدى قوة الاقتصاد مع الإجراءات الصحيحة والخطط الاقتصادية القيمة، للحفاظ على الدولة الاقتصادية والعسكرية، وعلى الصعيدين المالي والاقتصادية تعتبر موسكو ارتفاع قيمة الروبل دليلا على فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، حيث قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي السنوي: “كانت الفكرة واضحة: سحق الاقتصاد الروسي بعنف” ثم تابع: “لم ينجحوا.. من الواضح أن ذلك لم يحدث”.
وأصبح الروبل قويًا لدرجة أن البنك المركزي الروسي أصبح يتخذ إجراءات لمحاولة إضعافه، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى جعل صادرات البلاد أقل قدرة على المنافسة. منها خفض سعر الفائدة ثلاث مرات لتصل إلى 11 بالمئة في أواخر أيار/مايو، وذلك على الرغم من رفعها في بداية الحرب بأكثر من الضعف إلى 20 بالمئة من 9.5 بالمئة سابقا.
وجاءت أكثر من نصف هذه المكاسب من الاتحاد الأوروبي، بنحو 60 مليار دولار. وفي حين أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي عازمة على خفض اعتمادها على واردات الطاقة الروسية، فقد تستغرق هذه العملية سنوات. وفي عام 2020، اعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا في 41٪ من واردات الغاز و36٪ من وارداته النفطية، وفقًا لذات المصدر.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية