“حرب الشقيقين” تكرار شيعي ينتظر مصالحات إيران

“حرب الشقيقين” تكرار شيعي ينتظر مصالحات إيران

يحاكي الزعيم الشيعي مقتدى الصدر تجربة حزب الله مع حركة أمل التي مازالت تدمر لبنان، إذ لا يسير نزاعه مع الإطار التنسيقي نحو التهدئة وإنما نحو المزيد من التصعيد، وقد يتحول بين لحظة وأخرى إلى نزاع مسلّح، ويقود العراق نحو مصير مشابه للبنان ينتهي بتدخل إيراني لتوقيع تسوية توزع الثروات والمناصب والمناطق على وكلائها الشيعة الذين لا همّ لهم إلا إرضاؤها.

لندن – تتناحر الأحزاب الشيعية في العراق، كما تناحرت في لبنان، ويمكن أن تتناحر في أي مكان آخر، والسبب هو أن المشروع الطائفي، القائم على أعمال تزوير خارق للتاريخ، لا يجد ما يسنده إلا تعدد المشارب الأيديولوجية في داخل الإطار الذي يتخذ من “الولاء لآل البيت” ركيزة له، إنما كغطاء للولاء لمنبع المشروع الطائفي في إيران.

هذا “الولاء” هو الستار الذي يختفي وراءه الجميع. ولكن خلف الستار توجد نزاعات “ثورية” وأخرى “إصلاحية”، وثالثة “فقهية” ورابعة أسرية، وخامسة منافعية، وسادسة مخابراتية، وسابعة تَقَويّة، أو تكاذبية، يشنها الجميع ضد الجميع، والكل على ذات “الولاء”.

وهو ما يظهر في إيران نفسها بين عدة تيارات متصارعة، لم تتردد السلطات الغالبة في أن تحسمها بالحديد والنار. وما يزال هناك “معارضون إسلاميون”، من داخل المشروع الطائفي “الولائي”، مما يسمى بالتيار الإصلاحي، إما معتقلون، وإما محرومون من كل الحقوق.

واتخذت حرب الشقيقين في لبنان مسارا مماثلا، وهو ذاته المسار الآن الذي يتخذه “الأشقاء” في العراق بين “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي”.

واندلعت المعركة بين حركة أمل وحزب الله في مارس 1988 وتحولت إلى حرب دامية ابتداء من مطلع أبريل في ذلك العام، ولم تتوقف إلا في نوفمبر 1990، بعد توقيع “اتفاق سلام” رعته إيران وسوريا، بوصفهما داعمين لكلا الطرفين. وهو الاتفاق الذي اقتضى نوعا من تقاسم النفوذ ومناطق السيطرة، بحيث لا يطغى طرف على طرف. ومع تهدئة النزاع السياسي بتقاسم الحصص ومقاعد المجلس النيابي المكرسة للشيعة، فقد تراجع النزاع الأيديولوجي إلى الخلف.

الأول، ظهر كـ”حزب إصلاحي”، قاده موسى الصدر لضمان مساواة الشيعة بغيرهم في لبنان، وكرس جهده لأعمال الرعاية والخدمات الاجتماعية، في التعليم والصحة والتضامن الأهلي.

أما الثاني فظهر كـ”حزب ثوري”، أخذ بخطط ومسارات الولاء إلى حد أنه أصبح فيلقا تابعا كليا للحرس الثوري الإيراني وجزءا من كتائبه العسكرية في الخارج.

وعلى الرغم من أن الطرفين كانا حزبين مسلحين، يحاربان أحدهما الآخر، فقد اشتركا في الحرب ضد الفلسطينيين، بعدما استقرت التوازنات، وهدأت الشعارات الثورية، واطمئن كل طرف إلى حصته ونفوذه، فسعيا معا لتحجيم النفوذ الفلسطيني.

تأسست حركة أمل الشيعية في العام 1974 كحركة مسلحة باسم “أفواج المقاومة اللبنانية”. وكانت، بظهورها المسلح واحدا من أهم أسباب الحرب الأهلية في لبنان التي اندلعت في العام 1975 واستمرت حتى العام 1991، بتوقيع اتفاق الطائف. فقد مثّلت تهديدا للتوازنات السياسية القائمة، وأشعرت المسيحيين الموارنة بأن نفوذهم التاريخي في لبنان مهدد بالزوال.

أما حزب الله فتأسس في أعقاب الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان في العام 1982، ككتائب مسلحة تتبع مباشرة الحرس الثوري الإيراني وتتلقى منه التمويل والسلاح. وعلى الرغم من أن المقاومة اللبنانية ضد الغزو الإسرائيلي الذي وصل إلى بيروت في ذلك العام، كانت بكل الشواهد والمعاني والأدلة والتنظيم حركة وطنية تصدرتها منظمة العمل الشيوعي بقيادة محسن إبراهيم، وكانت أول من رعى ونظم “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية”، إلا أن كتائب الحرس الثوري المسماة “حزب الله” حاربت القوى الوطنية اللبنانية وسعت لتجريدها من السلاح وطردها من مناطق الجنوب، لكي تحتكر المقاومة ضد إسرائيل. وهو الشيء نفسه الذي فعله “التيار الصدري” الذي سعى لسرقة المقاومة الوطنية العراقية ضد الاحتلال الأميركي.

وبرغم إسهاماته الهزيلة، التي اقتصرت على أعمال محدودة، وظلت خاضعة للإنذارات والتهديدات الأميركية، إلا أن مقتدى الصدر ركب الموجة وزعم لنفسه قيادتها. وهو أمر ما كان ليتطابق مع الواقع، لاسيما وأن القسط الأعظم من أعمال المقاومة نفذه البعثيون في مناطق الجنوب، وكانت مقاومة ضارية في مناطق الوسط السنية التي لا نفوذ للأحزاب الشيعية فيها أصلا.

“الولاء” هو نفسه الولاء. وإيران تنتظر استقرار التوازنات بين {الشقيقين} قبل أن تتدخل للتسوية بينهما

ويمكن أن يستمر النزاع الراهن بين التيار الصدري وجماعات الإطار التنسيقي، على غرار “حرب الشقيقين” في لبنان لعدة سنوات. كما يمكن أن يتحول إلى نزاع مسلح، لكي يملي طرفٌ إرادته على الطرف الآخر. ولا يهم، بالنسبة لأي من الطرفين أن يدفع التنازع في ما بينهما العراق إلى الهاوية، مثلما دفع “الشقيقان” اللبنانيان بلدهما إلى الهاوية. وهي هاوية ظلت تتسع إلى أن أصبح بلدا مفلسا، ويقف على حافة الانهيار الشامل، وليس فيه كهرباء! فما أن يبدأ نور الولاء يشع، حتى تنطفئ الكهرباء.

ولكن حدثت بعض تقلبات في بعض أوجه التمثلات، فالإطار التنسيقي هو القوة التي تمثل الحرس الثوري، بينما التيار الصدري برفعه شعارات محاربة الفساد وتقديم الخدمات، يبدو أقرب، من الناحية النظرية، إلى “حركة أمل”.

التقلب الأهم، هو أن جماعات الحرس الثوري، هي في ذات الوقت جماعات الفساد والنهب. والسبب الرئيسي في هذا التحول هو أنها جندت نفوذها في العراق لتخفيف الحصار الاقتصادي عن إيران. ومثلما ابتدعت مشاريع وأعمالا وهمية لتمويل إيران من خلالها، فقد اكتسب قادتها فرصا لكي يحصلوا على حصتهم من تلك الأعمال، ما أدى إلى وضع الأيديولوجيا الثورية في الحسابات المصرفية، وتحولت إلى شراء العقارات وبناء الشركات، وتمويل الأقارب.

أما التيار الصدري فإنه، مثلما سرق لقب “المقاومة”، فقد سعى أيضا لسرقة مطالب ثورة أكتوبر 2019، التي دعت إلى محاربة الفساد وإسقاط النظام الطائفي وإلغاء المحاصصة بين الأحزاب.

وحارب أنصار الصدر الاحتجاجات حتى فرضوا عليها الركود، فلما تراجعت تقدموا ليظهروا وكأنهم هم أصحابها. وهو ذاته السلوك الذي اتبعه حزب الله تجاه الحركة الوطنية اللبنانية التي قادت المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وتبدو التمثلات مختلطة، لكن “الولاء” هو نفسه الولاء. وإيران تنتظر استقرار التوازنات بين “الشقيقين” قبل أن تتدخل لتقيم تسوية بينهما، على غرار التسوية التي حققتها بين الموالين لها في لبنان، فيأخذ كل طرف حصته، ومناطقه، ويلطمون، في موكبين مختلفين، على الحسين نفسه.

العرب