تونس/الرباط- انتهت قمة تيكاد الاقتصادية بين اليابان وأفريقيا، لكن مخلفات استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم جبهة بوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي خلال القمة ستحتاج إلى خطوات دبلوماسية تونسية للتهدئة مع المغرب ومنع التصعيد الذي ستكون له نتائج سلبية على تونس الطامحة إلى تنشيط دبلوماسيتها إقليميا ودوليا للخروج من أزمتها الاقتصادية.
وقالت أوساط سياسية تونسية إن الخطوة الأولى هي توقف وزارة الخارجية التونسية عن إصدار بيانات من شأنها أن تصب الزيت على نار التصعيد مع المغرب الذي يتعامل مع قضية الصحراء باعتبارها قضية مقدسة ليس لأي كان أن يمسها أو يخترق الخطوط الحمراء فيها.
وأضافت هذه الأوساط أن التهدئة مهمة دبلوماسيا وإعلاميا حتى تترك الباب مفتوحا أمام الحوار الذي يسمح بتجاوز هذه الأزمة بشكل سريع واستعادة تونس لدورها المغاربي الفعّال الذي كان له إسهام بارز في تأسيس اتحاد المغرب العربي واستمراره ومنع التوتر بين دوله المختلفة، لافتة إلى أن المهم من الجانب التونسي استيعاب ردة الفعل المغربية ومنع التصعيد، ثم تحريك الدبلوماسية لتطويقه بالسرعة اللازمة.
منذر ثابت: ليس من مصلحة تونس الذهاب نحو المزيد من العزلة
ويسود رأي عام في تونس يعتبر أن هذه الأزمة ما كان لها أن تقع، وأن استقبال إبراهيم غالي على مستوى عال كان سوء تقدير، وأن تونس ليست في حاجة إلى أي توتر مع أي طرف كان من أجل التفرغ لمعالجة مخلفات السنوات العشر الماضية على اقتصادها، وهي في حاجة إلى علاقات جيدة مع الجميع لتأمين الاستثمارات وقدوم المستثمرين.
وقال الناشط السياسي منذر ثابت إن “الواقع يفرض أن تكون الآلية الدبلوماسية في حالة وظيفية حتى قبل القمة، وأن تكون دبلوماسية واعية بالتقاطعات والمصالح والعلاقات؛ لدينا دبلوماسية في حالة سبات وخارج سياق ما يحدث في العالم وليست في حالة فاعلية”.
وأضاف ثابت في تصريح لـ”العرب” أنه “ليس من مصلحة تونس الذهاب نحو المزيد من العزلة إقليميا ودوليا، وعلاقاتنا الخارجية الآن تقتصر على الجزائر، والوساطة الوحيدة لتجاوز المشكلة أن تكون هناك وساطة فرنسية، وهي الوساطة الأكثر إفادة في ظلّ غياب الدور الليبي والجزائري”.
وتابع “لدينا شخصيات وطنية ورجال أعمال لهم حظوة في المغرب، ودور الوساطات مهم جدا الآن”.
وحذّر مراقبون تونسيون من مخاطر الانحياز في موضوع الصحراء، ومن فكرة أن يكون الموقف التونسي عنوانا للتضامن مع الجزائر بسبب الدعم الذي تقدمه لتونس في موضوع الغاز، معتبرين أن كل دولة لها مصالحها التي تتحرك وفقها، والجزائر لديها حسابات خاصة، وعلى تونس أن تقيس الأمور بمصالحها الإستراتيجية وليس من خلال ربطها بحدث محدود في الزمان أو رهنها بموقف عابر.
وكان لافتا أن الجزائر قد شاركت في قمة تيكاد بتمثيل لا يليق بأهمية القمة بالنسبة إلى جارتها الشرقية، حيث غاب الرئيس عبدالمجيد تبون ورئيس الحكومة أيمن عبدالرحمن وحضر وزير التجارة كمال رزيق.
من الجانب المغربي قال مراقبون إن خُروج قيس سعيد عما دأب عليه رؤساء تونسيون سابقون من مواقف الحياد جاء تحديا للأواصر الدبلوماسية والسياسية التي جمعت بين المملكة المغربية وتونس منذ الاستقلال، مشيرين إلى أن بيان الخارجية التونسية جاء كتبرير غير مقبول للاستقبال الذي خصصه رئيس دولة عريقة ومعترف بها في الأمم المتحدة لزعيم جماعة انفصالية لا امتداد سياسيا واجتماعيا لها داخل الأقاليم الصحراوية المغربية.
محمد سالم عبدالفتاح: موقف قيس سعيّد يهدد الإشعاع الذي كانت تحققه تونس إقليميا ودوليا
واعتبروا أن المنزلق الذي وقع فيه الرئيس التونسي يحتاج إلى الكثير من الجرأة السياسية للاعتراف به كخطأ يتطلّب تصحيحا سريعا وواضحا من الطرف التونسي، لافتين إلى أن الأزمة الدبلوماسية التي طرأت بين المغرب وتونس تحتاج إلى قنوات سياسية حزبية ومدنية داخليا وعلى المستوى العربي لإعادة إصلاح العلاقات الثنائية.
وكان الناطق باسم وزارة الخارجية المغربية اعتبر أن الإشارة المتعنتة في بيان وزارة الخارجية التونسية إلى “تأمين استقبال لجميع ضيوف تونس على قدم المساواة مبعث اندهاش كبير”، وأضاف “مع العلم أنه لا الحكومة التونسية ولا الشعب التونسي يعترفان بهذا الكيان الوهمي”.
وأكد رئيس المجموعة النيابية لحزب الحركة الشعبية في مجلس النواب إدريس السنتيسي أن الرئيس قيس سعيد “قام بخطوة ليس لها ما يبررها، لاسيما أنها تمت من قبل رئيس دولة من الدول المغاربية التي احتفظت دائما بموقف محايد ينتصر لقرارات الأمم المتحدة”.
وشدد السنتيسي على أن تونس وتاريخ تونس وعلاقات تونس بالمغرب “أقوى وأجدر من أن يتم تقويضها بسلوك معزول لا يعكس مواقف المؤسسات والمجتمع التونسي إزاء المغرب”.
وأكد محمد سالم عبدالفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، في تصريح لـ”العرب” أن قيس سعيد يفرط بهذه الخطوة في “الإشعاع التونسي الذي كانت تحققه تونس إقليميا وقاريا، بفضل المواقف المتوازنة التي كانت تتبناها في السابق إزاء الصراعات العبثية التي يشهدها جوارها الإقليمي، خاصة وأنه يستقبل مجرما متابعا لدى القضاء الإسباني بتهم جنائية”.
العرب